شهد الوطن العربي في العقدين الأخيرين نموًّا ملحوظًا في مؤسّسات التعليم العالي، تماشيًا مع متطلّبات العولمة ومجتمع المعرفة. في المقابل، اكتسى التصنيف العالمي للجامعات أهمّية بالغة في مسار تحسين أداء التعليم العالي والبحوث العلمية في العالم بأسره. فما هو موقع الجامعات العربيّة في هذا الإطار؟ وما هي أبرز التساؤلات المطروحة في الأوساط الأكاديميّة والعلميّة العربيّة فيما يخصّ هذا الموقع؟
يمثّل تصنيف الجامعات أهمية بالغة لكونه يعطي الجامعة مؤشّرًا على موقعها بين الجامعات العالمية وفقًا للمعايير التي بُنيت عليها هذه التصنيفات. ولقد سعت الجامعات العالمية سعيًا حثيثًا إلى تأمين المتطلّبات اللازمة للتوافق مع هذه المعايير التصنيفيّة للجامعات العالمية في سبيل تحسين بيئاتها التعليميّة، وتمكين طلّابها من الإجادة في مجالات العمل المختلفة والمسابقات العلمية الدولية، وتحسين أداء أعضاء هيئاتها التدريسية في التعليم والبحوث العلمية، وتقديم الاستشارات وخدمة المجتمع، وإبراز إنجازاتها العلمية من خلال نشر بحوثها في المجلّات والدوريات العلمية الرصينة، وحصد الجوائز العلمية وغيرها، لجذب الكثير من الاستثمارات التي من شأنها دعم أنشطتها العلمية واستقطاب أفضل الطلبة للالتحاق ببرامجها بوصفها مراكز إشعاع فكري وعلمي متميزّة.
وقد صدرت في الآونة الأخيرة تصنيفات عدّة لأفضل الجامعات في العالم، لم تكن أيّ جامعة عربية من ضمنها، ما أدّى إلى طرح تساؤلات عدّة في الأوساط الأكاديمية والعلمية، أهمّها لماذا لم تشتمل تلك التصنيفات على أيّ جامعة عربية؟ وأين مكمن الخلل الذي تسبّب في خروجها من تلك التصنيفات؟ بحيث ترتّب عن الأمر ضرورة تحديد موقع الجامعات العربية من تلك التصنيفات، وتحديد المقترحات التي تسهم في تحسين ترتيب الجامعات العربية في تلك التصنيفات.
الجامعات العربية في التصنيفات العالمية للجامعات:
• تصنيف شنغهاي :"Institute of Higher Education, Shanghai Jiao Tong University"
يوضح تحليل قوائم تصنيف الجامعات لتصنيف شنغهاي للعام 2014 الصادرة على موقع التصنيف ظهور خمس جامعات عربية فقط، أربعٌ منها في المملكة العربية السعودية، تتقدّمها جامعة الملك سعود في الفئة (151-200)، وجامعة الملك عبد العزيز في الفئة (201-300)؛ وذلك نظرًا لأنّ تصنيف شنغهاي يرتّب أوّل مائة جامعة، ويضمّ بعد ذلك الجامعات الباقية في فئات متتالية، تليهما جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الفئة (301-400)، فجامعتا الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وجامعة القاهرة في الفئة (401-500). ولم تظهر أيّ جامعة عربية أخرى.
والجدير بالذكر أن جميع التصنيفات العالمية تقوم بترتيب أوّل مائة جامعة بصورة فردية. أمّا الجامعات المتبقيّة، أي ما بعد المائة، فغالبًا ما يلجأ بعض التصنيفات مثل التصنيف الصيني إلى وضعها ضمن فئات ومجاميع بسبب حصولها على درجات متماثلة ومتشابهة طبقاً للمعايير والمؤشّرات التي تستخدمها تلك التصنيفات.
