Imageالكتاب: المعجزة
المؤلف: دانيال ستيل
ترجمة: رفيف غدار 
الناشر: الدار العربية للعلوم بيروت لبنان الطبعة الأولى 2006  

هل هناك وقت لقراءة القصص في هذا العالم؟ ولم نهتم بهذه القصة بالذات؟ وما دلالة الإقبال عليها في الولايات المتحدة؟ سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات بعد دعوة القارئ للاطلاع على موجز لهذه الرواية.  


تأخذنا دانييل ستيل – الكاتبة الشعبية الأولى في أمريكا - على ظهر أكبر السفن الشراعية الحديثة وأكثرها ترفا، لنمضي مع "كوين ثومبسون" رجل الأعمال الثري الذي تقاعد قبل عام واحدٍ أوقاتا مليئة بالحزن والقلق والحسرة وخيبة الأمل، فنبحر معه في سفينته المستأجرة لمدة ثلاثة أشهر  بين ميناء وآخر على شواطئ أوروبا الممتدة بين ايطاليا و النرويج. في رحلة لا مقصد لها فهو لا يريد الرسو  ولا بلوغ بلد بعينه.  وهو إذ يسافر وحيدا على ظهر هذا القارب العملاق كان يهرب من نفسه ليعالج روحه من جرح أليم سببه وفاة زوجته "جين" المفاجئ بالسرطان. فهو لم يكن قد وجد الوقت ليستمتع برفقتها فإذ بالمرض يباغتها ولا يترك له إلا وقتاً قليلا لوداعها. ومع أنها سامحته من كل قلبها فقد كان يراها في المنام كل ليلة تناديه ليبقى معها ويكف عن السفر وراء أعماله،  وهذا ما لم تظهر له أثناء حياتها بل ما كانت تظهر إلا الحب والعطف  والود. وكانت تشعر بالحرمان منه لكنها تسامحه دوما على ابتعاده عنها وهي سعيدة بنجاحاته، تعوض حرمانها منه برسائل و قصائد تكتبها له و تحتفظ بها في صندوق عزيز عليها لم يتح لزوجها رؤية ما بداخله إلى أن ماتت.

كان هذا الصندوق رفيق كوين ثومبسون في ليالي سفره الطويلة على ظهر المركب الشراعي مع النشيج والبكاء على حب لم يقدره أبدا حينما كانت زوجنه حية ومما زاد من ألمه مقاطعة ابنته الوحيدة أليكس له ورفضها لزيارته لها و ردها عليه بالهاتف بكل البرود و السلبية إن ردّت عليه أصلا. ذلك أن أليكس لم تسامح أباها  أبدا على إهماله لها في طفولتها وإخفائه خبر مرض أمها عنها  حتى إذا أدركتها قبل وفاتها بيومين وجدتها تحتضر و بالكاد تستطيع أن تتكلم.

كانت زوجته جين في التاسعة و الخمسين حين ماتت و كان قد مضى على زواجهما سبع وثلاثين سنة. كانت أليكس في الرابعة و العشرين من عمرها ولو عاش شقيقها دوغ لكان عمره الآن ستاً وثلاثين سنة  لكنه مات في حادثة سفينة وهو في الثالثة عشر من عمره والآن أدرك أبوه كوين انه بالكاد كان يعرفه.

لقد ماتت جين في شهر حزيران وكانت الأشهر الخمسة الماضية مؤلمة و باعثة على السأم الطويل من دون زوجته، و قد عرف كوين بتأكيد مطلق انه لن يغفر لنفسه خذلانه له، كانت أحلامه و يوميات زوجته تذكره على الدوام بإخفاقاته، و قد حاكمته ابنته اليكس منذ زمن طويل وقد وجدته مذنبا ولم يخالفها الرأي .

وقد اهتدى كوين تومسون في آخر أيام رحلته إلى سفينة شراعية عملاقة يبنيها مليار دير آخر ذو هواية و شغف في السفن الشراعية ، فيقرر شراءها و يزور في الحض الذي تبنى فيه ليطلع على تفاصيلها الدقيقة ويضيف إليها ما يناسب راحته وخبرته وذوقه.  لكنه كان مضطرا للعودة لبيته في سان فرانسيسكو لينتظر اكتمال بناء سفينته الجديدة و ليبيع هذا البيت الذي تشارك فيه حياته مع زوجته ليمحي من ذاكرته كل ما يتعلق بحياته السابقة. كان يريد الهرب من ماضيه، من المنزل الذي كانت تملؤه زوجته حبا وحيوية وولائم لم يكن هو فيها إلا كواحد من المدعوين. كان عقله و اهتمامه منصرفا كليا لعمله و كان كالملك ميداس ما إن يضع يده على شيء حتى يحوله ذهبا. بدأ متسلحا بمبلغ صغير من أبيه و بشهادة في إدارة الأعمال و انتقل من نجاح لآخر حتى أصبحت الصحافة تلهث وراء أخبار صفقاته ، لقد ربح المليارات من الدولارات  و لكنه كان زوجا وأبا فاشلا ، أدار ظهره لعائلته و اليوم وقد تقاعد وماتت زوجته بعد أن شعر بعظم حبها له في التسعة اشهر التي سبقت موتها.

