هذا كتاب من الذخائر العربية القديمة، يُطبع لأول مرة في مصر، حققه الباحث المحقق يحيى عبد العظيم، ونال به درجة الماجستير من كلية دار العلوم بالقاهرة، وقدم له د. عبد الحكيم راضي، وصدر هذا العام 2004 في سلسلة "الذخائر" (العدد 121) التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة.
أما صاحب الكتاب فهو ضياء الدين ابن الأثير (أبو الفتح نصر الله بن محمد الشيباني الجزري ـ أحد كتَّاب القرنين السادس والسابع الهجريين ونقادهما ـ المولود في عام 558 هـ ـ والمتوفى في بغداد سنة 637 هـ) صاحب الكتاب الأشهر "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر".

[IMG]http://nashiri.net/aimages/washy.JPG[/IMG]
تُعد مقدمة د. عبد الحكيم راضي ـ رئيس تحرير سلسلة "الذخائر" ـ التي وقعت في أكثر من عشرين صفحة، من صفحات الكتاب البالغة حوالي 480 صفحة، إضافة حقيقية للكتاب، وبها كشف ودراسة مهمة حول اسم الكتاب ومعناه "الوشي المرقوم في حَلِّ المنظوم"، وحول مصطلح الحَل، ومصطلح المنظوم، على وجه الخصوص.
كما ألقى راضي الضوء على أهمية الكتاب في تراثنا العربي، "فلهذا الكتاب أهمية مزدوجة تستمد من طبيعة موضوعه من ناحية، ومن شخصية مؤلفه من ناحية أخرى".
أما معنى عنوان الكتاب فهو يقترب من نثر الشعر، أو يقترب من (الشرح) مع ملاحظة أن المنظوم هنا لا يقتصر على الشعر فحسب، ولكنه يشمل إلى جانب الشعر، نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف. ومن ثم فإن عنوان الكتاب يكون في غير الشعر كما يكون في الشعر، ويكون نص الكتاب في حَل الشعر، وفي حَل آيات القرآن العزيز، وفي حَل الأخبار النبوية.
هذا عن المنظوم، أما عن الحَل، فهو اسم العملية التي تجري في النص المنظوم.
وعن الوشي المرقوم، كجزء من العنوان، فإن الوشي بمعنى التوشية أو الزخرفة، والمرقوم من الرقم أو الترقيم، فيقترب المعنى من الأرقام المزخرفة، أو الزخرفة المرقمة، وهو معنى جمالي كان من الممكن لصاحب العنوان الاستغناء عنه، مكتفيا بعنوان دال وأكثر اختصارا وهو "في حَلِّ المنظوم"، ولكن يبدو أن أسماء الكتب وعناوينها كانت تجري في هذا المجرى على زمن ضياء الدين بن الأثير.
يقول د. عبد الحكيم راضي في مقدمته: "ذلك هو كتاب "الوشي المرقوم في حل المنظوم" الذي خطَّه قلم جمع صاحبه بين موهبة الإنشاء وعقلية المنظر، فاستطاع أن يؤيد الفكرة النظرية بالمثال التطبيقي، فجاء الكتاب من هذه الجهة كتابا تعليميا ذا طابع عملي، أما على المستوى النظري فإن الكتاب قد خوَّض في عباب مبحث السرقات، وبالذات ما عرف بالسرقات الحسنة، أو الأخذ المحمود، متقاطعا مع نظرية الأدب، .. الخ".
وعلى ذلك يقوم حل المنظوم (أو شرحه) على اكتشاف نوع من السرقات الأدبية، أو فلنقل التأثر الأدبي بأبيات شعرية، أو آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية، وغيرها.
أو بمعنى آخر يكشف حَلُّ المنظوم، أنواع التناص في النص الأدبي الذي ينظر فيه الناقد أو القارئ.
***
الفصل الأول من الكتاب كان عن ابن الأثير من المهد إلى اللحد، وكأنه كتاب مستقل من كتب التراجم، يتحدث فيه المحقق عن ميلاد ابن الأثير، وشيوخه، وأيامه في الموصل ودمشق ومصر والبلاد الشرقية، وتلاميذه، ووفاته.
الفصل الثاني جاء عن ابن الأثير وكتابه الوشي المرقوم، فتحدث المحقق عن مقاييس ابن الأثير النقدية في هذا الكتاب، ورأيه في أبي تمام والبحتري والمتنبي، وحديثه عن حدِّ الكاتب أو الرجل الذي يُطلق عليه الكاتب، ومن يستحق هذا الاسم، كما تحدث عن السجع، والسبق الزمني واللفظ والمعنى، والترجمة.
أيضا من القضايا التي أثارها ابن الأثير في كتابه: التضمين والتناص، والنثر والنظم، وغيرها من القضايا.
