أمتي كم صنم مجدتِهِ = لم يكن يحملُ طهرَ الصنمِ
لا يُلام الذئبُ في عدوانِهِ = إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى فلولاكِ لما = قامَ في الحكمِ عبيدُ الدرهمِ
(عمر أبو ريشة)
ويح العروبة كان الكونُ مسرحَها = فأصبحت تتوارى في زواياهُ
كم صرفتنا يدٌ كنَّا نصرِّفُها = وباتَ يملكُنا شعبٌ ملكناهُ
كم بالعراقِ وكم بالهندِ ذو شجن = شكا فردَّدَ الأهرامُ شكواهُ
(محمود غنيم)
***
يواصل الأديب والكاتب السعودي عثمان محمد مليباري مشروعه الذي تفرَّغ له في السنوات الأخيرة، والخاص بإلقاء الضوء على الشعراء العرب الراحلين منذ سنوات قليلة، وخاصة الذين ظلوا قابضين على جمرة الشعر العمودي أو البيتي، قبل أن يلفهم ظلام النسيان، في ظل المدِّ الشعري لقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، وهما الشكلان الشعريان المتسيِّدان المشهد الشعري العربي الآن.
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/balabil.jpg[/IMG]
خاصة وأن هؤلاء الشعراء الذين يكتبون الآن في الشكل العمودي أو البيتي، يشعرون بنوع من التجاهل لهم ولأعمالهم وقصائدهم، الأمر الذي جعل أحدهم، وهو الشاعر المصري أحمد غراب، من خلال حوار أجرته معه جريدة الأهرام في 21/12/2004 يرفض قصيدة التفعيلة برمتها بعد مُضي أكثر من خمسة وخمسين عاما على عمرها، أثبتت فيها وجودها، وتفاعل الناس معها، وإذا كان غراب يحتاج إلى أمثلة واضحة لتعلق الجماهير بقصائد التفعيلة، فإنني أضرب مثلا بقصيدة "لا تصالح" لأمل دنقل، والكعكة الحجرية لأمل أيضا، وشنق زهران لصلاح عبد الصبور، وأنشودة المطر لبدر شاكر السياب، وغيرها الكثير والكيثر.
ولا يمنع ذلك من استمتاعنا بقصائد الشعري العمودي أو البيتي التي تتمسك بجماليات الشعر، وتتجاوب مع الذوق الفني السائد في هذا العصر، وتستخدم التقنيات الشعرية التي تجدِّدُ شباب هذه القصيدة التي تحمل على كاهلها تراث أكثر من ألف وخمسمائة عام، هذا التراث الذي من وجهة نظري يمثل تحديا لأي شاعر يكتب الآن في هذا الشكل، ويريد له أن يكون له صوته الخاص، مثل الشاعر اليمني عبد الله البردوني وغيره.
وقد فعل كاتبنا عثمان مليباري خيرا بأن أعاد لنا بعض الأصوات الشعرية التي كدنا ننساها في زحام الحياة، وفي ظل الأسئلة الشعرية المطروحة على الساحة حول الشكلين التفعيلي والنثري، فتناسينا أو كدنا تناسى نجوم الشعر العمودي الذين أسسوا لثقافتنا الشعرية المعاصرة منذ مطلع العصر الحديث، أو الذين جاءوا بعد البارودي وشوقي وحافظ والزبيري وغيرهم، فأضافوا لبنات جديدة إلى المشهد الشعري بعد أن تخلَّص من محطات ضعفه وتكلُّفه الزائد وترصيعه بالمحسنات البديعية التي أضعفت من قوته، وأخمدت فيه روح الشعرية العربية.
من هؤلاء الشعراء الذين احتفل بهم مليباري في جزئه الثاني من كتابه أو مشروعه "بلابل العرب: صور لشعراء من الماضي القريب" الشاعر السعودي إبراهيم فطاني (إبراهيم داود عبد القادر فطاني) المولود في مكة المكرمة سنة 1321 هـ، وقد لعبت البيئة المكية دورا كبيرا في حياته وشعره، ولقبه الكاتب بالشاعر الفقيه.
