موضوع طريف وتناول جاد للدكتور مجدى توفيق ,فى كتابة الجديد "كيف يحكى النقاد؟",الصادر عن دار البستان بالقاهرة, فى 160صفحة من القطع المتوسط.
قام الكاتب بجهد تحليلى حول الكيفية التى يسرد بها النقاد النصوص الأدبية ..وهم بذلك يقمون بعمليات لافته (التقطها) الكاتب , سواء بالحذف أو التأويل أو حتى بالاضافة. ويصبح النص محل التحليل والنقد نصا آخر, وربما موازيا للنص الأصلى , وليس هو. كأنه أراد أن يقول أن مقولة موت الكاتب على يد القارىء واحدة, فهى على يد الناقد ميتة أخرى.
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/critics.jpeg[/IMG]
أشار الكاتب فى استهلال الكتاب الى أن تلك الفكرة تعود الى واقعة ما, أبرزت تلك الظاهرة – ظاهرة اعادة صياغة وتلخيص النص الأدبى عند ناقد بعينه, وهو د.على الراعى-الا أنه تفرغ لها ودرسها فى أعمال العديد النقاد , منهم طه حسين, أنور المعداوى, جابر عصفور..وغيرهم.
أما على الراعى, فقد عرف بحرصه على اعادة صياغة النصوص, وربما أكثر من غيره.وهو ما عبر عنه فى كتابه "الرواية فى الوطن العربى", قال:"ويبتغى الكتاب كذلك أن تصبح الكتابة النقدية بهيجة وممتعة, مثلما أن الكتابة الابداعية هى كذلك".
وهو ما يكشف وعى الراعى بتقنيته, ويراها ذات وظيفة جمالية سيكلوجية واتصالية فى الخطاب النقدى. ويستدل الكاتب على هذا المعنى من تلك الجملة التى أوردها الراعى فى نقده لرواية "وردة للوقت المغربى" للروائى "أحمد المدينى"..قال:"والتحليل الذى تقدم هو محاولة لاستنطاق الحكاية فى رواية أحمد المدينى العذبة".
ويرى الكاتب أن تلخيص الخطاب النقدى عند الراعى بتلك المقولة وحدها, يعد ناقصا.وهو ما تناوله بالبحث فى العديد من السرديات النقدية, والتى خلص منها.زالتأويل وتطويع النص للمعنى التأويلى, استخدام مفردة "نحن" فى الصياغة بدلا عن الأنا أو الذات الناقدة فى محاولة للمشاركة أو الحكائية, استنطاق الحكاية بمفردات ذات دلالة.. ربما تغنى عن التحليل الاجتماعى المباشر, ثم استخدام مفردات من النص الابداعى بؤلف بها النص السردى النقدى له.. فتبدو النتيجة وكان القارىء أمام نص آخر مشابه.
ينتقل الكاتب الى نموذج مختلف , طه حسين فى سرد الشعر. يبدأ بوقفة مع ما تناوله د.عزالدين اسماعيل قبلا فى دراسته "أنا المتكلم طه حسين", من ابراز المقابلة بين "الكلام" و"الكتابة" حيث "الكلام" يستتبع بروز أنا المتكلم. وخلص الكاتب الى أن طه حسين أشهر كتاب العربية حرصا على استدعاء القارىء ومخاطبته. من أمثال ذلك تلك الجمل التى جمعها الكاتب من دراسات مختلفة:
"الست توافقنى على أن هذا الطير البشعة المنكرة التى تضطرب فى جو مصر فتملأه فسادا وشرا خليقة أن ترد عن هذا الجو ليعود اليه شىء من الخير والصلاح؟"
"وحكومتنا –كما تعلم أنت وأعلم أنا- حكومة تقليد ,لا تجديد.."
عموما يبرز الكاتب ثلاثة أنشطة مارسها طه حسين:السرد الجمالى, السرد التاريخى, السرد النقدى. واجمالا أكد طه حسين بأن النقد يعد من الأدب, وجعله قرين العاطفة والذوق والطبع.
أما عن كيفية تظويع الشعر للسرد أو تسريد الشعر, يتم بآليتين..هى التسريد الخارجى والداخلى.
أما الخارجى فينبع من فكرة أن القصيدة ابنة بيئتها, ومرآة للحياة الممتلئة بالأحداث, حيث يغرس النص الشعرى فى سردية تكونت تاريخيا خارج القصيدة. كما تبدى ذلك فى كتابه"مع المتنبى"..وكيف ناقش القضايا الهامة حول الشاعر الهام.
ثم التسريد الداخلى وهو ما يعنى سرد المعانى الشعرية , وقد أشار الكاتب الى مثال من "حديث الأربعاء" لطه حسين , الذى يقول:(من الشعر الجاهلى)
وغيث من الوسمى حو تلاعه أجابت روابيه النجا وهواطله
هبطت بممسود النواشر سابح ممر أسيل الخد نهد مراكله
ويعلق شارحا:"فى الأبيات صور , منها هذا النبات الذى ملأ الفضاء...الخ. وبالسرد هذا عن شعر للشاعر "زهير بن أبى سلمى" تجاوز صعوبة المفردات بترجمتها الى سرد المعنى.
وفى قسم تنظيرى تال, يتوقف الكاتب أمام العديد من المسائل النقدية, أو التنظيرية حول السرد النقدى. حيث أكد أولا على وجود تلك السمة السردية فى ستة نقاد (اشارنا الى اثنين منم), ومنه انتقل أن السردية النقدية سمة كامنة وأكيدة فى الخطاب النقدى. وأن السرد النقدى غير متعلق بالقص فقط, بل يتجاوزه الى الأشكال الابداعية المختلفة. أيضا السرد النقدى نفذ الى مناهج الأداء النفسى الذى اشتهر به "أنور المعداوى"..وهو ما يعنى أن السرد النقد قادر على النفاذ الى المناهج التأسيسية.
عرض الكاتب الى تعريف موسع للسرد النقدى:
"هو قيام الآليات السردية الكامنة فى الخطاب النقدى – على نحو ارادى أو غير ارادى –بتسريد النص الأدبى , تسريد اما يعيد سرد لنص أو يغرسه فى سردية سابقة"
اجمالا يمكن القول بأن هذا العنوان المخادع/الطريف للكتاب "كيف يحكى النقاد؟" يتضمن عنوانا آخر لعله تفسيريا "السرد النقدى وقراءة النقد الأدبى بوصفه سردا".. يحملنا فى رحلة شاقة ومثيرة وجامعه لتاريخ النقد العربى ومذاهبه ومناحيه, والى مستجدادت النقد الحديث "فردناند دى سوسير" و"رينيه ويليك", و"أوستين وارين" وغيرهم فى رحلة جذابة وشائقة.