تعدّ النظريات والمناهج النقديّة أدوات لسبر أغوار الظاهرة الأدبيّة؛ وليس غاية في حدِّ ذاتها، فالخطاب الأدبي كان البادئ في الإظهار؛ ثمّ تلته الممارسات النقدية، ولا يمكن أن تدّعي نظرية من النظريات شمولها للظاهرة الأدبية؛ إذ الأدب ظاهرة إنسانية، ومعلوم أن فهم الإنسان وفكره هي عملية جد معقدة تستلزم الإقرار بإشكالية المنتج الإنساني؛ وبالتالي إشكالية الأدب، ويعتبر النقد الثقافي مغايرًا تمامًا لجلّ المدارس النقدية التي ظهرت على الساحة الأدبية؛ من حيث المعايير النقدية والأداء الذي يجمع آليات المدارس النقدية المختلفة؛ سواء منها الداخل أدبية أو التي تنتمي لمختلف العلوم الإنسانية الأخرى؛ واستعاراته لأدواتها النقدية في نقد الظاهرة الأدبية، إذ نجد أنّ "عمل الناقد يتحدد أساسًا في تحرِّي الموضوعية والروح العلمية في التعامل مع الظاهرة الأدبية لأنّه تعامل مع الذات المنتجة وسط بيئة سياسية واجتماعية وتاريخية"(1)، وبهذا أصبح النقد الثقافي نقدًا تكامليًّا يجمع بين مختلف النظريات النقدية، ويخلص من خلالها في الأخير إلى تطبيق منهجه الخاص لاستكشاف الأنساق الثقافية بعد استخراج الظواهر الأدبية المعروفة مسبقًا؛ بفضل النظريات المختلفة للنقد.
وعليه بات على الدارس النقدي أن يتحرى ويبحث وسط "النقد الثقافي" عن رصيد علمي ومعرفي يحقق التكامل المعرفي والنقدي، وذلك وفق آليات وأدوات إجرائية تحقق انسجامًا نقديًّا وفنيًّا وجماليًّا مع النص الأدبي المراد استنطاقه وتحديد القراءة النقدية المناسبة له؛ دون إحداث قطيعة نظرية مع ما سبق من المناهج؛ مع الاستفادة الكاملة من المنهج الثقافي بما هو دراسات ثقافية ونقد ثقافي، وهذا لن يتحقق إلاّ من خلال الممارسات والتجارب النقدية المتواصلة التي يكتسبها الناقد من خلال تمرّسه على مختلف النصوص الأدبية الشعرية أو السردية، ليقارب النقد الثقافي: البنى والذات والآخر والهوية والسياق والإنتاج دون إغفال أو تقديم عنصر عن آخر.
وقد وجدنا أنّ "النقد الثقافي" كان من بين مجموع الاتجاهات النقدية التي تعرضت للنقد الشديد والمعارضة الشرسة؛ رغم أن العديد من الباحثين حاليًّا حاولوا خوض غماره وإيجاد موضع له في الساحة النقدية؛ رغبة منهم في الخلاص من أحادية الرؤية النقدية وتقديس المنهج التي اتسم بها نقدنا العربي طيلة فترة زمنية طويلة من جهة؛ وعدم التمرس الجاد في تحديد الآليات الإجرائية للممارسة النقدية الجادة لهذا النقد الجديد من جهة أخرى.