أما المحقق فقد توقف عند موروث ابن الأثير الثقافي من خلال الكتاب الذي قام بتحقيقه "الوشي المرقوم في حل المنظوم".
الفصل الثالث احتل وصف النُّسخ المخطوطة، ونسبة الكتاب إلى مؤلفه، ومنهج التحقيق، ثم صورا أو نماذج من نُسخ المخطوطات التي رجع إليها المحقق.
***
ابتداء من الصفحة رقم 165 وحتى الصفحة رقم 403 يأتي النص الكامل للكتاب مطبوعا ومحققا، يعقبه خاتمة المحقق التي يخلص فيها إلى أن هذا الكتاب يعتبر إحدى الحلقات الجوهرية في تاريخ الأدب العربي لتعلم الكتابة، وهو "على وجازته عظيم الفائدة" على حد قول ابن خلكان في وفياته، كما أنه يعتبر صورة حية، تتجسد من خلاله شخصية ابن الأثير التي يعتد فيها بذاته إلى درجة جعلت واصفيه يتهمونه بالغرور، عكس ما نجد في رسائله التي تبين أنه شخص محب للآخرين، متواضع في موضع التواضع، متعال في الموضع الذي يستدعي ذلك.
أيضا يخلص المحقق إلى أن موضوع الكتاب كله ـ تقريبا ـ يدور حول مصطلح التضمين، يستوي في ذلك التضمين اللفظي أو تضمين المعنى، أو ما يدور عليه مصطلح "التناص" اليوم.
الكتاب المحقَّق نفسه احتوى على مقدمة المؤلف، فمقدمة الكتاب، ثم الفصل الأول: في حَل الشعر، الذي انقسم بدوره إلى أقسام، القسم الأول عن حَل الشعر بلفظه، وهذا لا فضيلة فيه، ويشبهه ابن الأثير كمن هدم بناء ثم أخذ تلك الآلات المهدومة، فأنشأ بها بناء آخر، فإنه يجيء مخلولق البناء لا محالة. وهو يجيز هذا العمل للمبتدئ، فإنه لا يستطيع إلا ذلك.
ويضرب مثلا على حل المنظوم في ذلك القسم، ببيت أبي الحسن علي بن محمد التهامي الذي يقول فيه:
لا تحْمدِ الدهرَ في بَأْساءَ يكشفُها
فلو أردتَ دوامَ البؤسِ لم يَدُمِ
وحَلُّ هذا البيت عند ابن الأثير: لو أردت دوام الدهر على حالة واحدة لما دام، والبأساء والضراء فيه خيالات أحلام، فما ينبغي لك أن توليه حمدا ولا ذما، فإنك تتقلد له يدا ولا يدا، وتشكو منه ظلما ولا ظلما.
القسم الثاني جاء عن حل الشعر ببعض لفظه، وهو الطريقة الوسطى، ويرى ابن الأثير أنه أصعب من الطريقة العليا التي هي حل الشعر بغير لفظه، وعلى ذلك يكون القسم الثالث عن حل الشعر بغير لفظه، وهو الطبقة العليا، وفيه لا يُعلم من أين أخذ الناثر، وإن عُلم كان في موضع الاستحسان، لا في موضع الاستهجان.
الفصل الثاني جاء عن حَل آيات القرآن العزيز، وجاء الفصل الثاني عن حل الأخبار النبوية.
وينتهي الكتاب بثبت المصادر والمراجع، والفهارس العامة، وهي فهرس آيات القرآن الكريم، وفهرس الحديث الشريف، وفهرس الشعر، وفهرس الأمثال، وفهرس القبائل، وفهرس الشعراء، وفهرس البلدان والأماكن، وفهرس الأعلام.
***
هكذا تبعث سلسلة "الذخائر" كتابا من كتب التراث العربي المهمة، التي تكشف ـ في كينونتها ـ عن كيفية التعامل مع اللغة العربية والنصوص الشعرية والقرآنية والنبوية، في فترة زمنية معينة من فترات الزمن العربي، وبالتالي يكشف عن العقلية الأدبية التي كانت تحكم الذوق الأدبي، أو الفكر الأدبي، خاصة أن صاحبها ابن الأثير قد تقلد منصب وزير الإنشاء في عهد صلاح الدين الأيوبي، فكان يكتب له رسائله وخطاباته أو كتبه لديوان الخلافة ببغداد، حيث نجده يصدر كتابا بقوله: "كتاب كتبته عن الملك الناصر صلاح الدين يتضمن فتح البيت المقدس واستنقاذه من أيدي الكفار، وذلك في معارضة كتاب كتبه عبد الرحيم بن علي البيساني عنه، وكان الفتح في السابع والعشرين من شهر رجب من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة".

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية