تعريف اللامساس :
يعرف اللامساس في علم اللغة بأنه التراكيب التي يتجنبها الأفراد فيما بينهم لاعتبارات شتى. وهو مصطلح بولينزي Polynesion teirm يطلق على كل ما هو مقدس، أو ما يحرم لمسه أو الاقتراب منه لأسباب سيأتي ـ إن شاء الله بيانها ـ سواء أكان ذلك إنسانا أم شيئا آخر.
ويحلل الدكتور كريم حسام الدين لفظة Taboo البديلة لمصطلح اللامساس بقوله: "يذهب الانثروبولوجي المشهور جيمس فريزJames Frazer إلى أن كلمة Tabooفي اللغة البولونيزية مكونة من مقطعين "Ta" بمعنىTo mark أي يسم أو يعلم، و Bu" بمعنى Adverb of intensityأي ظرف للتأكيد، وعلى ذلك تعني الدلالة الحرفية للكلمة Marked thoroughly أي الشيء الموسوم أو المعلم تماما (بدقة) وذلك لأن الأشياء والأماكن الممنوعة معلمة بطريقة خاصة يعرفها كل شخص".
وللامساس أسماء عدة، منها: الكلام الحرام، ومنها: الكلام
غير اللائق، والمعنى الانعكاسي Reflected meaning .
فهو إذن دراسة الكلام المحظور اجتماعيا والتي تعرف في اللغة الإنجليزية Taboo . إنه يرتبط بدراسة الأخلاق، ولا نقصد الأخلاق الجاهزة أو المفروضة، أو الأخلاق القاهرة أو المجمدة أو الثابتة؛ وإنما الأخلاق التي يفرضها الموقف.
يقول فلوجل: "والمحرمات التي نحن بصددها محظورات تتضمن جزاء اجتماعيا، أو مما فوق الطبيعة، يذل كل من يخالفها. فهي من ناحية تختلف عن القيود التي يمليها ضمير الفرد على نفسه، أو تمليها عليه المشاركة الوجدانية، كما تختلف من ناحية أخرى عن القيود التــي تفرضها قوانين العقوبات فالمحرمات (الطابو) هي الطريقة الخاصة التي تلجأ إليها المجتمعات البدائية لضمان توافق الفرد وتكيفه بالعرف الاجتماعي وإخضاعه له"
ومن هذا الجانب اختص علم اللغة الاجتماعي Social linguistics بدراسة تراكيب اللامساس اللغوي.
ولا يختص علماء اللغة الاجتماعيون بدراسة تراكيب اللامساس دون غيرهم؛ فهناك النقاد الذين يهتمون بدراسة الجمال والقبح في الأعمال الأدبية، ومدى وقعها على المتلقي.
ويرجع اختيار الباحث وإيثاره لمصطلح اللامساس كترجمة للتابو في اللغة العربية إلى كونه الغالب عند جمهور اللغويين والمترجمين العرب).
ونستنتج مما سبق أن اللامساس يعتبر ضربا من ضروب حسن التعبير Euphemism ، وهذه الكلمة الأخيرة مشتقة من الإغريقية Eu + pheme ، والتي تعني كلاما لطيفا.
وينوه كاتب هذه السطور إلى أن اللامساس يختلف من دولة لدولة، ومن شعب لآخر، ومن شخص لآخر، بل من الشخص ذاته؛ تبعا لاختلاف المواقف التي يوجد فيها: من فرح، وسرور، ومن تعظيم، وتحقير إلى غير ذلك من المواقف الاجتماعية.
لكن الملاحظ على تاريخ المجتمعات أن الإفحاش في القول يظهر بصورة كبيرة في المجتمعات المتطورة التي يسهل انتشار جانب الفحش والخلاعة فيها.
ومن الدلائل على ذلك ما ذكره يسبرسن من أن السراويل كانت تعرف في الماضي بأنها أشياء لا يمكن التعبير عنها، أو حتى توضيحها، أو وصفها، ولا يخيل النطق بها، كما كانت سيدات Bosten يكتفين بالإشارة إلى قوائم البيانو وإلى أرجلهن؛ ليتجنبن ذكر الكلمة المعيبة legs التي تعني سيقان.