• تصنيف "كيو إس":"QS World University Rankings"
تضمّنت قائمة "تصنيف كيو إس"لعام (2014-2015) ثماني جامعات عربيّة فقط من ضمن أفضل(500) جامعة في العالم، ولوحظ أن ثمّة تقدّمًا ملحوظًا على هذا الصعيد، بعدما جاءت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الترتيب (225)، تليها جامعة الملك سعود في الترتيب (249)، والجامعة الأميركية في بيروت في الترتيب (250)، وجامعة الملك عبد العزيز في الترتيب (334)، والجامعة الأمريكية في القاهرة في الترتيب (366)، وجامعة الإمارات العربية المتحدة في الترتيب(385)، وجامعة الشارقة في الترتيب (390)، وأخيرًا جامعة خليفة في المركز (441)، وخرجت باقي الجامعات العربية من قائمة أفضل (500) جامعة.
• تصنيف مجلّة التايمز للتعليم العالي ":"The Times Higher Education World University Ranking
غابت الجامعات العربية عن قائمة تصنيف التايمز(2014-2015) باستثناء جامعة القاضي عياض في مراكش في المغرب، وذلك في ترتيب متوسّط نسبيًا جاء في المركز(301). وهذا يشير إلى مدى تأخّر جامعاتنا وعدم تحقيقها معايير هذا التصنيف ومؤشّراته.
• تصنيف "ويبمتركس" :"Ranking Web of Universities"
بتحليل قائمة "تصنيف ويبمتركس" (يوليو/ تموز 2014) لوحظ دخول بعض الجامعات العربية في هذه القائمة وحصولها على مراكز متقدّمة نسبيًا، وهي: كلّيات الفيصل للدراسات العليا في الرياض (2465)، وكلّية الدراسات التكنولوجية في الكويت (2807)، وجامعة مصراتة (2825)، وكانت أوّل الجامعات المصرية جامعة القاهرة في المركز (299)، وتأخّر ترتيب باقي الجامعات المصرية. بهذا تعكس هذه المعطيات الحاجة إلى وجوب اهتمام الجامعات العربية بأوضاعها، ومعالجة هذا التأخّر في الترتيب، من خلال اهتمامها بتحسين مواقعها وتطويرها.
في ضوء العرض السابق لموقع الجامعات العربية في التصنيفات العالمية، يمكن استخلاص الآتي:
- إن دخول بعض الجامعات العربية، وبخاصّة جامعات مصر والسعودية، ضمن هذه التصنيفات العالمية وتحقيق بعضها مراتب متقدّمة نسبيًا، يعطي مؤشّرًا عن تفاوت مستوى هذه الجامعات، قد يُعزى إلى اهتمام بعض تلك الجامعات بالمنافسة العالمية. وهو الأمر الذي جعلها تتهيّأ لهذا السبق العالمي من خلال صياغة رؤى استراتيجية واضحة تضمن لها التقدّم في التصنيفات العالمية، في حين ما زالت جامعات عربية كثيرة خارج تلك المنافسة؛ لأنّ تركيزها ينصبّ على وظائفها الأساسية وهي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وتخريج متعلّمين لسدّ احتياجات قطاع الأعمال في تلك الدول.
- إن الجامعات العربية ما زالت بعيدة عن أفضل (100) جامعة على مستوى العالم، بيد أنّ هناك سعيًا حثيثًا من الجامعات السعودية للوصول إلى نادي المائة لأفضل جامعات العالم، حيث حصلت جامعتا الملك سعود والملك عبد العزيز على ترتيب متقدّم في النسخة الأخيرة للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم في الفئة (151-200) والفئة (201-300)، وحصلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على ترتيب متقدّم عالميًا في تصنيف (كيو إس) في نسخة 2013-2014، حيث جاءت في الترتيب (216) عالميًا. وظهرت ثماني جامعات أخرى في قمّة أفضل (500) جامعة وخرجت باقي الجامعات العربيّة.
- الغياب شبه التام عن تصنيف (التايمز) لعام (2014-2015) حيث لم يظهر في التصنيف، في نسخته الأخيرة (2013-2014)، إلّا جامعة القاضي عياض في المغرب.
- لم يدخل في نادي الألف جامعة على مستوى العالم في أحدث نسخة لقائمة تصنيف (ويبمتركس - يوليو/ تموز 2014) إلّا جامعتان فقط من المملكة العربية السعودية وهما جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز، مع وجود تراجع كبير في الترتيب لعددٍ من الجامعات العربية في هذا التصنيف.
