عرفنا سعادة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح شاعرة من خلال العديد من الدوواوين الشعرية التي أصدرتها، والتي جعلت منها أحد أبرز الأصوات الشعرية ليس في الكويت فحسب بل في العالم العربي. [1]
كما أن الدكتورة سعاد الصباح متخصصة في الاقتصاد فقد نالت درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ساري- جلفورد في المملكة المتحدة عام 1982، ودرجة الماجستير في التنمية والتخطيط في الكويت عام 1976، ودرجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة 1973. ولسعادة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح مساهمات مهمة جدا في التاريخ وخصوصا تاريخ الكويت من خلال عدد من المؤلفات في هذا المجال. [2]
أحاول دراسة جهود الدكتورة سعاد الصباح في مجال علم التاريخ. وأقدم في هذا المقال قراءة في كتابها الموسوم: "تأسيس الكويت في عهدي صباح الأول الحاكم الأول (1718-1776)، وعبد الله الأول الحاكم الثاني (1776- 1814)". [3]
تشير الدكتورة سعاد الصباح أن الكتـاب يتناول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لإمارة الكويت فـي مرحلـة التأسـيس، وهـي المرحلـة التي شـهدت وضع الأسس والمبادئ التـي نهـض عليهـا المجتمـع فيمـا بعـد. وتبين المؤلفة الاختلاف الكبير عند علماء التاريخ حول تاريـخ وصـول الـرواد الأوائل إلى الكويـت، والتباينات الأخرى حول السنة التي استوطنوا فيها مدينـة الكويـت، والاختلاف الثالث حول السـنة التـي تولى فيهـا الشـيخ صباح الأول حكم البلاد. وكل من هذه الاراء يقدم أدلة وحججا على صحة دعواه. ولذلك تعرض هذه الآراء المختلفة والتطـورات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بنشأة الكويت ابتـداء مـن وصـول العتـوب إلـى الكويت، واسـتقرارهم فيهـا، وتطـور أوضاعهم السياسـية والاجتماعية والاقتصادية، إلـى حين مبايعـة أهالـي الكويـت الشـيخ صبـاح الأول حاكمـاً عليهـم، وهـو الشـيخ المؤسـس الـذي خلفـه نجلـه الشـيخ عبدالله الأول الـذي اسـتمر حكمـه حتـى عـام 1814. [4]
وخلال مرحلـة التأسـيس فـي عهـد هذيـن الشـيخين العظيميـن، تضيف الدكتورة سعاد الصباح، والتي استمرت مـن القـرن الثامـن عشـر وحتى عـام 1814 وضع الشـيخان أسـس وقواعـد البنـاء السياسـي والاقتصادي والاجتماعي فـي الكويـت، وثبتا القيـم والمبـادئ المنظمـة للسـلوك بيـن أهالـي الكويت بعضهـم والبعض الاخر، وبينهـم وبيـن الأسرة الحاكمة. وفي ضوء تلـك القواعد والمبـادئ والأسس والقيـم، سـار الحاكـم الثالـث وهـو الشـيخ جابر بـن عبدالله بن صبـاح الـذي اشـتهر باسـم جابـر العيـش، والذي امتـد حكمـه قرابة نصف قـرن 1814 - 1859. وعلـى هـذا المنهج، كان طريق حكام الكويت في القرن التاسـع عشـر، وهـم الشـيوخ صبـاح بـن جابـر1859 - 1866، ونجلـه الشيخ عبداللـه بن صباح 1866 - 1892، والـذي تلاه شـقيقه الشيخ محمـد 1892 - 1896، فشـقيقه الاخر الشيخ مبـارك 1896 – 1915. [5]
تكمن أهمية الكتاب في أنه يأخذنا إلى المدة الأقدم في تاريخ الكويت، خصوصا إلى الحقبة الممتدة بين القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي حيث الندرة الشديدة للمصادر والمراجع والوثائق المتعلقة بتلك المدة. وهذا ما تشير إليه المؤلفة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح إذ توضح أن الصعوبة الرئيسـية في إعداد هـذا الكتاب هي نقص المعلومات الموثقـة واختلاف الروايـات بين الكتاب الذيـن أرخوا لهـذه الفترة، إضافة إلـى نـدرة الوثائـق الاجنبية عن الكويـت في تلـك المرحلة. [6]
تكمن أهمية الكتاب أيضا في أنه يقدم لمرحلـة مهمـة من تاريـخ الكويت، فيها تقدمت الكويـت في التجارة والاقتصاد، وتطور نظام الحكم فيها القائم علـى الشـورى، وسادت في المجتمع قيم التسامح والتعايش وقبول الاخر، وهي المبادئ التـي حكمـت مسـيرة الكويـت فـي الحقـب والقـرون التاليـة. كما أن الكتاب يضم معلومات مهمة جدا عن الشيخ صباح الأول، إذ تقدم الدكتورة سعاد الصباح معلومات فائقة الأهمية مستندة إلى وثائق شديدة الندرة عن الشيخ صباح الأول فتذكر أنه الشـيخ صبـاح بـن جابـر بـن سـلمان بـن أحمـد بـن محمـد بـن ُفيصـل بـن تمـام العتبي الحاكـم الأول للكويـت، وإليه ينتسـب آل صباح. وأن الشيخ صباح الأول ينتمي إلى العتوب من قبيلة عنزة العدنانية وهي من أعرق القبائل العربية. ويذكر الكتاب أن السبب في اختيار العتوب للشيخ صباح الأول شيخا وزعيما لهم يكمن في العديد من الأسباب، منها: اعترافهم بالدور القيادي لوالده في سكنهم الأصلي في الهدار، والسبب الاخر يرجـع إلـى أن الشـيخ كان يقضـي معظـم أيـام السـنة فـي مدينـة الكويـت، وذلـك علـى خلاف أغلـب أقرانـه. فقـد كان يعمـل فـي البـر، أمـا الاخرون فقـد عملوا فـي الغوص لاستخراج اللؤلؤ في البحـر والتجارة مـع موانـئ الخليـج والهنـد، ممـا تطلـب غيابهـم عـن المدينـة لشـهور، أمـا الرأي الثالـث، فقـد أرجـع ذلـك إلى صفاتـه الشـخصية وما اتسـم بـه من شـجاعة وحكمة وإنصـاف للمظلوم، كما وضع الشـيخ صباح مبدأ الشـورى كأسـاس لنظام الحكم، فكان يستشـير الاعيان والتجـار والعلمـاء، ويسـتطلع آراءهـم فـي الموضوعـات التي كان عليـه أن يتخـذ القـرار بشـأنها. وعندمـا كانـوا يتفقـون علـى رأي، يلتـزم ّبـه وينفـذه. [7]
إذا كتاب سعادة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح، كما تقدم، يأخذنا في رحلة إلى حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الكويت، مستندا إلى الوثائق والمصادر التاريخية النادرة والمهمة مما يجعل الكتاب مرجعا مهما ليس لتاريخ الكويت فحسب بل لتاريخ الجزيرة العربية وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
[1] ينظر: مقال صحيفة القبس الكويتية الموسوم: "سمو الأمير يهنئ الشيخة الدكتورة سعاد الصباح بمناسبة تكريمها من منظمة الألكسو"، في 22/ مارس/ 2022)، من الرابط الاتي: https://www.alqabas.com/article/5878938
[2] ينظر السيرة الذاتية للشيخة الدكتورة سعاد الصباح من الرابط الاتي:
[3] ينظر الدكتورة سعاد الصباح: "تأسيس الكويت في عهدي صباح الأول الحاكم الأول (1718-1776)، وعبد الله الأول الحاكم الثاني (1776- 1814)"، (الكويت: دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، 2022). ( يمكن الاطلاع على الكتاب من خلال الرابط الاتي:
https://souadalsabah.com/biography
[4] الدكتورة سعاد الصباح: "تأسيس الكويت في عهدي صباح الأول الحاكم الأول (1718-1776)، وعبد الله الأول الحاكم الثاني (1776- 1814)"، ص 9.
[5] نفسه، ص 9-10.
[6] نفسه، ص 10.
[7] نفسه، ص 13، 15، 24، 29.