يقول الدكتور مدكور: "فكل مجتمع له أعرافه الاجتماعية التي تجعل أبناء هذا المجتمع يرفضون استعمال كلمات معينة؛ مثل الكلمات
التي تدل على الموت أو الأمراض الخبيثة أو الأشباح والجن، والكلمات التي تشير إلى عورات الجسم الإنساني، وغير ذلك من الكلمات المبتذلة التي ينفر منها المجتمع".
وبرغم هذا الاختلاف بين الدول والأشخاص نجد ألفاظا محرمة يشترك فيها الجميع، كالموت والأمراض الخطيرة والخبيثة والأرواح لا سيما الشريرة، وبعض الوظائف الفسيولوجية للجسم الإنساني وشيء مما يتصل به من أعضاء .ويتضح من هذا مدى ارتباط اللامساس بالحالة النفسية لدى الأشخاص .
وينبه الباحث إلى أن اللامساس لا يقتصر على اللغة الفصحى لكن يمتد أيضا إلى اللغة العامية؛ فمثلا عندما تجيب سائلا يسأل عمن لا يعلم أنه مات يقول: "البقية في حياتك" و "الله يرحمه". ونجد المرأة في الريف تتحرج عن ذكر مرض الحصبة الذميم فتستخدم لفظة المبروكة؛ لما لها من أثر.
كذلك قول العامة: "يا نهار أحوس/يا خراشي" بدلا من "نهار أسود ويا خراشي". وفي العامية المصرية يسمونه: "حسن ملافظك" (.
مما سبق يتبين وجود تركيبين عند التعرض لدراسة اللامساس اللغوي، وهما:
( الأول ) ـ المحظور اللغوي Linguistic taboo أو الكلمـات المحظورة Tabood words .
( الآخر ) ـ تحـسين اللفـظ Euphemisme أو الكلمـات المحسنة Euphemistic words .
ومن الملاحظ مدى الارتباط الكبير بين مستوى التراكيب النحوية ومستوى اللامساس؛ لأن عملية الإبدال، أو الإحلال المعروفة نحويا بـ :Replacement من صميـم مستـوى التراكيب النحوية.
ـ تاريخ اللامساس في الغرب:
عرفت اللغات الأوربية مصطلح الـTaboo في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، في الفترة التي اكتشف فيها الأوربيون جزر الأرخبيل، ويعود الفضل في استخدامه إلى كابتن كوك Captain Cook1770 الذي أدخل هذه الكلمة إلى اللغة الإنجليزية لأول مرة بمعنى الشيء الممنوع Forbidden وانتقلت منها إلى اللغات الأوربية التي استعملت هذا المصطلح لتعبر عن ظاهرة التحريم والمنع.
ويتضح من هذا أن المصطلح ليس مصطلحا لاتينيا أو يونانيا كما جرت العادة بالنسبة للمصطلحات المختلفة في اللغات الأوربية الحديثة، وإنما هو مصطلح مشتق من كلمة بولونيزية الأصل. وقد انتقل هذا المصطلح مثله مثل الكلمات القليلة التي انتقلت إلى اللغات الأوربية من اللغات البدائية المغمورة
ولقد كان العالم النفسي فرويد من أوائل العلماء الذين تناولوا هذه الظاهرة بالتعريف قائلا: "إن دلالة كلمة tabooتتشعب في اتجاهين متضادين، فهي تعني من جهة شيئا مقدسا منزها، كما تعني من جهة أخرى شيئا غريبا ممنوعا.
ـ تاريخ اللامساس عند العرب:
لقد استعمل اللغويون المسلمون اللامساس، وسبقوا غيرهم فيه من مئات السنين؛ فقد استعمل ابن فارس 385هـ مصطلح تحسين اللفظ في كتابه الصاحبي في معرض حديثه عن الكتابة قائلا: "إنه يكني عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسينا للفظ، وإكراما للمذكور، كما استعمل القدماء أيضا مصطلحات أخرى، مثل: التعريض والتلطف والكناية".
وفي فقه اللغة لأبي منصور الثعالبي فصل بعنوان: "فصل في الكناية عما يستقبح ذكره ويستحسن لفظه".
ولقد توسع العرب في دراسة ألفاظ اللامساس بعد مجيء الإسلام، الذي كان له أكبر الأثر في التراكيب اللغوية من حيث الإهمال والاستعمال، ومن حيث التطور والانحطاط ؛ يقول الدكتور خليل: "ثم إن القرآن له فوق ذلك أثره في أن ارتقى بحياة كثير من الألفاظ، وأتى على بعضها مما لم يعد له مكان في الحياة المستقرة التي أقام دعائمها الإسلام على أسس من العدالة والحق، ورعاية المصلحة العامة".
وفي العصر الحديث نجد اللغويين العرب أطلقوا عليه مسميات كثيرة؛ فمثلا سماه الدكتور كمال بشر حسن التعبير، وأطلق عليه الدكتور أحمد عمر التلطف، والدكتور محمد الخولي لطف التعبير
ويضرب الباحث أمثلة كثيرة من مرويات البحث اللغوي عند العرب كالتالي:
ـ "وكان بعض علماء العربية يشيرون في ثنايا كتبهم إلى هذا الابتذال إشارة عابرة لدى الحديث عن بعض الألفاظ دون عناية بظروفه أو أسبابه، كأن يقولوا مثلا إن كلمة "حسن" بمعنى "دخل" لكلمة مبتذلة رغم أنها عربية صحيحة، وقد التفوا بتتبع بعض الألفاظ التي جرت كثيرا على ألسن العامة والجهلة أو السفلة من القوم ووصفوها بهذا الوصف".
ـ عندما دخل عمر بن وهب على بعض الصحابة فقال: انعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية، فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: لقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير؛ السلام تحية أهل الجنة.
ـ لقد كان العرب في الجاهلية يستنهضون العاثر بقولهم: دعدع ولا لعلع، فنهاهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك، واستحب أن يقولوا: اللهم ارفع وانفع.
ـ قال ـ صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن قل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي".
ـ رفض الرسول تسمية العنب كرما؛ لأن الكرم الرجل المسلم.
ـ يحكى أن الخليفة هارون الرشيد كان في يده يوما حزمة خيزران؛ فقال لبعض أصحابه: ما هذا؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، وتجنب أن يقول خيزران لموافقة ذلك لاسم والدة الرشيد.
ـ يذكر الجرجاني أن العرب تكني عن الحشرات يحبور سعد ويريدون سعد الأجنبية؛ لأنه إذا طلعت انتشرت الهواء وخرج منها مجنيا، كما تعرف العربية أسماء محسنة لبعض الحيوانات مثل أم عامر للضبع، وأبي مذقة للذئب.
ـ لقد كان العرب يختارون لأولادهم أسماء تراعى التلطف في الاستعمال، مثل: القطامي الصقر مأخوذ من القطم، ونوفل بمعنى العطية، ريطة من الملاءة البيضاء، ورباب بمعنى السحاب الأبيض، وأم البنين وأم العبيين تفاؤلا بكثرة إنجابها.
ويختم الدارس هذه الأمثلة بهذه الحكاية الطريفة: "قيل للضبي: ما بال العرب سمت أبناءها بالأسماء المستشنعة وسمت عبيدها بالأسماء المحسنة؟ فقال: لأنها سمت أبناءها لأعدائها، وسمت عبيدها لأنفسها".
دلالة اللامساس:
للامساس دلالات كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
ـ يمثل اللامساس جانبا مهما من جوانب الدرس اللغوي الحديث وعلم الدلالة على وجه الخصوص؛ لأنه يعد سببا من أسباب التغيرات الدلالية.
ـ يعتبر عاملا مهما في هجر الألفاظ وإقراضها؛ وهذا ما حرص عليه الدكتور أحمد مختار عمر؛ بقوله: "وكثيرا ما لا يتنبه أصحاب المعاجم والمترجمون إلى هذه النقطة فيضعون اللفظ في مقابل اللفظ الآخر دون أن يساووا بينهما في درجة التلطف أو اللامساس مما قد يوقع من يعتمد على المعجم في ورطة".
ـ يبين طبيعة المجتمع؛ فحتى الآن لا يزال الخوف من الشر والضر موجودا، والخوف من الموت والجن والشياطين كذلك.
ـ يظهر مدى التأثير والتأثر بين اللغات؛ وقد بين هذه النقطة اللغوي جيرو Guiraud ؛ فذكر أن هذه الظاهرة قد انتقلت من اللغات المغمورة إلى لغـاتنا الحديثة؛ وتركـت فيهـا آثارا واضحة.
ـ يعتبر وسيلة لاحترام الآخرين.
ـ يعتبر وسيلة لمراعاة الحالة النفسية.
ـ يعمل على الغناء اللفظي للثروة اللغوية.
ـ من وسائل الاختصار اللغوي.
ـ له دور في التعريض عند الشتم.
ـ وسيلة للخروج من المآزق اللفظية.
ـ له دور مهم في البحث العلمي؛ فيجوز دراسة ألفاظ المساس اللغوي الصريحة في الفحش والإيذاء إذا كنا في محفل علمي؛ ولأننا مسلمون يتسنى لنا الارتكاز على اللامساس؛ و ذلك بحكم الإسلام بمبادئه السمحة والتي منها أنه لا حياء في العلم.
أسبابه:
من الواضح أن اللامساس يعتمد على مبدأ اللياقة اللغوية، ومن المعلوم أن مقاييس اللياقة وعدم اللياقة تختلف باختلاف العصور، واللهجات، والجنس، والموقف: الزوجة مع الزوج، الصغار مع الكبار، المريض مع الطبيب.
يقول الدكتور السعران: "إن مقاييس اللياقة وعدم اللياقة في المجتمع الكلامي الواحد متعددة ومعقدة ومما يزيد البحث فيها صعوبة أنها تتداخل أحيانا مع ما ذكرناه من اعتبارات الخوف الداعية إلى التحريم والتتقنيع".
لكن توجد جملة من الأسباب التي تؤدي للامساس، والتي من أهمها ما يأتي:
1 ـ أسباب سياسية: فالسياسة تؤدي للتغير اللغوي في الألفاظ وفي التراكيب؛ فالثورات عامل مهم من عوامل ازدهار ألفاظ ، والحط من ألفاظ أخرى كالألقاب والرتب الاجتماعية. ومن الأدلة على ذلك كلمة (الوزير) في اللغة العربية بما تحويه من دلالات، أصبحت في الإسبانية لا تعني أكثر من الشرطي، وفي الإيطالية تعني مساعد عشماوي.
يقول الدكتور طاهر حمودة: "والألقاب الدنيوية ـ بصفة عامة ـ يكثر أن يصيبها انحطاط الدلالة؛ وذلك بسبب استخدام اللقب في مجال أو موضوع أضعف من مجاله الأول، وقد أشار الشاعر الأندلسي إلى استخدام الألقاب الضخمة في مدلولات لأقل شأنا بقوله:
ألقاب مملكة في غير موضعها كالقط يحكي انتقاما صولة الأسد
فاستعمال الألقاب ذات الدلالة الرفيعة الشأن في موضوعات أقل شأنا يفقدها جانبا كبيرا من علو قدرها.
2 ـ أسباب اجتماعية: فهناك ألفاظ قبيحة في دلالاتها، كتلك التي ترتبط بالغريزة الجنسية.
كذلك استخدام الكلمات اللطيفة يوجد علاقة بين الكلمات الطيبة الدلالة وكلمات أخرى أقل شأنا منها في المجتمع؛ فهناك نوع من العلاقة بين الطيبة والضعف جعل الكلمات التي تمت إلى الطيبة والهدوء تستعمل في كثير من اللغات للدلالة على البلاهة؛ فمثلا قاصر العقل في الفرنسية يوصف بـ Simple بسيط) وكلمة) (Silly) الإنجليزية تعني حاليا الأحمق الغبي.
وقد كانت تعني في الإنجليزية القديمة الهادي أو ما فوق الحاني.
ويندرج تحت الأسباب الاجتماعية للامساس أيضا مسألة الاحترام والتقدير؛ فمثلا يتحاشى الصغير ذكر اسم أبيه أو معلمه أو رئيسه ويكني عنه بكلمة أخرى؛ يقول الدكتور إبراهيم أنيس: "وقد بلغ هذا الاحترام والإجلال لدى بعض الأمم أن أصبح ذكر اسم الأب أو الإله محظورا محرما. فاليهود لا ينطقون اسم الرب يهوفا، ويستعيضون عنه بكلمة أخرى، معناها السيد هي أذناي كلما عرضت لهم كلمة يهوفا في أثناء القراءة أو الترتيل".
كذلك من الأسباب الاجتماعية مراعاة المقامات والأحوال؛ فنحن نوجز في موقف ونطنب ونسهب في موضع آخر، وغير ذلك يعتبر في نظر الجماعة البشرية عيبا مبتذلا. ويدخل في هذه النقطة استعارة ألفاظ وتراكيب لا يوجد مجال لذكرها، وهذا ما أكده البلاغيون بقولهم: لكل مقام مقال.
ولا شك أن تطور المجتمعات أدى إلى تحرر بعض الكلمات؛ ففي اللغة الإنجليزية مثلا لم تعد كلمة Legsيحمر الوجه عند ذكــرهامثلما كان في وقت سابق.
ويرتبط أيضا بأسباب اللامساس الاجتماعية قضية الخوف من المستمع، ومن أذاه؛ لذلك ينظر إلى هذه المسألة بعين الاعتبار في المحظورات اللغوية.
3 ـ أسباب دينية: وذلك لأن الدين يأتي بألفاظ مستحسنة بديلا عن ألفاظ مستهجنة، بالإضافة إلى إلغائه ألفاظا وتراكيب كانت مستعملة من قبل؛ وهذا نلحظه بشكل واضح مع مجيء الإسلام، الذي أضفي على اللغة العربية طابع الذوق الرفيع، والأدب الجميل؛ ومن ذلك ألفاظ الجماع، والتشاؤم والموت، وجدت بدائلها في كلام الله ـ عز وجل_ وكلام رسوله ـ صلى الله عليه وسلم_، خاصة وإنه قد راعى أحوال المخاطبين.
إن الدين والعرف الاجتماعي يمثل جانب التقديس للإنسان؛ ولذلك يظهر اللامساس اللغوي.
يقول الدكتور كريم حسام الدين: "تعود ظاهرة المحرمات أو المحظورات أو الممنوعات إلى طائفة من العادات والمعتقدات الدينية للجماعة اللغوية حيث تتضمن هذه الظاهرة فكرة القداسة Sacred إذ كل ما هو مقدس يعتبر موضوعا للتبجيل والاحترام".
4 ـ أسباب نفسية: لحالة المتكلم النفسية أثر كبير في استعمال الألفاظ؛ فمثلا يضطر الشخص أحيانا إلى استخدام اللفظ في غير معناه؛ كاستعماله كلمة المفازة بدلا من الصحراء؛ تفاؤلا بالنجاة منها، و تسميته الأعمى بصيرا؛ عزاء لحالته المؤلمة، وأملا في أن يعوضه الله نورا في بصيرته. ويدخل في هذا النوع من الأسباب سبب آخر هو اتقاء الحسد...
ه ـ أسباب غيبية: كتلك التي نلحظها في الخوف من الجن والشياطين، وقد عاشت هذه الأسباب في فترة المجتمع البدائي، الذي انتشر فيه السحرة والكهان.
6 ـ الاصطدام بين الألفاظ العادية والمستهجنة: ففي فرنسا في القرن السابع عشر، كانت السيدات المشهورات بتطرفهن في المحافظة على التقاليد والعادات، والمعروفات بـ Pre cieuses يتبعن نظاما محكما دقيقا في تحريم هذا النوع من الكلمات، ومنذ سنوات قليلة فقط أطلقت الكلمة Quintet على مجموعة من ستة رجال في فرقة موسيقية أو بليه؛ خشية أن توحي الكلمة sextet بمعان غير مرغوب فيها.
7 ـ الاعتقاد القديم بأن لبعض كلمات اللغة قوة سحرية له دخل كبير في استهجان بعض الألفاظ، واستعمال بعضها الآخر.
8 ـ الترجمة: فالترجمة قد تنقل إلينا كلمات ذات مدلول يخدش الحياء، أو يجـرح كبرياء البعض.
ويشير الباحث إلى أن محاولة وضع قالب قياسي للامساس أمر متعذر، ولا شيء يقال إلا مراعاة الموقف الكلامي له. إضافة لضرورة توافر عدة مبادئ في تراكيب اللامساس، أهمها: (المجاز اللفظي ـ البساطة ـ الشهرة ـ الصحة النحوية ـ الخفة السمعية).
مراجع المقال:
1ـ د. (أنيس) إبراهيم: دلالة الألفاظ، الأنجلو، القاهرة، 1984 م.
2ـ (أولمان) ستيفن: دور الكلمة في اللغة، ترجمة: د. كمال بشر، الشباب، القاهرة، 1986 م.
3ـ د. (حبلص) محمد يوسف: مقدمة في علم اللغة، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1997 م.
4ـ د. (حسن) عبد المنعم عبد الله: في علم الدلالة، الشروق، المنصورة
5ـ د. (حسام الدين) كريم زكي: المحظورات اللغوية "دراسة دلالية للمستهجن والمحسن من الألفاظ"، الأنجلو، القاهرة، 1985 م.
6ـ د. (حماد) أحمد عبد الرحمن: التطور اللغوي "مظاهره وعلله وقوانينه"، الخانجي، القاهرة، 1995 م.
ـ العلاقة بين اللغة والفكر "دراسة للعلاقة اللزومية بين الفكر واللغة"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985 م.
7ـ د. (حمودة) طاهر سليمان: دراسة المعنى عند الأصوليين، الدار الجامعية، الإسكندرية، 1983 م.
ـ دراسة المعنى عند الأصوليين "علماء أصول الفقه، مكتب كريدتيه إخوان، بيروت، 1998 م.
8 ـ د. (الخفاجي) محمد علي رزق: ظاهرة الابتذال في اللغة والأدب، الدار الفنية، القاهرة، 1986 م.
9ـ د. (الخولي) فتحي: قطوف لغوية، الإرشاد، جدة، 1971 م.
10ـ د. (الرخاوي) يحيى: مراجعات في لغات المعرفة، دار المعارف، القاهرة، 1997 م.
11ـ د. (زكريا) ميشال: الملكة اللسانية في مقدمة ابن خلدون "دراسة ألسنية"، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1986 م.
12ـ د. (زيدان) جرجي: اللغة العربية كائن حي، مراجعة د. مراد كامل، دار الهلال، القاهرة،
13ـ د. (سعد) محمد: في علم الدلالة، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 2007 م.
14ـ د. (السعران) محمود: اللغة والمجتمع "رأي ومنهج"، دار المعارف، الإسكندرية، 1963م.
15ـ د. (شاهين) عبد الصبور: عربية القرآن، الشباب، القاهرة، 2000 م.
16ـ د. (ضوة) إبراهيم: في علم الدلالة، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1994 م.
17ـ د. (عبد التواب) رمضان: عوامل التطور اللغوي "دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية"، دار الأندلس، بيروت، 1983 م.
18ـ د. (عمر) أحمد مختار: علم الدلالة، عالم الكتب، 1998 م.
19ـ د. (عمران) أحمد فؤاد: علم الدلالة بين النظرية والتطبيق، دار الأزهر، دمنهور، 2004 م.
20ـ (فلوجل) جون كارل: الإنسان والأخلاق والمجتمع، ترجمة: أمين مرسي قنديل، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966 م.
21ـ القرآن الكريم.
22ـ د. (كشاش) محمد: علل اللسان وأمراض الكلام "رؤية لغوية وانعكاساتها الاجتماعية"، ص 144، المكتبة العصرية، بيروت، 1998 م.
23ـ د. (اللقاني) رشيدة عبد الحميد: ألفاظ الحياة الاجتماعية في كتاب الجاحظ "دراسة في التطور الدلالي العربية"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1991 م.
24ـ د. (المبارك) محمد: فقه اللغة وخصائص العربية، دارالفكر، دمشق، 1964 م.
25ـ د. (مدكور) عاطف: علم اللغة بين القديم والحديث، دار الثقافة، القاهرة، 1986 م.
26ـ د. (مزبان) علي حسن: الوجيز في علم الدلالة، دار شموع للثقافة، الجماهيرية الليبية، 2004 م.
27ـ د. (هلال) عبد الغفار: علم الدلالة اللغوية، دار الفكر العربي، القاهرة، د. ت.
ـ علم اللغة بين القديم والحديث، المطبعة المحمدية، القاهرة، 1979 م.
28ـ د. (ياقوت) أحمد سليمان: الدرس الدلالي في خصائص ابن جني، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1989 م.
29-د(أبي حسين) محمد محمود: الدرس الدلالي في فتح الباري لابن حجر العسقلاني، دار النابغة للنشر والتوزيع، 2015م.
30ـ د. (أبي حسين) محمد محمود: مستوي التراكيب النحوية في ضوء علم اللغة الحديث عند ابن جزي في التسهيل، دار النابغة للنشر والتوزيع، 2015م.
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.