إن اعتبار النقد الثقافي عودة للانطباعية والنقد الماركسي التقليدي، لهو ظلم عظيم في حق نظرية ثورية استطاعت أن تضع الأصبع على ما لم تفلح فيه النظريات السابقة، وهي وإن استفادت من المناهج النقدية السابقة فهي لم تستنسخها كما يدعي البعض؛ بل هي عودة جديدة للانتصار إلى النقد باعتباره خادمًا للإنسان؛ وليس خادمًا للنص، ولا شك أن العمل الأدبي يساهم في تأسيس لغتهالواصفة؛ وتطوير صيغة نقدية ذات طابع خاص؛ وذلك تبعا لما ينفرد به من أرضية واقعية فنية يجب اعتبارها عند النقد والدراسة، لكن أيضا فإن أي عمل أدبي عربي تمتزج معطياته الأصلية وعناصره المتلاحمة في بوتقة واحدة؛ من لغة وأدب وتاريخ وفكر وسياسة وعقيدة وغيرها من المكونات الرئيسة التي يكمل بعضها بعضًا، كما أنّ أحد أهم أركان القراءة المتميزة والفاعلة والمنتجة المتمثل في مسألة اختيار المنهج النقدي المناسب لموضوع الدراسة الأدبية؛ واعتماد رؤية وقراءة نقدية مؤهلة لمحاورة ومعالجة أعمال أدبية لها واقع وطبيعة معينة، والأحق بالاعتبار هو الخطاب الأدبي بقِيَمه التعبيرية والشعورية؛ لأنه أولًا وأخيرًا يعدّ مفصلًا فارقًا من مفاصل النسيج الثقافي والفكري الإنساني؛ وليس ليّ عنق الخطاب ليستجيب لمنهج نقدسه ولا نروم غيره، ولا يستطيع الناقد اليوم الاستغناء عن المناهج النقدية الموجودة على الساحة النقدية؛ بل هو بحاجة ماسة إلى استحضارها جميعا علّه يستنير بها أثناء التحليل، إذا من أراد أن يكون عمله جادًّا لا يجب أن يغفل أنّ الاختيار الأنسب هام ليكون عمله مؤطرا بنظرية واضحة المعالم؛ لا أن يلعب بالمصطلحات ويجلبها من هنا وهناك مما يستحيل معه فهم البناء التحليلي المجتلبة مفاهيمه من هنا وهناك، وما هذا قصدُنا بالتكامل؛ إنما هو تكامل في التفكير الموسوعي وأجرأة على نمط نظري محدد وواضح، ثم من المؤكد أن يظلّ أي عمل أدبي عربي مغتربًا إذا ما تعمد الناقد الأخذ بممارسة نقدية تُنَرجِس نفسها وتلغي الأخريات؛ بل سيتم إلغاء هويته؛ وطمس أسئلة الذات الكاتبة والمنتجة له، عندما يصير تباهي الباحث بالمفاهيم والأدوات النقدية وتقديس المنهج حاجزًا يحول بينه وبين الاهتمام بالعمل الإبداعي والإنصات إلى الأصوات والأصداء المترددة فيه؛ مما يجعله بعيدا كل البعد عن تقديره حق قدره، إذن فليس الأدب وثيقة ذات بعد واحد؛ يزج بها البعض مثلًا في معالم التاريخ أو الاجتماع؛ ويضعها البعض الآخر من الباحثين في دائرة الفن أو الفلسفة أو العقيدة؛ ويضعها آخرون لوحة فنية لا تهتم إلا بالجمالية والبلاغية؛ بل إنّ الأدب حياة متشعبة ومستقاة من واقع الإنسان الإشكالي، خاصة الإنسان المعاصر، إنه أدب يستجيب للدراسة النقدية؛ بشرط أن ننظر إليه على أنه نتاج أدبي ابن بيئة محددة؛ وذو أبعاد متنوعة ومستويات مختلفة؛ وخصائص مركبة لا يستغني بعضها عن بعض.
كما أنّه من الخطأ دراسة العمل الأدبي في ضوء منهج نقدي واحد، إن القصد السليم هو أن لا يتم إخضاع أي خطاب أدبي اعتباطًا وبالإكراه لسلطة الأداة النقدية؛ وأن لا نترك الخطاب الأدبي يهيمن على المنهجية النقدية التي سيعتمدها في ممارسته النقدية؛ وذلك محاولة منه لإقامة حوار نقدي إبداعي بين العمل الأدبي ومنهج الدراسة والتحليل؛ باعتبار أن العمل الأدبي كائن لغوي حي نامي متفجر؛ له ظروف إنتاج وتلقي معينة وخصائص محددة، ثم إنه تجربة مفتوحة باستمرار من أجل القراءة؛ والمطلوب هو استكشاف ما يزخر به من حياة داخلية وإبراز فاعليته النقدية، وأنه نص يقبل الحوار النقدي بلا عُقَد تعيق عملية التلاقح النقدي؛ بلا طابوهات أو مقدسات أو ثوابت.
إنّ النص الأدبي من حيث هو نص إبداعي ذو بنية فنية محددة - لكن بنيته الثقافية معقدة - موضوعيّ في وجوده بالنسبة إلى الناقد؛ غير أنّ الناقد المتمرس "في موقفه من النص الإبداعي يمكن أن يكون ذا رأي موضوعي، مثلما يمكن أن يكون ذا رأي ذاتي"(2)، فإذا ما فرض الناقد ذوقه أو أيديولوجيته أو منهجه على ذلك النص؛ فإن موضوعية رأيه النقدي تبدو مشكوكًا فيها أحيانًا؛ وتنقصها الروح العلمية، أما إذا تعامل مع النص من منظور نصّانيته؛ فإن إمكانية اتصاف رأيه النقدي بالموضوعية تغدو كبيرة؛ خاصة إذا تعاطى بشكل منطقي مع الظاهرة الأدبية وفسرها وحللها وفق رؤية نقدية تحترم كلّ القواعد المنهجية والمعنوية للمدرسة النقدية والنص المنقود، هذه النصّانية التي لا يمكن أن تكتشف حيثياتها دون نقد أدبي يدرس البنى اللغوية ودون نقد ثقافي يدرس ما وراء هذه البنى من أنساق متوارية وراءها.
تعد ظاهـرة صراع الاتجاهات النقدية من المشاكل الكبرى التي تواجه النقد؛ خاصة إذا كان الصراع غير أخلاقي؛ أي صراع لنسف الآخر بالوسائل المشروعة والغير مشروعة، وفي هذا الصدد نرى أن هناك مشكلة كبرى تتمثل في عدم تحديد المنهج النقدي والمصطلح والآليات الإجرائية المستعملة في عملية النقد؛ ومن ثم في بناء نظرية نقدية عربية أصيلة يتفق عليها جميع النقاد المغاربة والمشارقة، فحالة الضعف التي نعيشها على عدد من الأصعدة تؤكد تبعية التجدد والابتكار في الثقافة عامة والأدب والنقد خاصة، والمثقف الناقد القارئ المدقق هو من يصنع الفكر أمّا ما نراه على ساحة الأدب والنقد فهناك أشكال غير قليلة انتهت إلى الاستلاب الإرادي والثقافي، وإلى بلبلة فكرية وسياسية ودينية وقومية، فما اخترع الغرب مصطلحًا ما أو منهجًا أو آليات نقدية إلا وولجنا جحره مقبلين عليه بنهم؛ دون أن نكلف نفسنا عناء فهمه فهمًا لائقًا به وبنا؛ ودون مراعاة لطبيعة أدبنا وخصوصية مجتمعاتنا، ونوظف بنهم المولع بثقافة الغالب -على حد تعبير ابن خلدون- كلّ تلك المعايير والقواعد النقدية، وأثناء ذلك نمارس تبعيتنا بشغف؛ لننتقل من التقليد إلى تنصيب الذات مدافعة عن شيء ليس لها؛ بل إنه من العجب أن ترى أصحاب النظرية والمنهج قد تركوه لانفتاحهم وتجديدهم ولا زلنا نحن ندافع عنه ونقدسه، إنها ثقافة الشيخ والمريد الصوفية؛ أو إنها ولاية الفقيه الصفوية، ثم ترانا من فرط إعجابنا بذواتنا المصطنعة نعيب على نقادنا القدامى تقصيرهم عما وصلت إليه حركة النقد الحديثة، وقد حاوَلـْتُ حصر ظاهرة صراع اتجاهات النقد العربي في الآتي:
* صراع النظريات النقدية، و إن بدت لغطًا وتهافتًا؛ فإنها تبقى ظاهرة محمودة في النقد العربي خاصة أثناء دراسة الظاهرة الأدبية التي لا يجب أن تُحصر بمنهج واحد؛ بل أن تقارب بعديد المدارس النقدية.
* الصراع المنهجي والفلسفي بين المدارس النقدية؛ ويعتبر ظاهرة يجب أن يخوض فيها النقاد دون غيرهم ضمن مؤسسات البحث العلمي؛ للبحث عن تأسيس بنيان نظري قوي لا يتبع شطحات ونطحات المتهافتين من محترفي النقد والمتكسبين به.
* التخبط في النسق الإديولوجي والمنهجي دون تحديد آليات ومحددات العمل داخل كل منهج أو نظرية؛ يخلق صراعًا نقديًّا لا مبرر له، حيث نقاط الالتقاء قد تكون أكبر مما يعتقد وبالتالي إمكان التعايش والتكامل قد تفتح له فرصة أكبر من إمكان الصراع.
* رفض الآخر ورفض الجديد وعدم فهمه يذكي نار الصراع بين المدارس النقدية والمتحمسين لها.
* تدخل السلطات السياسية والفاعلين في الإنتاج الأدبي والنقدي يخلق صراعا مؤدلجًا لا علاقة للمنهج النقدي به لا من قريب ولا من بعيد.
هذا وتبقى القراءة النقدية الواعية المبنية على التصور الصحيح لماهية النقد؛ سبيلاً إجرائيًّا لسبر أغوار المناهج النقدية والأدبية مجتمعة أو منفردة؛ وولوج تقنياتها، فتبيح الشمولية والانفتاح والوسطية والمقارنة، وبهذا آثرنا النقد الثقافي ليس باعتباره نظرية نقدية منفردة؛ وإنّما باعتباره نظرية جامعة للنظريات النقدية المختلفة، كما آثرناه باعتباره منخرطًا في الدنيوية وهكذا تصورنا للنقد: دنيوي إلى أبعد الحدود، وقد يصبح النقد الثقافي كما رأيناه عند الغذامي وكما قد يتطور معه أو مع غير -وهو بالفعل يتطور- طريقة فنية تؤدي إلى تأسيس منهج نقدي عربي أصيل غير معزول عن المناهج النقدية والأدبية الغربية؛ وعن العلوم المساعدة الأخرى؛ إذ تعمل على" افتتاح فضاء للخطاب النقديّ يتسع للحوار؛ وبالحوار بين تيارات الخطاب العربيّ واتجاهاته وميوله" (3) ، وهذا يتضح انفتاح المناهج النقدية التي يكمل بعضها الآخر خاصة في الفكر المنطقي والرؤية التحليلية.
تكمن أهمية التكامل بين المناهج النقدية كونها الوسيلة الأقدر على تنظيم البحث النقدي من خلال إجراءات محددة؛ ووفق طرائق خاصة، ولا يسع الناقد الاستغناء عن هذه المناهج؛ فهو في أمس الحاجة إلى " منهج أو أكثر ليستهدي به؛ إذا ما أراد أن يكون عمله جادًّا تؤطره نظرية واضحة" (4)، وخاصة إذا كان العمل المقدم أكاديميًّا؛ فإنّه لا يطفئ نهمه المعرفي منهج نقدي واحد؛ بل يلوذ بعدة مناهج ليؤسس ظاهرة التكامل المنهجي والمعرفي بين آلية التنظير والتطبيق على النص الأدبي، وبهذا تتم معهم عملية التعددية المعرفية للباحث والمبدع على حد سواء، لتنبني أسس التكامل بين حلقات النقد القديم والحديث والمعاصر بكل أنواعه و أقسامه.
إن الإيمان بتكامل المناهج النقدية وإن كان يحقق نوعًا من الانسجام المعرفي والمنهجي أثناء عملية النقد؛ إلا أنه لا يتأتى بيسر لكل ناقد، إذ أن الشخصية العربية كما صدرنا سابقًا شخصية معجبة بذاتها وترفض التعدد لأنه في نظرها نقصان للكمال، وهذا ربما تأتّى من اختلاط المفاهيم والتصورات بين ما هو ديني اعتقادي وبين ما هو منهجي علميّ إذ كما لا يتصور العربي تعدد الآلهة؛ فإنه لا يتصور تعدد المناهج الموفقة حتى وإن كان التعدد حاصل في أعماله -حتى العقدية منها- فهو يرفضه ويؤوله بغير ما هو عليه، و عملية الإيمان بالتكامل المنهجي تتأسس تدريجيًّا انطلاقًا من الرؤية النقدية الواعية بمسلمات الأدوات النقدية وعلاقتها بالنص والواقع، وينبغي أن نعيَ جيّدا أهمية التكامل بين المناهج في دراسة الظاهرة الأدبية من خلال جملة من الخصائص النقدية؛ وهي كالآتي:
* انفتاح آفاق البحث وعدم حصره في زاوية معينة.
* الاستفادة من رحابة المناهج في الدراسة العلمية .
* الوصول إلى وحدة العلم أو العلم الموحد الذي يدرس كل شيء بوسائل عامة و مجردة.
* تنمية الكفاءات والمهارات المساعدة على اكتساب القدرة على التفكير المتعدد لدى الباحث.
وعليه يمكن أن تصبح القراءة النقدية في ظلّ التكامل بين النقد الثقافي والنقد الأدبي؛ بديلاً عن النقد أحادي المنهج الذي يسلط نوعًا من التعسف المنهجي والنقدي على الخطاب أو النص، فلكي تتمّ القراءة الصحيحة لابدّ من حضور طرفيها "النص- الناقد" حضورًا حواريًّا تفاعليًّا؛ كما يقول آيزر، ولا يتمّ هذا الحضور إلاّ إذا كان الطرف الأول "النّص" ثريًّا مبتدعًا، وكان الطرف الثاني "الناقد" ملمًّا منفتحًا بـ وعلى كلّ حيثيات النقد ومدارسه النقدية وتفرعاته المنهجية والإيديولوجية أثناء الدراسة، وهذا لا يتأتى إلاّ بالتسلح المستمر بالأدوات والآليات الإجرائية التي تساهم في تفعيل عملية القراءة النقدية وتسهيل تواصل النقد بكلّ المدارس النقدية والاستفادة منها بطريقة تجعل من العملية النقدية مرنة وسلسة دون إفراط ولا تفريط.
لعلنا بناء على ما سبق يمكن أن نضع مجموعة من الملاحظات التي يجب أن يراعيها ناقد النص الأدبي الغير المقدس للمنهج؛ والمنفتح على جلّ المناهج النقدية على اختلاف مشاربها التي سعت "إلى التشبه بالعلم واستخدام أدواته والاستفادة من معادلاته وأحكامه وأرقامه في مقابل مجافاة التأثيرات الذوقية وإنكار الرؤية الذاتية"(5)، ومن هذه الملاحظات :
* عدم التركيز على منهج نقدي واحد أثناء الدراسة النقدية للظاهرة الأدبية؛ بل يستحسن الاستعانة بمناهج أخرى تساهم بشكل ملحوظ في كشف خبايا الظاهرة الأدبية ومحاولة تحليلها وفق الأطر المناسبة لذلك دون إجحاف.
* مراعاة نوع من التقارب والانفتاح النظري والتطبيقي بين جلّ المدارس النقدية التي تسعى إلى التكامل خاصة إذا كانت لها أصول فلسفية ومنهجية متقاربة.
* الخوض في عملية التكامل يستدعي من النقاد التسلح التام بأدوات وآليات نقدية تحقق التكامل دون شرط أو قيد؛ على أن تحدد تلك الأدوات سلفًا من أجل المساهمة في هذا المشروع النقدي العربي الأصيل.
* وقوع نقدنا العربي تحت هيمنة الأحادية النقدية؛ وكف حركته عن الإبداع لما هو أصيل ومتفرّد ومنطلق من واقع همومنا الثقافية الخاصة؛ وطبيعة النّص الإبداعي، وهذا كلّه من أجل إنهاء الغربة المنهجية التي يحياها نقدنا العربي.
* كثيرة هي المدارس النقدية التي وقعت في إشكالية العجز النقدي للظاهرة الأدبية؛ وهذا لطبيعة النص الخاصة أو لعدم قدرة المنهج على تفكيك شفرات النص؛ ومناسبة المنهج النقدي له أثناء عملية التحليل.
* قد تتباين النظريات النقدية ظاهريًّا وإجرائيًّا؛ إلاّ أنّها تتقاطع في العديد من القضايا لهذا كانت النصوص المعروضة على النقد تواجه بأساليب عدة لتشريحها وفهمها، والإجراء النقدي هو الذي يعلي من شأنها أو يقلل منه، وهكذا تبقى عملية النقد في أخذ ورد بين الناقد من جهة والمبدع من جهة مقابلة،في ثنائية ضدية.
عمومًا إنّ المدارس كلّها متكاملة فيما بينها، في حين تبقى الظاهرة الأدبية صعبة المنال تتطلب فهما عاليا للأصول النقدية ،وقاعدة معرفية مركبة ، تسمح للناقد بمسح كلّ حواشي النص ما ظهر منها و ما بطن، وعليه تبقى العملية النقدية في أخذ ورد حتى تقف على مداخل ومخارج الظاهرة الأدبية، كما إن الإجراء النقدي هو نقل المنهج من مستوى التنظير العام إلى مستوى التطبيق الخاص أو مستوى الممارسة، وهذه الممارسة الإجرائية غالبًا ما تختلف بين ناقد وآخر حتى في نطاق المنهج الواحد، فما بالنا نرفض الاختلاف في مناهج مختلفة؟! إذن فالتطبيق النقدي هو المحك الأول والأخير الذي يؤكد مصداقية التنظير أو عدمه، وإن عدنا إلى تاريخ أي منهج نقدي؛ سوف تؤكد لنا أن ثمة فرقًا كبيرًا بين بداياته النظرية ونهاياته التطبيقية بشكل كبير جدًّا، وهذا ما يقال اليوم عن النقد الأدبي فإن محك تطبيقه يبقى رهينًا بما نريد من النقد؛ ويبدو أننا في زمن الضنك الذي نعيشه على المستوى العربي خاصة والمستوى الإنساني عامة، نريد من النقد أن يكون دنيويًّا إلى أبعد الحدود علّه يفلح في تشخيص عوامل سقطاتنا الإنسانية؛ وهذا ما يميل إليه النقد الثقافي ويسعى إليه.
المراجع:
(1) رضا عامر: المناهج النقدية المعاصرة ومشكلاتها (المنهج السيميائي نموذجًا)، مجلة أقلام ثقافية، أرشيف القلم النقدي الألكتروني.
(2) سعد الدين كليب: النقد التكاملي، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق- سوريا،ع281، شتنبر1994.
(3) مصطفى خضر: النقد والخطاب محاولة قراءة في مراجعةٍ نقديّة عربيّةٍ معاصرة، دراسة من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2001.
(4) مرشد الزبَيدي :اتجاهات نقد الشعر العربي في العراق، دراسة من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 1999.
(5) صلاح فضل:مناهج النقد المعاصر، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب 2002، ط2، ص152.
* التدقيق اللغوي: ريم المطيري