بعد وقت قصير من إقامته الكئيبة والبائسة في بيته ، ضرب إعصار مدمر المدينة ، ووقعت شجرة كبيرة على سقف بيته  فتحطم جزئيا و نشأت في سقفه فجوة كبيرة فيه فطلب من رجال الإطفائية وضع غطاء من البلاستيك لغلق الفتحة الموجودة في السقف ، كما ضربت هذه العاصفة المنزل المجاور له ، ليرى امرأة وحيدة مطلقة تدعى "ماغي" ينتابها الرعب والذهول مما حصل ، فيتبادل معها كلاما موجزا فاترا حول ما حصل معهما، وحين يهرع كوين تومسون لإحدى شركات المقاولات لإصلاح بيته يجدها جميعا مشغولة و لا يمكن أن تبدأ أي عمل في صيانة منزله قبل عدة أشهر لان العاصفة حطمت جزئا كبيرا من المدينة و أخيرا اهتدى إلى نجار مستقل يدعى  "جاك ادامز"   هو الوحيد الذي رضي بأن يبدأ على الفور في إصلاح المنزل لكنه سيأخذ ستة أشهر لإتمام صيانة المنزل و حين ترنو الجارة ماغي إلى مساعدة نفس النجار في إصلاح بيتها يسرح لها النجار بعض عماله ليقوموا الإصلاحات عندها، يعجب كوين بالنجار جاك لذكائه  ودقته ومهارته إتقانه لعمله وحماسه  لعمله.  والغريب أن جاك كان في نفس طوله و له قامة تشبهه و كان في الثلاثين من عمره و أحس كوين انه  لو كان ابنه "دوغ " حيا  لكان في مثل عمر و هيئة هذا الرجل. لكنه يكتشف أن هذا النجار كان أميًا نشأ في ظروف صعبة. كان النجار لا ينهي عمله إلا في وقت متأخر من المساء وكان الرجلان يتشاركان طعام العشاء ونشأت بينهما صداقة تعززت حينما عرض كوين على النجار أن يعلمه القراءة والكتابة.   وبسبب عمل النجار جاك في بيت كوين  وفي بيت جارته في آن واحد بدأت تنشأ علاقة صداقة بين الأشخاص الثلاثة  وقد علم كوين من النجار أن هذه المرأة قد انفصل عن زوجها اثر انتحار ابنهما الوحيد  وقد وصلتها أوراق الطلاق بالبريد في اليوم الذي ضربت فيه العاصفة بيتها وبدا وكأن العاصفة خاتمة ملائمة لكل شيء.  ألح جاك على كوين لدعوتها للعشاء لأن هذه المرأة كانت بحاجة لأصدقاء لتسليتها. وكانوا  كثلاثة أرواح في قارب نجاة واحد ، ؟ن كوين بأنه هناك علاقة حب تربط جاك بماغي لكنه فوجئ بجاك يحضر صديقته ميشيل للعشاء  وبأن ما كان يربط بينهم ثلاثتهم ليس سوى صداقة نشأت بالصدفة بسبب الظروف الخاصة التي مروا بها.

وقد بدأ كوين يدعو ماغي للقيام برحلات صغيرة على سفن شراعية كان يستأجرها في عطلات نهاية الأسبوع و لكنه كان يبقيها على مسافة واضحة منه  و تنتهي أعمال الصيانة و يتعلم جاك القراءة و الكتابة ينتسب لكلية الهندسة و يتزوج بصديقته ميشيل و يبقى كوين و ماغي لوحدهما ورغم المأساة العائلية التي كانت تجمعهما  فلم يرد كوين أن تتطور صداقته بماغي لشيء آخر ، فماغي كانت مدرسة فيزياء ناجحة وكانت محطا للأنظار في مدرستها و مدينتها لكنها لم تعط الوقت الكافي لابنها الوحيد "اندرو" حتى  فوجئت بانتحاره فأصيبت بصدمة توقفت على إثرها عن التدريس وخضعت لجلسات للعلاج النفسي ثم تفرغت  بدورها للعمل على خط هاتفي للمراهقين المأزومين لثلاث ليال كل الأسبوع علها تقوم بشيء لمساعدة أحدهم بدلا من الجلوس في البيت ورثاء نفسها .

كانت ماغي مناسبة من جميع النواحي لكوين و لكنه قرر ألا يرتبط ثانية بأي امرأة حتى لا يكرر الجريمة التي ارتكبها بحق زوجته جين . ثم ينجح في بيع بيته بعد إتمام صيانته ويذهب  لاستلام سفينته الجديدة و يبحر بها حول العالم يريد أن  يهرب بعيدا  عن سان فرانسيسكو و عن ماضيه كله .

و في طريقه لاستلام سفينته اتصل بابنته و عرض عليها أن يزورها فقبلت كما قبلت أن يصطحب حفيديه في الرحلات التجريبية للسفينة. سارت الرحلات التجريبية للسفينة على نحو جيد للغاية حين سارت أنظمة السفينة على شكل أفضل من المتوقع   وقد حظي حفيداه بكثير من المرح وكان أفراد الطاقم أكثر كفاءة مما كان يرجو. و قد مضت الأسابيع كالدقائق ولو يستطع كوين أن يصدق كيف مر الوقت بسرعة وكان قد تكلم مع ماغي وأخبرته بأنها بالكاد تستطيع الانتظار لرؤيته لكنه أصر على الاتصال بها على نحو اقل مما كان يرغب كان يعرف انه عليه أن يبدأ بالابتعاد عنها ألان و إلا سيكون الانفصال الأخير مؤلم لحد كبير لأنه كان عازما إلى عدم إدخالها في حياته الجديدة .

أعاد كوين حفيديه الصغيرين إلى أمهما و انطلق في رحلته الكبرى في سفينته و شعرت ماغي بابتعادها عنه بمثل شعورها عند وفاة ابنها اندرو و توالت عليها الأيام و كانت كأنها أصبحت منفصلة عن العالم بأكمله لا تبتسم أبدا و بالكاد كانت تنام في الليل و عندما كان يتكلم إليها الناس كانت بالكاد تسمعهم .

بدأ كوين رحلته الكبرى بسفينته الجديدة واثقا من نفسه ومن سفينته ومن الطاقم المرافق له واجتاز البحر الأبيض والبحر الأحمر و وصل إلى جنوب أفريقيا  في طريقه إلى استراليا قابلته عاصفة مدمرة بذل طاقته في النجاة منها لكنها كانت من الشدة بحيث كان الإفلات منها يبدو مستحيلا و قد غرقت من حوله سفن عدة و حينما اتصل لاسلكيا بأقرب سفينة لم هناك فائدة من هذا الاتصال فلن يقدر احد على مساعدته و إنقاذه ، كان كل من حولهم قد غرق تبادل كوين و الطبقان نظرة طويلة و في مكان ما في حجرة الدفة كان احد أفراد الطاقم يصلي بصوت عالي و ظن كوين بأنهم جميعا كانوا يفعلون ذلك بصمت وقف كوين عند النافذة يراقب الأمواج مرة أخرى و بينما كان يحدق في المطر المتدافع كان يستطيع أن يقسم بأنه رأى وجه امرأة كانت ماغي و عندما فكر بها و بالأوقات التي أمضياها معا اعترته رغبة ملحة عارمة للاتصال بها و عاهد نفسه بأنه سيفعل إذا نجا من العاصفة و هو ما بدأ اقل احتمالا مع مرور الوقت. و لكن وبمعجزة ربانية نجت السفينة و استطاعت الوصول إلى شواطئ استراليا مبها أضرار فظيعة حيث ابلغوه بأنها تحتاج لثلاثة اشهر على الأقل للصيانة.

عاد كوين وحيدا بلا سفينة و لم يبقى أمامه سوى وجه ماغي الذي كان مرسوما على الأمواج يوم العاصفة فهرع إلى سان فرانسيسكو  وفي يوم ماطر بينما كانت ماغي تركض باتجاه سيارتها رأت رجلا يندفع باتجاهها فقفزت مبتعدة عنه و من ثم رأته و وقف هناك بنظر إليها فقط لقد كان كوين او شخصا اخر يشبهه تماما سألته و هي تنظر بذهول ما الذي تفعله هنا كان من المفروض ان تكون في افريقا او في مكان ما ؟ فقال بصوت متقطع الانفاس كصوتها : كادت السفينة ان تغرق في عاصفة بعيدا عن ساحل افريقيا فرفعت بصرها و نظرت إليه  بينما كان المطر يتساقط عليهما بقوة بدا هائجا و منهكا و خمنت بأنه قد غدر الطائرة و قدم الى هنا مباشرة و انه لم ينم منذ ايام و هو ما كانه بالفعل .