مقترحات للتحسين
على وجه العموم يكمن الكلام على تراجع وعلى تدنّي مراكز الجامعات العربية في قوائم التصنيف العالمية عدا بعض الجامعات السعودية، التي حقّقت بعض التقدّم. في حين لم تظهر أي جامعة عربية في قائمة أفضل (100) جامعة على الإطلاق منذ بداية قيام هذه التصنيفات حتى الآن، الأمر الذي يدقّ ناقوس الخطر ويدفع بالقائمين على الجامعات إلى ضرورة تدارك الأمر، ومعالجة الأوضاع، ولاسيّما أننا نعيش في عصر التنافسية والتميّز العلمي.
وتتضمّن مقترحات تحسين ترتيب مواقع الجامعات العربية في التصنيفات العالمية ما يلي:
- زيادة الحوافز المقدَّمة إلى مَن يقومون بنشر بحوثهم العلمية في المجلّات العلمية المصنّفة عالميًا مثل (Nature) أو (Science) أو ما يعادلهما، أو إلى مَن يقومون بتأليف كتب تُنشر من قبل دور نشر عالمية، أو يقومون بتسجيل براءات اختراع عالمية، أو تمّ الاستشهاد ببحوثهم عالميًا.
- العمل على مواكبة موقع الجامعة لتقنيات البحث في المحرّكات العالمية، وإدراج خرائط الموقع (sitemaps) في محرّكات البحث بما يسهّل عملية الحصول على المعلومات.
- تفعيل صفحات أعضاء هيئة التدريس في المواقع الأكاديمية إلى جانب فتح المجال أمام الموظّفين الإداريين لإنشاء مواقع إدارية، وتدريبهم على استخدامها، وتوفير الدعم الفنّي اللازم لأعضاء هيئة التدريس من أجل تفعيل صفحاتهم، وتنظيم مسابقات لأفضل مواقع لأعضاء هيئة التدريس من حيث عدد الصفحات وعدد الملفّات.
- نشر المقرّرات الإلكترونية عبر مواقع الإنترنت، وتشجيع أعضاء هيئة التدريس على ذلك.
- تدعيم الترابط الشبكي بين الجامعات العربية بما يعزّز وجودها على الإنترنت ويساعد على التبادل البحثي بينها وبين بعضها بعضًا.
- إنشاء قواعد بيانات محلّية وعربية في كلّ تخصّص من التخصّصات على شبكات الإنترنت.
- زيادة عدد الروابط التي تؤدّي إلى مواقع تلك الجامعات على الإنترنت.
- استقطاب وجذب أعضاء هيئة التدريس الأجانب والعرب المتميّزين للعمل في الجامعات العربية.
- تبنّي سياسات جاذبة للطلّاب العرب والأجانب في الجامعات العربية، من خلال تخفيف القيود وتخفيض المصروفات.
- تبنّي الشراكات والبروتوكولات والتحالفات مع الجامعات العالمية المرموقة وتعديل التشريعات والقوانين المعوّقة لتفعيل تلك الاتفاقيات.
- زيادة الإنفاق على التعليم الجامعي، وخصوصًا الإنفاق المرتبط بالبنية التحتيّة وإنشاء الجامعات، بما يسهم في تقليل التكدّس الطلّابي، ويُحسّن معدّلات ونسب الطلاب لأعضاء هيئة التدريس.
- التوسّع في نشر المجلّات والدوريات العلمية لكلّ جامعة على موقعها على الإنترنت.
- التوسّع في البعثات العلمية والمهام العلمية في الجامعات والمراكز البحثيّة المرموقة.
- نشر المؤتمرات والندوات على مواقع الجامعات على الإنترنت.
- التركيز على تحقيق الجامعات العربية لمواقع أفضل، وخصوصًا في تصنيف "كيو إس"؛ نظرًا لانسجام معاييره ومؤشّراته مع الواقع العربي، وذلك كبداية لتحسين أوضاع الجامعات العربية ككلّ وفق التصنيفات الأخرى.
التدقيق اللغوي: هبه العربي