أما الشاعر البحريني إبراهيم العريض، فقد ولد في بومباي بالهند عام 1908 م، من أبوين عربيين، وعندما حصل على الشهادة الثانوية في بومباي عام 1925 قرر الإقامة مع أفراد عائلته في البحرين، وأخذ يقرأ بنهم ويتقن اللغة العربية، فتفتحت قريحته الشعرية عن حس مفعم بالجمال والفن والرؤية الحياتية النابضة مع صفاء في الأسلوب واتساع الخيال، وتمثل عطاؤه الشعري في ثلاثة محاور: المرأة والطبيعة والبطولة.
الشاعر السعودي إبراهيم فلالي (إبراهيم هاشم عمر الفلالي) ولد في مكة المكرمة عام 1324 هـ، وطبع في حياته أربعة دواوين شعرية هي: ديوان صبابة الكأس وقدمه الشاعر علي محمود طه، وديوان ألحاني، وديوان صدى الألحان، وديوان طيور الأبابيل، وله مؤلفات أخرى نثرية. وشعره كما يقول مليباري يعبر عن دخيلة نفسه ونبض وجدانه في سياق بياني شكل صورا شعرية.
الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي المولود عام 1909 م لأب من علماء الأزهر اسمه محمد بن بلقاسم الشابي، حفظ القرآن الكريم وهو صبي لا يتجاوز عمره التاسعة، وفي عام 1921 التحق بجامع الزيتونة بالعاصمة التونسية، ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية ليدرس فيها القانون حتى سنة 1930، وقبلها ينشر أولى قصائده في مجلة النهضة عام 1925 وكانت هذه القصائد توقظ الأنفس وتنعش الأرواح، ثم استبدت الكوارث بالشاعر إذ مات والده فعصفت الرياح به، ويصاب بداء تضخم القلب، ويموت في سنة 1934 وعمره لا يتجاوز خمسة وعشرين عاما، وكان يتحدَّى هذا الموت بقصائده التي يقول فيها:
سأعيشُ رغم الداءِ والأعداءِ = كالنسرِ فوق القمةِ الشماءِ
أرنو إلى الشمسِ المضيئةِ هازئًا = بالسُّحْبِ والأمطارِ والأنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ ولا أرى = ما في قرارِ الهوةِ السوداءِ
وأسيرُ في دنيا المشاعرِ حالمًا = غَرِدًا وتلك سعادةُ الشعراءِ
ولكن هل يسلم من الموت أحد؟
الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي، ولد في قرية فساطو عام 1898 م وسافر مع والده إلى الإسكندرية، وتلقى تعليمه الأولي بها، ثم غادر الإسكندرية وعمره ثماني سنوات، ليتنقل ما بين بنغازي وبرقة، ثم أبعدته السلطات الإيطالية إلى مدينة جيجان بتركيا، ثم انتقل إلى اسطنبول عام 1938 م للعمل في إدارة الجمارك. ويلقب المهدوي بشاعر الوطنية، كما لُقب بزعيم شعراء ليبيا، ورفض في حياته أن يجمع شعره في ديوان، وبعد رحيله في عام 1961 قام صالح بازامه بجمع شعره في ديوان أسماه ديوان أحمد رفيق المهدوي.
إيليا ضاهر أبو ماضي أحد الشعراء الذين لم ينسهم عثمان مليباري في جزئه الثاني من بلابل العرب، فهو بلبل غريد في الحديقة الشعرية، ولد في قرية "المحيدثة" من أعمال لبنان سنة 1889 م وعندما بلغ الحادية عشرة رحل إلى مصر واستقر في مدينة الإسكندرية زهاء عشر سنوات مارس خلالها ألوانا من التجارة بإشراف عمه، ثم رحل إلى الولايات المتحدة عام 1911 وأنشأ جريدة "السمير" وعمل في "الرابطة القلمية" مع جبران خليل جبران. ونجد في أعماله الشعرية قصائد رمزية فلسفية مثل قصيدة "التينة الحمقاء" وغيرها.
شاعر أم القرى حسين علي عرب، ولد في مكة المكرمة عام 1338 هـ، وتخرج من المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة عام 1356 هـ، وكان شعره مرآة صادقة لمزاجه وانفعاله وخلجة نفسه، فصور معاناته الفردية ومشاعره الذاتية بأسلوب أخاذ. وقد نال في حياته أكثر من تكريم، فمصر كرمته ومنحته وسام الجمهورية من الدرجة الأولى للعلوم والفنون، وكرم في مهرجان الجنادرية سنة 1422هـ بمنحه وسام الملك عبد العزيز، وكرمه صاحب الندوة الإثنينية عبد المقصود خوجه في مدينة جدة.
شاعر القطرين مطران خليل مطران، ولد عام 1872 م في مدينة بعلبك بلبنان، ويتفق معظم الدارسين على أن مرحلة التجديد في الشعر العربي بدأت بدعوة مطران التي أطلقها عام 1905 حيث طلب من الشعراء العرب تحرير الشعر العربي من قيوده.
وعلى الرغم من أنه صرخ في وجه قانون المطبوعات الذي يقيد الأفواه ويقيد الحريات في زمنه، إلا أن هذه الصيحة أو الصرخة تصلح في مثل هذه الأيام العربية، يقول مطران:
قطِّعوا الأيدي، هل تقطيعها = يمنعُ الأعينَ أن تنظرَ شزْرا
أطفِئوا الأعينَ، هل إطفاؤها = يمنعُ الأنفاسَ أن تصعدَ زفْرا
أخمدوا الأنفاسَ هذا جهدكم = وبه منجاتُنا منكم .. فشكْرا
شاعر الإمارات سلطان بن علي العويس، المولود في بلدة الحيرة بإمارة الشارقة عام 1925 عاش في بيئة أدبية، فأعمامه وإخوانه شعراء وكتَّاب، وبرز منهم: عمران العويس، وسالم العويس، وأحمد العويس. وقد طلب سلطان العلم والتمسه في سن صغيرة، واستهواه الشعر وأنغامه، وأصبح أستاذته أصدقاءه من أمثال الشعراء: صقر القاسمي، وخلفان بن مصبح وغيرهما. وعرف عن الشاعر سلطان العويس أنه شاعر مطبوع يغرف من النهر الفياض الذي لا يجف ماؤه، فلم يفسده المال، وإنما أوقف أموالا طائلة للثقافة العربية، فجاءت جائزة مؤسسته للمبدعين العرب في مجالات الفكر وإبداعات الأدب، جائزة نزيهة.
بابا طاهر، أو الشاعر السعودي طاهر عبد الرحمن زمخشري، أحد رواد النهضة في الأدب السعودي، ذاق مرارة المتاعب واكتنفته المصاعب من كل جانب، فعاش زمنا في تونس في مدينة سوسة، وكتب شعرا وبرامج إذاعية للأطفال، واتسم شعره بالتفاؤل والتغريد، والأمل والحلم والدروب الفسيحة والسهول الواسعة، لذا أطلق عليه كاتبنا مليباري "الشاعر الذي تخطى الصعاب".
يقول طاهر زمخشري في إحدى قصائده:
زعموا أنني أعيش مضاعا = لا تلين الحياة عزم إبائي
لا ولا تهون الخطوب قناتي = لا ولا يقهر الأسى كبريائي
أنا كالطود كلما مرت الأيَّامُ أقوى على احتمال البلاءِ
الشاعرة المصرية عائشة عصمت بنت إسماعيل تيمور باشا (عائشة التيمورية) المتوفية في 2 مايو 1902م، واحدة من الشواعر القليلات اللائي ظهرن في تلك الحقبة التاريخية التي يتمحور حولها كتاب "بلابل العرب"، ولدت في أواخر عصر محمد علي باشا سنة 1840م وتزوجت من محمد توفيق باشا الإسلامبولي، وانتقلت معه إلى الآستانة، وتوفي هناك، وكان عمرها في منتصف العقد الرابع، ثم توالت عليها الكوارث والمحن بوفاة والدها، فكتبت شعرا رائقا عن وفاة الوالد، ثم ماتت أمها، فرثتها شعرا، ثم خرجت إلى الحياة، فكتبت عن الحجاب قائلة:
بيدِ العفافِ أصونُ عزَّ حجابي = وبعصمتي أسمو على أترابي
وبفكرةٍ وقَّادةٍ وقريحةٍ = نقَّادةٍ قد كملت آدابي
ولقد نظمت شعرا شيمة معشر = قبلي وذوات الخدر والأحسابِ
الشاعر السعودي عبد الله عمر بلخير، الملقب بشاعر الأمة، تفرَّغ في سنواته الأخيرة لنظم الملاحم العربية التي من شأنها التغني بماضي الأمة الإسلامية وتراثها الحضاري، وألَّف مجموعة من الأناشيد العربية لمدارس المملكة العربية السعودية.
يقول بلخير في إحدى قصائده:
شبهُ الجزيرةِ موطني وبلادي = من حضر موت إلى حمى بغدادِ
أشدو بذكراها وأهتفُ باسمِها = في كلِّ جمعِ حافلٍ أو نادي
منها خلقتُ وفي سبيلِ حياتها = أسعى وفي إسعادِها إسعادي
كلٌّ له في مَنْ أحبَّ صبابةٌ = وصبابتي في أمتي وبلادي
"الشاعر المقاتل" لقب أطلقه مليباري على الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود المولود في قرية عنبتا بقضاء طولكرم عام 1913م واستشهد في معركة "الشجرة" الواقعة بين طبريا والناصرة عام 1948، والذي كان يحمل بندقيته وقلمه معا، وكان يقرن قوله بفعله، وقصائده الطوال وأشعاره الحماسية مستمدة من تجاربه النضالية، ومن كفاحه المسلح.
ومن قصائده عبد الرحيم محمود المعروفة القصيدة التي يقول فيها:
سأحملُ روحي على راحتي = وأُلقي بها في مهاوي الردى
فإمَّا حياةٌ تسرُّ الصديقُ = وإمَّا مماتٌ يغيظُ العدا
ونفسُ الشريفِ لها غايتان = ورودُ المنايا ونيلُ المنى
أرى مقتلي دونَ حقي السليبِ = ودون بلادي .. هو المبتغى
الشاعر السعودي عبد السلام هاشم حافظ، شاعر طيبة الزهراء، ولد في المدينة المنورة عام 1347 هـ، ولازم علماء المسجد النبوي، وتعلم عليهم، فترجم أحاسيسه الوجدانية وقام بتصوير معاناته وحيرته، وعبر عن تأملاته في مخلوقات الله، وما يحيط به من الجبال الشوامخ الراسيات والصحارى الواسعة. وأصدر في عام 1382 هـ ديوانا بعنوان "أضواء ونغم" وكتب له مقدمته الناقد المعروف د. محمد مندور.
أما الشاعر السوري علي دمر، فقد ولد في مدينة حماة سنة 1927، وسافر إلى لبنان مع أخيه وتعلم هناك بمدرسة داخلية تابعة لجامعة الأزهر، ثم رحل إلى القاهرة والتحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ونال شهادتها العالية عام 1955 ثم ذهب للعمل مدرسا بالمملكة العربية السعودية، وتنقل في ربوع المملكة ما بين جدة ورابغ والأحساء وغيرها، وكان لديه إحساس عال بالعروبة فقال في قصيدة له بعنوان "أعاصير الجزائر" كتبها عام 1957:
يا بني العمِّ في الجزائر صبرا = أسمعونا عن زحفكم أخبارا
يا بني العمِّ في الجزائر بشرى = إن ليل المنى سيبدو نهارا
يا بني العمِّ في الجزائر إنَّا = بكموا نرفع الرؤوس افتخارا
أي شعبٍ أنتم وأي رجالٍ = قوة الغرب كلها تتوارى
الشاعر السوري عمر أبو ريشة، قضى طفولته في حلب، ثم انتقل إلى لبنان، وأتم دراسته في الجامعة الأمريكية، ورحل إلى إنجلترا ليتعلم صناعة النسيج نزولا على رغبة والده، ولكن الشعر غلب عليه، وقضايا أمته شغلت عقله وتفكيره، فقال في قصيدته المشهورة "إلى أمتي":
أمتي هل لك بين الأممِ = منبرُ للسيف أو القلمِ
ألقاكِ وطرفي مطرقٌ = خجلاً من أمسِكِ المنصرمِ
أمتي كم غصة دامية = خنقتْ نجوى علاكِ في فمي
كم دوَّتْ صيحة "وامعتصما" = ملءَ أفْوَاه اليُتَّمِ
لامستْ أسماعهم لكنها = لم تلامسْ نخوة المعتصمِ
أمتي كم صنم مجدتِهِ = لم يكن يحملُ طهرَ الصنمِ
لا يُلام الذئبُ في عدوانِهِ = إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى فلولاكِ لما = قامَ في الحكمِ عبيدُ الدرهمِ
ظل الشاعر عمر أبو ريشة يجوب العالم من خلال مناصبه الدبلوماسية، ويذكر لنا مليباري لقاء الشاعر مع الرئيس الأمريكي جون كنيدي، الذي ألغى كل مواعيده الرسمية خلال اعتماده أوراق السفير الشاعر، ليتفرغ إلى سماع قصائده التي كتبها باللغة الإنجليزية، حيث أمضى كنيدي ثلاث ساعات مصغيا لشعر السفير العربي، وكان من المقرر أن يستمر اللقاء ربع ساعة فقط.
الشاعر اللبناني فؤاد حسن الخطيب، شاعر الثورة العربية، ولد في قرية شحيم وتوفي في العاصمة الأفغانية كابول، ودفن في قريته اللبنانية التي ولد بها. له شعر كثير ومؤلفات نثرية، وكتاب في قواعد اللغة العربية، وتمثيلية بعنوان "فتح الأندلس" طبعت في دمشق سنة 1930م ومثلت في بعض العواصم العربية. وهو يعد من طلائع الشعراء الذين حملوا راية العروبة والإسلام، وعبر عن أماني العروبة إبان ميلاد النهضة العربية بقصائد ـ يقول عنها مليباري ـ إنها تتسم بقوة الديباحة وعمق الشاعرية وصدق الإحساس، ونادى بإقامة دولة عربية موحدة بعد اقتلاع شجرة الأتراك من البلاد العربية. وقد اهتم الملك عبد العزيز آل سعود بأمر هذا الشاعر وأنزله ضيفا مكرما، وعينه وزيرا مفوضا بالعاصمة الأفغانية، ثم سفيرا للمملكة بأفغانستان.
الشاعر السوري فخري محمد البارودي ولد عام 1304هـ أي ما يقارب عام 1887 م في دمشق وكان وحيد والديه فعاش طفولة كلها دلال، واهتم بالموسيقى وألَّف عنها كتابا ضخما لتسهيل النوتة الموسيقية بطريقة من ابتكاره، كما ألَّف المعجم الموسيقي في سبعة أجزاء، وانتقل إلى جوار ربه سنة 1966، وفي شعره يتغنى بجمال دمشق وطبيعتها الفاتنة.
الشاعر السعودي محمد سراج خراز، ولد بمكة المكرمة عام 1344 هـ وبعد تخرجه تدرج في المناصب الوظيفية التعليمية، وداهمه مرض السكر، فكتب عنه قصائد، يرصد فيها ارتفاع السكر وانخفاضه والألوان الناتجة من تحليل السكر في البول. من هذه القصائد، قوله:
يا سكر كالمر ! بل المرُّ منكَ ألذَّ طعما
قد حار فيك الطبُّ والعلمُ الحديثُ وضلَّ فهما
ما أنتَ إلا ملعبٌ للموتِ والإنسانُ مرمى
كم سادرٍ مثلي أصبتُ وأنتَ تخبطُ خبطَ أعمى
ما لان قلبُك للرضيعِ ولا المسنِّ وقد أهمَّا
كلا ولم تحفلْ بأنْ يزوي شبابُ المرءِ يوما
حالتْ بك الدنيا رؤى سوداء كالليل ادْلَهَمَّا
أفعى .. تروعُ الناظرين وفي العروق تمجُّ سُمَّا
أما شاعر الجنوب السعودي محمد بن علي السنوسي، فهو من مواليد مدينة جازان عام 1343 هـ، وكانت عينه كالكاميرا يسجل كل جميل أو قبيح في ريف بلده، ويرسم وقائع الناس الذين يعيشون في القرى والوديان وطباعهم وخلائقهم بأسلوب يفيض رقة وعذوبة.
الشاعر المصري محمد الأسمر المولود في مدينة دمياط سنة 1900 ورحل سنة 1956 م، كان أبيض البشرة، وكان من الشعراء الذين تجهمت الحياة في وجوههم حيث لا مال عنده ولا جاه أحاط به، ومع هذا كان شاعرا فياض العاطفة صادق الإحساس، يشارك الناس آلامهم وأفراحهم مشاركة قوامها الإخلاص والإيمان، وقد لقبه مليباري بالشاعر المغرد.
أما شاعر العقيق فهو الشاعر السعودي محمد هاشم رشيد المولود في المدينة المنورة عام 1348 هـ، فقد صدر له سبعة دواوين، هي: وراء السراب، وعلى دروب الشمس، وفي ظلال السماء، وعلى ضفاف العقيق، والجناحان الخافقان، وعلى أطلال إرم، وبقايا عبير ورماد. وقد كان لهذا الشاعر مشاركات فعالة في توجيه الحركة الأدبية السعودية وصقل مواهب الشباب داخل النادي الأدبي بالمدينة المنورة. وحصل على الوسام الثقافي من تونس عام 1393هـ، وعلى ميدالية المتنبي للشعر من العراق عام 1399هـ، وكرم في السعودية أكثر من مرة.
الشاعر المصري محمود غنيم من مواليد قرية مليج بمحافظة المنوفية عام 1902 ورحل عن سبعين عاما عام 1972 يلقبه كاتبنا بالشاعر المرموق، وهو يتحدث في مرارة عميقة وألم دفين ـ في معظم قصائده ـ عن مجد الإسلام الذي ضاع. وتبرز فلسطين نغمة حزينة في صوت الشاعر، فكلما سمع وشاهد مأساة اللاجئين المتمثلة في البؤس والضياع والحرمان أمضَّه الحزن وأسال دموعه واعتصر قلبه وذكَّره بنكبة مثيلة لها من قبل، وهي نكبة العرب في الأندلس، فيصيح في قومه بالنذر ويطلب من رؤساء الدول العربية وحكامها مجابهة الخطر ومقابلة محنة فلسطين بقوة روح العربي وشموخه، ويخاطبهم بقوله:
إن تقدموا فبنوا الإقدامِ نحنُ وإن = قلتمْ سلامًا فمَنْ بالقولِ .. يقتنعُ؟
وهو القائل وكأنه يعيش بيننا اليوم:
ويح العروبة كان الكونُ مسرحَها = فأصبحت تتوارى في زواياهُ
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرِّفُها = وباتَ يملكُنا شعبٌ ملكناهُ
كم بالعراقِ وكم بالهندِ ذو شجن = شكا فردَّدَ الأهرامُ شكواهُ
بني العمومةِ إنَّ القرحَ مسَّكمو = ومسَّنا نحنُ في الآلامِ أشباهُ
ما بالَ شملُ شعوبِ الضادِ منصدعًا = ربَّاه .. أدركْ شعوبَ الضادِ رباهُ
شاعر الثورة الجزائرية مُفدي زكريا المولود في إحدى قرى منطقة ميزاب بالجنوب الجزائري في شهر أبريل عام 1913، ورحل عام 1977 هو آخر شعراء الكتاب، وكانت الجزائر حبه الأول، والأخير، وكان ضمير أمته ولسان أبناء وطنه، وله ثلاثة دواوين: اللهب المقدس، وتحت ظلال الزيتون، ومن وحي الأطلس.
***
هكذا عشنا مع أربعة وعشرين شاعرا عربيا اختارهم لنا الأديب السعودي عثمان محمد مليباري من وسط الحديقة الشعرية الغنَّاء، وأطلق عليهم بلابل العرب، ضمن مشروعه الموسوعي الكبير عن شعراء العربية الذين عاشوا في الماضي القريب، ولا تزال أعمالهم ونصوصهم حية بيننا، تعبر عن نبضاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا. ونحن في انتظار الجزء الثالث وبلابل شعرية أخرى من هذا المشروع الأدبي والثقافي الطموح، غير أننا نهمس في إذن الكاتب أي يراعي مضاهاة التواريخ الهجرية بالتواريخ الميلادية، أو العكس، وأن يتثبت من تواريخ الميلاد وتواريخ الوفاة لكل شاعر من الشعراء الذين يؤرخ لهم، خاصة أن معظمهم من الشعراء المعاصرين، أو الذين عاصرهم الكاتب.