أضاف شاهدت وجهك في العاصفة حين حسبت بأننا كان نغرق . أقسمت بأننا إذا نجونا سأتصل بك . فقالت : لقد تأخرت عن المدرسة . فقال: هل تأتين معي ؟ كان قد قطع ستة الالاف ميل ليسألها هذا السؤال. و أكثر من ذلك لقد جاء من أحشاء الموت، ولكن الشيء الوحيد الذي وجده بالعاصفة هو كل ما هو  بحاجة اليه .

فبين فكي الموت وجد الصفح . كان يعلم بأنه إذا نجا بأنه يستحق ماغي .

قالت : هل أنت جاد ؟ و حدقت به، وكأنها لا تصدق أنه يعني كلامه ، فانحنى على ركبة واحدة تخت المطر أمامها وضحكت له و هو يقول:  و الآن هل ستأتين معي ؟  أجابت : حسنا حسنا .

كانت ماغي التي دخلت حياته و جلبت الصفح و الحب كانت المعجزة التي شفته ؟.  

تعليق : الدنيا بخير. ما زالوا في أمريكا يبحثون عن العواطف الإنسانية والصداقة الخالصة وعن الاهتمام بالأسرة! هذه دانييل ستيل الكاتبة الشعبية الأولى في أمريكا والتي يتلهف عشرات الملايين لقراءة قصصها، تكتب قصة ذات أبعاد إنسانية بعيدة عن العالم المادي الرأسمالي الذي يعيشه الشعب الأمريكي. قصة تدعو الإنسان للاهتمام بمن حوله من أفراد الأسرة وأن يكفوا عن تخصيص كل اهتمامهم ووقتهم لطموحهم المجنون للنجاح والتفوق المادي. تطالبهم بشيء من الروح والإنسانية بجانب العمل.

ولدي سببان مهمان لاختيار هذه القصة. الأول أن هذه قصة نظيفة لا يخجل المرؤ من قراءتها أو من تركها بجوار رأسه أو من سردها على من يعرف ونصحهم بشرائها، بخلاف قصص كثيرة أخرى لدانييل ستيل. والثاني أنها تعلي من شأن الصداقة الإنسانية الخالصة التي لا غرض من ورائها. هذه الخصلة التي تمثل جزءاً من ثقافتنا العربية ويفتقدها الشعب الأمريكي غالباً. تلك الصداقة التي جمعت الملياردير كوين ثومبسون ونجاره جاك الذي يصلح له البيت بعد أن ضربه إعصار، وجارته ماغي التي دمر جزء من بيتها في نفس الإعصار. فقد أعجب الملياردير بالنجار الأمّي ومهارته الحرفية وإتقانه للعمل فقام يعلمه القراءة والكتابة حتى أوصله للمرحلة التي تؤهله لدخول الجامعة. وحضرت الجارة جين العشاء كل يوم معهما وكأنها أخت لهما واستمروا على ذلك زمناً. ولا يضر هذه الصداقة الخالصة أن الظروف النفسية والمادية المتشابهة قد جذبت الجارة جين إلى بطل القصة كوين ثومبسون، فقد كان الحب الذي تطور بينهما سبيلاً ناجعاً لعلاجهما من أزماتهما النفسية وليعيد إشراقة الحياة لهما معاً.

وكتاب المعجزة ليس كتاب وعظ كما يبدو مما مضى من تعليقي، بل هذه عبقرية خالصة من الكاتبة دانييل ستيل إذ أنها تقوم بتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع عبر حبكة قصصية محكمة وأسلوب مشوق يستخدم مفردات الحياة العصرية. فالقارئ دوماً يريد أن تصالح البنت أليكس أباها، ويريد النجاح للنجار الذكي الذي ولد في ظروف تعيسة جداً، كما يريد القارئ من كل قلبه أن ينظر بطل القصة بعطف إلى جارته جين، وأن يشفى من عقدته ويقرر الزواج ثانية.

ولا بد أن أثني على الترجمة لرفيف غدار، هذه الترجمة التي تنسيك تماماً أنك تقرأ نصاً مترجماً، بل نصاً عربياً سلساً ناصع البيان سهل العبارة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية