مقدمة حول الكاتب والكتاب: أثناء قراءة كتاب (دليل حول الإسلام) في نسخته المترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الهولندية(1)، اكتشفت أن صاحبه يكتب عن الدين الإسلامي بطريقة قلما تحضر عند الكثير من المثقفين والمفكرين الغربيين المعاصرين، الذين صعد نجمهم فجأة في ميدان الدراسات الغربية التي تهتم بالإسلام؛ عقيدة وتاريخا وثقافة وأتباعا وغير ذلك، فعنت لي فكرة أن أحبر هذه الورقة عن هذا المثقف المغمور عربيا وإسلاميا،
وعن نظرته إلى الإسلام، وهي في واقع الأمر نظرة تتراوح بين الموضوعية ولو النسبية والنقد العلمي المنفتح، بعيدا عن خطاب التنقيص والإساءة الذي استفحل في الآونة الأخيرة لدى الكثير من المهتمين الغربيين بالإسلام، من مفكرين وباحثين وإعلاميين وسياسيين وفنانين... ترى من هو هذا المفكر، وما هي أهم جوانب سيرته العلمية والفكرية؟
إنه جيمس أ. بيفيرلي المدير المساعد في المعهد الأمريكي لدراسة الدين في سانتا باربارا بكاليفورنيا، وأستاذ في مؤسسة تايندال في تورنتو بكندا، ويساهم في تحرير مجلة المسيحية اليوم، كما يشارك باستمرار في مجلات مختلفة، كالإيمان اليوم، والهيبة وغيرهما. وتتعدد مجالات اهتمامه، كالأديان الجديدة في العالم، والأخلاق المسيحية، ولاهوت الكاثوليكية الرومانية، وعلم الدفاع عن المسيحية وغير ذلك. مما يجعله يرتبط بمختلف المؤسسات الأكاديمية والدينية، كالأكاديمية الأمريكية للدين، والجمعية اللاهوتية الإنجيليكية، والجمعية الكندية لدراسة الدين، والجمعية العلمية لدراسة الدين، والجمعية الفلسفية الإنجيليكية. لذلك فهو عادة ما يحضر ويحاضر في الاجتماعات السنوية التي تعقدها الجمعية اللاهوتية الإنجيليكية والأكاديمية الأمريكية للدين. كما أنه يعتبر خبيرا في القضايا المدنية والجنائية المتعلقة بالحركات الدينية المعاصرة. وقد عمل أستاذا في مختلف أنحاء العالم، كأوروبا والهند وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. وقد ألف مجموعة من الكتب، أهمها: السيد المسيح والإسلام، الإسلام في أمريكا، وموسوعة الأديان، وغير ذلك (2).
ويحاول جيمس أ. بيفيرلي من خلال هذا الدليل الموجز والمركز (3) الذي يعقده حول الإسلام، الإجابة عن سؤالين محوريين كما يشير في مقدمة الكتاب، وهما كالآتي:
* من هم المسلمون؟ وما هي طبيعة العقيدة التي يؤمنون بها؟
* ما علاقة المسلمين بما أصبح يعرف بالإرهاب العالمي؟
ويظهر أثناء قراءة هذا الدليل أن الكاتب ينطلق في تفسير هذه الأسئلة ذات الطابع الإشكالي في التصور الغربي المعاصر، من دراسة شبه موضوعية ومعمقة للإسلام، حيث يعتمد مختلف المصادر والطروح المستقاة من التراث الفكري والديني الإسلامي نفسه، لا مما تتناقله وسائل الإعلام الغربية، من كتابات صحافية ومقالات غير علمية، كما نعهد عند الكثير من الكتاب والمثقفين الغربيين المعاصرين، لذلك انطوى تناوله على اطلاع جيد وواسع عن الإسلام؛ دينا وتاريخا وتيارات وعادات وتقاليد، فضلا عن ذلك، فهو يحاول من خلال هذا التناول تقديم صورة تقريبية حول الإسلام لغير المسلمين، حتى يتمكنوا من استيعاب الكثير من الجوانب المشكلة في الدين والثقافة الإسلاميين، وهي جوانب يستعصى فهمها مباشرة من قبل المواطن الغربي العادي، وذلك بسبب نوعية التفكير الذي جبل عليه، لا سيما بخصوص ما هو إسلامي.
إن الباعث الذي يدعو الكاتب إلى نهج هذا الأسلوب في تناول الدين الإسلامي، ينشأ من استشعاره بأن ثمة حاجة ماسة من قبل الغرب إلى معرفة الإسلام، يقول: "يبدو أن ثمة اليوم أكثر من ذي قبل حاجة ماسة وطلب كبير إلى المعلومات حول الإسلام وحقيقته، حول رسوله (صلى الله عليه وسلم)، حول كتابه المقدس (القرآن). الناس يريدون معرفة ماذا يعلم الإسلام في الواقع المعاصر حول دور المرأة، حول الجهاد والإرهاب، حول القضية الفلسطينية ومواقفها من إسرائيل". ص 5 وسوف يعمل الكاتب على معالجة جل القضايا المشار إليها في قوله هذا، بداية من حقيقة الإسلام، ووصولا إلى القضية الفلسطينية. وقد أكد بأنه سوف يتناولها بدقة وموضوعية وصدق، يقول: "المقصد من هذا الكتاب هو إعطاء معلومات دقيقة وموضوعية وصادقة حول كل هذه القضايا. إن هذا الدليل حول الإسلام يهدف أساسا إلى تقديم أهم الأحداث الأساسية ووجهات النظر". ص 6 فهل سوف يف الكاتب بهذا الوعد الذي حمله على نفسه في مقدمة هذا الكتاب؟
لمحة عامة ومركزة حول أهم قضايا الدين الإسلامي
قام الكاتب جيمس أ. بيفيرلي في دليله حول الإسلام بمعالجة أهم القضايا التي ترتبط بهذا الدين، التي من شأنها أن تشكل أهم المفاتيح التي تمكن الإنسان غير المسلم، خصوصا الغربي، من فهم ما استغلق عليه واستشكل من هذا الدين وثقافته وتاريخه وعباداته، ثم إن الاطلاع الجاد والمحايد على هذه القضايا المدروسة بإمكانه أن يشكل لدى الرأي العام الغربي، صورة موضوعية تقربه من حقيقة الإسلام، الذي تجهله الأغلبية الساحقة من الغربيين، بما في ذلك حتى من تسنى لهم التعرف عليه، لأنه غالبا ما يتم ذلك التعرف من خلال بعض المصادر غير الموثوق فيها، مما يجعلهم ينسجون صورة مشوهة حول الإسلام والمسلمين.
وتتحدد أهم القضايا التي تناولها الكاتب في: حقيقة الإسلام، الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن الكريم، المسلمون، المرأة، الجهاد والتطرف، فلسطين. سوف نتريث في هذا الشق من هذه القراءة عند القضايا الثلاث الأولى (الإسلام، الرسول، القرآن)، التي تعامل معها الكاتب تعاملا وصفيا سكونيا ينبني على شرح القضية، ونقل المعلومة إلى من لا يعلمها، في حين سوف نخصص الشق الموالي للقضايا الأربع المتبقية (المسلمون، المرأة، الجهاد، فلسطين)، التي تناولها الكاتب باعتبارها إشكالات تطرح نفسها بقوة في العالم المعاصر، لذلك كان يعمل فيها رأيه أكثر مما ينقل كما سوف نرى في القضايا الثلاث الأولى.
1. الإسلام وحقيقته
أشار الكاتب بدءا إلى أن كل واحد من ستة من ساكنة الكرة الأرضية يعتبر مسلما، أي من أتباع الإسلام، الذي يعد الديانة الثانية الأكبر عالميا بعد المسيحية، حيث إنه انطلاقا من القرن السادس بعد المسيح صار يشكل الإسلام قوة دينية وثقافية وسياسية. أما في العصر الحالي فيؤدي الإسلام دور الهيمنة في الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أفريقيا وأسيا. ص 8 هكذا بعد هذا التمهيد المقتضب، سوف ينطلق الكاتب ليعرف بحقيقة الإسلام تعريفا علميا مركزا، نفتقده حتى لدى الكثير من المثقفين والكتاب المسلمين المعاصرين. وقد توقف في ذلك عند ثلاثة جوانب أساسية وهي:
1. تطرق في الجانب الأول إلى أهم مرتكزات الإسلام وهي حسب تقديره أربعة: 1- الإيمان المطلق بالله تعالى والخضوع له بالعبادة، 2- الاعتقاد المطلق بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأنه معصوم، 3- الإيمان بأن القرآن كلام الله تعالى وأنه المصدر الأول لكل المسلمين، 4- النظر إلى الإسلام باعتباره دين القانون، وهذا القانون هو الشريعة الإسلامية.
2. تعرض في الجانب الثاني بالشرح إلى أركان الإسلام الخمسة، وهي: الشهادتان، الصلاة، الصوم، الزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.
3. أما في الجانب الثالث فقد اجتهد الكاتب في تناول سبعة أمور، رأى أنها من الأهمية بمكان في الإسلام، وهذه الأمور هي:
* الاعتقاد بأن الإسلام كان قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ظهر عندما خلق الله تعالى أبانا آدم عليه السلام، الذي كان مسلما، كما أن مؤمني اليهود والمسيحية كانوا كذلك على دين الإسلام.
* عدم اعتقاد المسلمين بما يطلق عليه الكاتب (إرث الخطيئة)، حيث أن الناس كما هو في الدين المسيحي ولدوا للتكفير عن خطيئة آدم عليه السلام، فهذا غير وارد في الإسلام.
* الإيمان المطلق بوحدانية الله تعالى ومشيئته.
* الاعتقاد بأن الكون ليس خاصا بالإنسان وحده، وإنما هو كذلك موطن لباقي المخلوقات من ملائكة وجن وشياطين وغيرها.
* الإيمان باليوم الآخر حيث سوف يحاسب الإنسان على ما فعل في دنياه، فيجازى بالحياة الأبدية إما في الجنة وإما في النار.
* الإيمان بأن الحياة الخالدة للمؤمنين تتحقق في الجنة، وهي حياة رغيدة يعيش فيها الإنسان في هناء ونعيم.
* احترام المسلمين لعيسى عليه السلام واعتباره كذلك نبي الإسلام.
في حقيقة الأمر، إن ما يؤاخذ على الكاتب في الجانب الأخير، أنه عوض ما يتناول أركان الإيمان الستة، التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فإنه اجتهد في تجميع سبعة أمور أساسية في الإسلام، وهي كلها، كما يتضح للعيان، مستوحاة من أركان الإيمان؛ فحديثه عن أن الأرض كذلك موطن للملائكة وغيرها من المخلوقات، يحيل على الركن الثاني من أركان الإيمان الذي هو الإيمان بالملائكة، وحديثه عن عيسى عليه السلام، يحيل على الإيمان بالرسل، وغير ذلك.
2. محمد (صلى الله عليه وسلم)
يعقد الكاتب هذا الفصل للحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن مختلف جوانب حياته الشخصية والعامة المتعلقة بالدعوة الإسلامية، وهو يدرك بعمق عظمة هذا الشخص وتأثيره العميق في مسار التاريخ الإنساني، وما يسترعي النظر في هذا الفصل، هو العنصر الأخير الذي خصصه لأهم المواقف تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يرى بأن ثمة نوعا من الانقسام في المواقف من هذا الشخص، وهذا لا يشكل في نظره أي مفاجأة، لا سيما وأن حياة الرسول، حسب رأيه، تتضمن الكثير من الجوانب التي من شأنها أن تخلق اختلافا في المواقف، مثل بعض الأمور الخارقة وغير العادية، والحروب الكثيرة التي تمت من أجل نشر الإسلام، ليس ضد الأجانب فحسب، وإنما كذلك فيما بين المسلمين أنفسهم. ص 25 وتتخذ هذه المواقف ثلاثة اتجاهات:
* موقف المسلمين الصادقين من محمد صلى الله عليه وسلم: وهو موقف إيجابي، جعل الكاتب يقارن الاحترام الذي يكنه المسلمون لرسولهم صلى الله عليه وسلم، باحترام المسيحيين لعيسى عليه السلام، وحب الهنود لكريشنا، وتبجيل السيخ لخورو ناناك، والبوذيين لبوذا. ص 26، وهي في الحقيقة مقارنة لا يقبلها أي مسلم صادق، ولو أنها ذات طبيعة مجازية، لأنه ليس من المعقول أن يوضع كل من الرسول صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام في المرتبة نفسها التي يوضع فيها كريشنا وناناك وبوذا، وليس من المنطقي أن يماثل الإسلام والمسيحية بالهندوسية والبوذية! ثم إن الكاتب يخلص إلى أن هذا التبجيل الشديد من المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام، من شأنه أن يجعلهم يسخطون بشدة على كل من يسيء إليه، وقد مثل لذلك بموقف الشيخ أحمد ديدات من الكاتب سلمان رشدي في آياته الشيطانية، حيث أصدر ضده منشورا يحمل عنوان: كيف يوقع رشدي الغرب في الحماقة! ص 26
* موقف غير المسلمين الذين يعترفون بأهمية الإسلام: وهو كذلك موقف إيجابي لصالح الإسلام، وقد أورد الكاتب آراء لبعض المفكرين الغربيين المشهورين، مثل الفونس دو لا مارتين وهانس كونغ. لقد تريث الفونس دو لا مارتين في وصفه لتاريخ الأتراك عند شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، معتبرا إياه عبقريا بكل المقاييس الإنسانية، إذ إن أغلب المشاهير صنعوا السلاح وسنوا القوانين وشكلوا الإمبراطوريات، ومع أنهم تمكنوا من تحقيق شيء ما، فإن ذلك لا يتعدى الهيمنة أو القوة المادية، في حين أنه هذا الشخص لم يقتصر على تكوين الجيش، وتنظيم الدولة والشعب بالقوانين، وإنما قاد ملايين الناس، وأكثر من ذلك، نحى الطواغيت، وهدم الأوثان والعقائد؛ أثر بعمق في الأفكار، والاعتقادات، وكذا في نفوس الناس. ص 28 أما هانس كونغ فقد تعرض إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه (المسيحية والأديان العالمية)، حيث استشهد بنص من وثيقة لجمعية أساقفة الفاتيكان، جاء فيه أن الكنيسة الكاثوليكية تنظر باحترام كبير إلى المسلمين الذين يؤمنون بالإله الحق الذي خاطب الناس، وقد علق على هذا النص، "بأنه ينبغي لهذه الكنيسة وغيرها من الكنائس المسيحية أن تنظر كذلك باحترام كبير إلى هذا الشخص، الذي ألغي اسمه بخجل من هذه الوثيقة، ذلك بأنه تمكن من توحيد وتوجيه المسلمين إلى عبادة الإله الأوحد، الذي بواسطته تكلم: محمد، الرسول". ص 29
* موقف معاد من قبل غير المسلمين: وهو موقف سلبي ينعت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مصدر الشر، ويذهب الكاتب إلى أن هذا الموقف التنقيصي بدأ أثناء الحروب الصليبية وبعدها، وبالتحديد أثناء اصطدام الجيوش الإسلامية في مناطق وبلدان كانت تحت النفوذ الروماني الموجه من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وما دام أن الإسلام كان يشكل تهديدا لامتداد إمبراطوريتهم، فإنهم كانوا يرون في رسوله معاديا للمسيحية، وخير من مثل ذلك التيار التنقيصي المعادي للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، حسب جيمس أ بيفيرلي، هو صاحب ملحمة الكوميديا الإلهية الشهيرة، دانتي ألجييري الذي ولد في مدينة فلورنس بإيطاليا سنة 1265م. إذ وضع رسول الإسلام في أسفل درك من الجحيم، وقد استوحى منه هذه الفكرة ويليام إ فيبس، في كتابه (محمد والمسيح)، فزعم أن قدر محمد هو أنه يتلقى عقوبات عظيمة وخالدة في النار! ص 29 ثم إن فيبس لا يقف عند هذا الحد، وإنما يتبنى أفكار لوثر المعادية للرسول صلى الله عليه وسلم، ويردد بلسان سليط: "هل سوف يعقل أن يدعى رسولا، من كان أبلها يستشيط غضبا وحمارا؟ لما تملكت أشباح الكذب من نفسية محمد، وأمات الشيطان بقرآنه نفوس الناس، وخرب إيمان المسيحيين، تأتى له أن يستمر والسيف بيده ليقتل أجسامهم كذلك". ص 30 أما المثقفين العلمانيين فيرى الكاتب أن عداءهم للرسول صلى الله عليه وسلم كان أقل حدة، غير أنهم كانوا ينعتونه بالجهل والهمجية واللاعقلانية والنفاق واستعمال السيف وحب النساء... وبعد حادث 11 سبتمبر مباشرة راح الكثير من الكتاب والإعلاميين والمثقفين يركزون على ما يعتقدونه الجوانب المظلمة من حياة محمد! مبررين أن تلك الأعمال الإرهابية التي تمارس على الغرب، إنما تنبع من دراسة سيرة حياته. وقبل إنهاء هذا العنصر، تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا لمثل هذه المواقف التاريخية المعادية للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما من قبل أشخاص يعتبرون في الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة من عظماء الغرب (مثل نموذجي دانتي ومارتن لوثر المشار إليهما أعلاه)، الذين يدرسون في مدارسنا وجامعاتنا، وينظر إليهم بنوع من التقدير والإجلال، في حين أنهم أساءوا بشدة إلى ديننا وثقافتنا ورموزنا!
3. القرآن الكريم
قام الكاتب في بداية هذا الفصل بوصف القرآن الكريم، فأشار إلى أنه يتضمن حوالي 6000 آية، وأن الكثير من المسلمين يحفظونه على ظهر قلب، مما يثبت مدى أهميته في العالم الإسلامي، وقيمته لدى كل مسلم. ثم تحدث عن أصله وكيف تلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تناول بنية هذا الكتاب، وأهم التيمات التي يحتوي عليها، وهي حسب تقديره ثمانية، تتحدد في: الله، محمد، المعلومات المستوحاة من العهدين القديم والجديد، عيسى، المؤمنون، المشركون، الجنة والنار ويوم الحساب. ويبدو أن أغلب ما أورده الكاتب أثناء تناوله من أفكار ومعلومات لا تخرج على ما هو سائد في الأدبيات الإسلامية، لذلك ارتأينا أن نمر عليها مرور الكرام، تفاديا للتكرار والإسهاب غير المحمود.
نحو فهم بعض الإشكالات الإسلامية المعاصرة
1. بين تعاليم الدين ومتطلبات الواقع
يشير الكاتب في الصفحة 48 من الكتاب إلى "أن تقييم الإسلام مرهون بمدى معرفته بأهم العوامل التي توجه الحياة اليومية للمسلم في المنزل، في العمل، أو في المجتمع". وهو بقوله هذا يكرر ما سبق وأن قاله غير ما مرة، وهو أن ثمة حاجة ماسة إلى مزيد من المعرفة، التي لا تتعلق فقط بما سبق وأورده من معلومات ومعطيات تاريخية وثقافية حول الإسلام، وإنما ثمة جوانب أهم من ذلك، كالسلوك اليومي، والوضعية النفسية والاجتماعية للمسلم.
وقبل أن ينزل الكاتب إلى واقع المسلمين، يحاول التمهيد لذلك بمزيد من التعريف بتاريخ الإسلام وأهم مراحله، بل وأهم العوامل المؤثرة فيه، ثم يقوم بعد ذلك بإطلالة على أهم التيارات الإسلامية، من سنة وشيعة وغيرهما. ليصل إلى بيت القصيد وهو المسلمون في السياق العالمي الحالي، إذ يثبت من جديد بأن كل واحد من ستة من سكان الكرة الأرضية يعتبر مسلما، وأن الإسلام يعد أحد أكبر ديانات العالم، حيث يصل أتباعه إلى حوالي مليار شخص. ثم إن المسلمين يوجدون في كل دول العالم، فكتاب الوقائع الذي تصدره المخابرات الأمريكية CIA، والذي يستمد منه الكاتب معلوماته، يثبت أن من بين مجموع دول العالم الذي يصل إلى 234 دولة، ثمة 48 دولة توجد فيها أغلبية مسلمة، و26 دولة توجد فيها أقلية مهمة، وهذا إن عبر عن شيء فإنه يعبر عن أن الإسلام يحضر بقوة في حوالي ثلث دول المعمور". ص 57
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فيصل فيها عدد المسلمين حوالي ستة ملايين مسلم، وفي غضون 15 سنة سوف يناهز عددهم عدد اليهود، فيصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد المسيحية، وقد وفد المسلمون لأول مرة على العالم الجديد كرقيق في نهاية القرن الثامن عشر، أما عن طريق الهجرة فتم ذلك في أواخر القرن التاسع عشر، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، وسوف تفد موجات جديدة من المهاجرين المسلمين على أمريكا في أواخر ستينيات القرن الماضي، وذلك في عهد الرئيس جونسون.
بعد استعراضه لأهم حيثيات التاريخ الإسلامي، قديما وحديثا لا سيما فيما يتعلق بالحالة الأمريكية، سوف يحاول الاقتراب من الواقع اليومي للمسلمين، ليقدم رؤية واقعية، يتعرض فيها إلى أهم محددات حياة المسلم الدينية والأخلاقية والتعاملية، إذ نستخلص من تناوله العناصر الآتية:
* المسلم له التزامات وواجبات لا بد من أدائها، كالصلاة في وقتها، والصيام، والعقود المكتوبة.
* المسلم معروف بالكرم، لكن لا تنتظر الكحول ولحم الخنزير على مائدته.
* المسلم يعترض بشدة على بعض القضايا الأخلاقية، مثل الإجهاض والانتحار والشذوذ الجنسي.
* المسلم يفي بالوعود، لا سيما عندما تكون ثمة عهود موثقة ومكتوبة، ولا يتعامل بالربا.
* المسلم أينما كان يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي العالمي، لذلك يسود الشعور نفسه عند كل المسلمين بخصوص القضية الفلسطينية، ويرون أن الغرب لا يتعامل معها بحزم وعدل.
2. المرأة في الإسلام
تعرض الكاتب للعديد من القضايا التي تقترن بموضوع المرأة في الإسلام، كعلاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرأة، والمرأة في القرآن، والختان، واختلاف العلماء والمثقفين، والمرأة في العالم الإسلامي المعاصر، وما إلى ذلك. لكن أهم عنصر يسترعي الانتباه في تناول الكاتب، هو معالجته لبعض المواقف السائدة داخل الثقافة الإسلامية من قضية المرأة. يقول: "من جهة أولى يعتقد المسلمون المتشددون أن المرأة منحت الحرية الحقيقية في الإسلام، وأن الرسول حرر النساء، وأن ثمة مساواة بين الرجل والمرأة، وأن غير المسلمين أخطأوا في فهم هذا الموضوع، ومن جهة أخرى يقف منتقدو الإسلام الذين يرون أن المرأة اضطهدت في الثقافة الإسلامية، وأن الرسول احتقر المرأة، وأن القرآن يتضمن مواقف تسيء إلى المرأة، لذلك فالكثير من غير المسلمين يعتقدون أن في الشريعة والتقاليد الإسلامية تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية، حيث تتعرض لسوء المعاملة في أغلب الدول الإسلامية". ص 67
وقد عزز موقف الفريق الأول بجملة من المبررات، لا يتسع المجال لذكرها كلها، وأهمها هي: تحرير الإسلام للبنات من الوأد، المساواة بين الرجل والمرأة غير أن لها دورا آخر، حق التعليم للمرأة، قدسية العلاقة الزوجية، تلبية الرغبة الجنسية للمرأة وحسن المعاشرة، حق المرأة في الإرث، وغير ذلك.
كما عضد موقف الفريق الثاني كذلك بمجموعة من الذرائع، وأهمها هي: الكثير من النسوة سوف يدخلن النار، زواج الرسول من عائشة وهي في سن السادسة، النساء ضعيفات عقل، صلاة الرجل باطلة إذا مر أمامه قرد أو كلب أو امرأة...
وقد راح الكاتب يعرض كل قضية بأسلوب تقريبي، استنادا إلى ما اطلع عليه من أدلة في مختلف المصادر والكتب، غير أن ما يؤاخذ عليه هو أنه قدم تقسيما مجحفا لمواقف المسلمين من المرأة في الثقافة الإسلامية، فهو لا يعكس حقيقة تلك المواقف كما هي، ما دام أنه اقتصر على موقفين؛ المتشدد والمنتقد، وهو بذلك يرتدي نظارة لا يلمح بواسطتها من الثقافة الإسلامية إلا اللونين الأبيض والأسود، فأين هي ألوان الطيف الأخرى؛ أين موقف المعتدلين، أين موقف المثقفين المستقلين، أين موقف المفكرين والباحثين والأدباء والفنانين...
3. من الجهاد إلى الإرهاب
يرى الكاتب أن مصطلح الجهاد تغير معناه، إذ إن "11 سبتمبر 2001 غيرت بالمطلق مؤدى كلمة الجهاد، ومع أن الكثير من المسلمين يؤكدون أن هذه الكلمة عادة ما تعني الكفاح والمجاهدة النفسية، غير أن المناضلين الإسلاميين يقدمون رؤية أكثر سوداوية حول هذه الكلمة، التي تعني لديهم: الحرب المقدسة". ص 81 ثم إن "مأساة 11 سبتمبر خلقت مواجهة طويلة ومريرة طفت على السطح، وذلك حول دلالة كلمة الجهاد، والطبيعة الحقيقية للإسلام" ص 82، وقد حاول استخلاص بعض الحقائق المتعلقة في الإسلام بمفهوم الجهاد، التي كثيرا ما كانت مثار النقاش، وهي كالآتي:
* القرآن يستعمل مصطلح الجهاد عندما يتعلق الأمر بمجاهدة النفس وكفاحها من قبل الشخص.
* القرآن يوظف مصطلح الجهاد عندما يتعلق الأمر بالحرب المقدسة أو أي مواجهة مسلحة.
* الرسول كثيرا ما كان يحضر ويشارك في المواجهة المسلحة.
* الرسول يقول أن الإسلام ينبغي أن ينشر في العالم قاطبة.
* الشريعة الإسلامية تبرر الدفاع عن النفس وبعض الأعمال الحربية.
* المسلمون لم يفتحوا البلدان والشعوب غير العربية عن طريق الحرب.
* المسلمون يقسمون العالم إلى قسمين: المسلم وغير المسلم.
* الكثير من المسلمين يرون أن كل الدول ينبغي أن تخضع للشريعة الإسلامية.
* الكثير من المسلمين متسلطون وغير ديمقراطيين ويرفضون معارضة المنشقين.
انطلاقا من هذه الحقائق، يخلص الكاتب إلى أنه ثمة نوعين من الإسلام، الأول تمثله الأغلبية الساحقة من المسلمين، التي ترى أن أيا من العناصر المذكورة تبرر ممارسة الإرهاب، وأن ما ورد في القرآن الكريم عن الحرب، لا ينطبق على أحداث 11 سبتمبر. أما الثاني فيمثله المتطرفون الذين يرون في العمليات التي يقومون بها، على أنها الجهاد الحقيقي، وعلى أنها الحرب المقدسة ضد المشركين وأعداء الإسلام. هكذا فإن 11 سبتمبر أظهرت أن ثمة إسلاما آخر؛ إسلام المسلمين المستعدين للموت في سبيل الله.
بغض النظر عن ارتباط الإسلام بموضوع الإرهاب، بسبب توظيفه من قبل جهات معينة، لأغراض دينية أو أيديولوجية أو دفاعية، فإن الحقائق التي أوردها الكاتب، يمكن أن تسري على كل دين، فإذا ما حذفنا كلمة الإسلام وعوضناها بالمسيحية أو اليهودية أو حتى الهندوسية، نجد أن كل واحدة من هذه الديانات، تدعو إلى مجاهدة النفس، وإلى محاربة الأعداء، وتسعى إلى الانتشار عن طريق التبشير أو الحروب، وأنها تنظر إلى العالم نظرة ثنائية، وما إلى ذلك.
لا يقف الكاتب عند حد توصيف إشكالية الإرهاب في الإسلام المعاصر، وإنما يحاول البحث في الأسباب المؤدية إليه، حتى يتمكن من استيعاب هذه الظاهرة الطارئة وفهم ملابساتها الخفية والمعلنة، وقد حدد ست طرائق مختلفة يمكن أن نتعاطى بها لظاهرة الإرهاب عامة، وأحداث 11 سبتمبر خاصة، وهي طرائق استمدها من مختلف التفسيرات والطروح، وهي كالآتي:
1. الإرهابيون مرضى نفسيا، لا يمكن تصور ما قاموا به، فهو خارج المنطق، ولا معقول!
2. الإرهابيون مجسدون للشر، ولا يمكن تفسير سلوكهم إلا بأنه بغض شيطاني.
3. إيديولوجيا الإرهاب، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية عدوة الله والإسلام، فهي تستحق أن تخرب!
4. هذه العملية الإرهابية أظهرت أن الإسلام دين السيف، وأن الإسلام سبب الشر.
5. ذنب أمريكا، التي تتسلط على العالم الإسلامي، وتساعد إسرائيل على اضطهاد الفلسطينيين.
6. عداء أمريكا آت من حسد المسلمين لها على رفاهيتها وحريتها التي يفتقدونها في بلدانهم.
إن التفسيرات الذي أثبتها الكاتب، تنطوي على جانب معين من المصداقية، غير أنها كلها لا تقدم المصداقية الكافية لحل إشكالية الإرهاب المستشري في سائر أطراف الكرة الأرضية، حيثما وجدت المصالح الغربية عامة، والأمريكية خاصة، لماذا لم يتساءل الكاتب ولو للحظة؛ لماذا لا يستهدف الإرهاب إلا المصالح الأمريكية ومصالح كل من يدور في فلك السياسة الأمريكية؟ لماذا لم يستهدف الإرهاب المصالح الصينية مثلا، علما بأن الصين أصبحت تمثل اليوم أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وثقافية؟! إن الإرهاب ليس مرضا نفسيا، ولا تجسيدا للشر، ولا إيديولوجيا عشوائية، ولا نشرا للإسلام بالسيف، ولا حسدا لأمريكا، ولا غير ذلك. وإنما رد فعل على إرهاب أكبر منه، إرهاب يتأسس على ثقافة الظلم والاحتقار والاستعلاء والاستعمار، حيث أنه لو بقيت أمريكا في حدودها، منشغلة بقضاياها الداخلية، لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة؛ إن الإرهاب الحقيقي هو الذي بدأته أمريكا، التي باركت المشروع الصهيوني، والبادئ أظلم! فكان من الطبيعي أن ينشأ رد فعل أعنف منه، وهو ما يطلق عليه في الأدبيات الغربية بالإرهاب الإسلامي، غير أنه في الحقيقة ما هو إلا شكل من أشكال المقاومة، التي تمارسها كل المخلوقات عندما تكون مهددة من أي عدو خارجي، فما بالك والإنسان! لذلك فالكاتب جيمس أ. بيفيرلي يؤاخذ عليه أنه يتعامل مع المكون الإسرائيلي تعاملا عاديا، كأنه بريء براءة الذئب من قميص ابن يعقوب! وهو يدرك الأخطاء التاريخية القاتلة التي ارتكبتها الصهيونية في حق الفلسطينيين والعرب. لذلك فحل ما يدعونه الإرهاب الإسلامي لا يوجد في يد المسلمين، بقدر ما هو موجود في يد الجانب الصهيوني، وهو يدرك ذلك غير أنه يتمادى في غيه، مهووسا بقوته وجبروته!
4. فلسطين
وقد خصص الكاتب فصلا كاملا عنونه بـ (فلسطين)، غير أنه سلط فيه الضوء أكثر على إسرائيل، فكان من الأفضل لو أنه أطلق عليه (إسرائيل)، كما أنه حاول تقريب بعض الجوانب التاريخية والواقعية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، غير أنه يدرك من تناوله أنه يميل إلى الكفة الإسرائيلية، ليس بتبرير ما تمارسه من خروق واعتداءات، فهو يدين كلا الطرفين، وإنما بتبرير حقها في الوجود على أرض فلسطين، وهذا ما نستوعبه من خلال الملاحظات الآتية:
* يربط الحديث على الوجود الفلسطيني بمجيء أول موجة من المهاجرين اليهود إليها سنة 1882. ولم يول أهمية كافية لتاريخ فلسطين الممتد، فهو بذلك يحرق ماضي الشعب الفلسطيني الذي يتجذر في تلك الأرض كما تتجذر أشجار الزيتون!
* يتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما لو أن الفلسطينيين هم الذين تسببوا فيه تاريخيا، ويصعدونه واقعيا، ويغض الطرف عن تواطؤ الغرب الرأسمالي والاستعماري، عندما قدم فلسطين على طبق من ذهب للحركة الصهيونية.
* يرى أنه طوال حوالي 120 سنة ضيعت الكثير من فرص السلام ووضع حد لذلك الصراع، سواء من قبل اليهود أم من لدن العرب، لأن الجميع كانوا يسمعون إلى أصوات مغلوطة. لكن كيف للضحية أن تعقد السلام مع الجلاد، الذي سرق أرضها على مرأى من العالم.
* يظهر نوعا من الشفقة في معالجة قضية فلسطين، غير أنه يتحدث عن إسرائيل كما أنها هي صاحبة الحق! وأن الصواب معها! وأن من حقها أن تدافع عن وجودها وترابها وثقافتها.
* يشير إلى إرهاب الحركات الإسلامية الذي يستهدف إسرائيل، غير أنه لم يكترث بالإرهاب الإسرائيلي الغاشم، الذي يعتبره نوعا من الدفاع عن النفس ومواجهة الأعداء.
ثم لفهم أبعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكثر، يتطرق إلى أهم المواقف التي تحضر بقوة داخل هذا الصراع، وهي حسب تقديره أربعة مواقف:
1. موقف اليهود المتشددين: وهو أن تأسيس دولة إسرائيل حقيقة تاريخية ومعنوية، فبعد أن تشرد اليهود طوال قرون في العالم، وعانوا الويلات حيث تعرضوا للتهميش والإقصاء والمحارق، آن الأوان لأن يعودوا إلى أرضهم، ولهم كل الحق في ذلك. فكانت النتيجة أن أسسوا دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، ليرجعوا أول مرة منذ 2000 سنة إلى وطنهم الأصل.
2. موقف اليهود المعتدلين: الذين يرون أن قيام دولة إسرائيل مصدر للبهجة والسرور، وأنها معجزة إلهية، غير أنه لم تراع حقوق الفلسطينيين والعرب الذين كانوا يستقرون في هذه الأرض عندما عدنا إليها، وإنما هجرناهم من مساكنهم وقراهم، وخربنا بيوتهم، وقام جنودنا بتعذيبهم؛ إننا نحن أنفسنا نشكل أمة إرهابية في عيون الفلسطينيين.
3. موقف الفلسطينيين المتشددين: الذين يعتقدون أن فلسطين وطن أصلي للفلسطينيين والعرب منذ قرون طويلة، وقد استولت عليه الصهيونية بالقوة والسلب، إذ أنه عندما خرج المستعمر البريطاني من فلسطين سلمها للصهاينة، لذلك فمن الواجب علينا أن الجهاد من أجل استرداد أرضنا، وتنقيتها من وسخ اليهود، ولن نتوقف عن ذلك حتى ينسحب كل اليهود منها.
4. موقف الفلسطينيين المعتدلين: الذين يرون أنه عندما هاجر اليهود إلى فلسطين، كنا نستقر هناك، لذلك فلنا الحق في إقامة دولتنا، وهو الطريق الأنجع للاعتراف بإسرائيل، وعدم كراهية اليهود ومعاداتهم، والتنازل عن فكرة تنحية إسرائيل من الخريطة.
لعل القاريء سوف يتساءل؛ لماذا الحديث عن القضية الفلسطينية، ونحن بصدد دراسة صورة الإسلام في الفكر الغربي المعاصر؟ في الحقيقة، رغم أن فلسطين توجد خارج رقعة الغرب، غير أنها تحضر بكثافة في فكر وإعلام وسياسة وواقع الغرب، فالقضية الفلسطينية، كما نعتقد، هي الموجه الأساس لعلاقة الغرب بالإسلام، وهذا ما غاب عن المفكر المسيحي جيمس أ. بيفيرلي الذي تناول مجموعة من القضايا الإسلامية، مفصولة عن بعضها البعض، في حين أن ثمة تداخلا عميقا فيما بينها، وقد تنبه المفكر هانس كونغ، لأهمية القضية الفلسطينية في السياق العالمي الجديد، عندما استنكر صمت الغرب، وهو يردد: أنه لا يمكن السكوت عما تفعله إسرائيل في القضية الفلسطينية. ص 108
خلاصة القول:
إن هذه القراءة التي تندرج في نطاق الاقتراب من الصورة، التي ينسجها الفكر الغربي المعاصر حول الإسلام، انفتحت على صوت غير معروف، بما فيه الكفاية، في العالم الإسلامي، وهو المفكر الأمريكي جيمس أ. بيفيرلي، من خلال كتابه (دليل حول الإسلام)، الذي أسهم في حياكة رؤية عامة بشأن حقيقة الإسلام وأهم مكوناته، وهي رؤية ذات مقصدين؛ أولهما تقديم صورة مركزة وموضوعية حول الإسلام للغرب غير المسلم، الذي يجهل حقيقة هذا الدين التاريخية والواقعية، وهذا ما وعد به منذ البداية في مقدمة الكتاب، وثانيهما محاولة استيعاب مختلف الإشكالات التي يطرحها الإسلام في العالم المعاصر، فهل تمكن الكاتب من تحقيق هذين المقصدين؟ لعله من جهة أولى ساهم في التعريف بحقيقة الإسلام للغرب، وهو تعريف من شأنه أن يحفز الكثيرين على الاقتراب أكثر من هذا الدين، والثقافة التي يحملها المتدينون به، غير أنه من جهة أخرى كشف عن أن الكاتب لم يستطع التخلي عن أحكام القيمة التي تترسب في لا وعيه، حيث يضع المسلمين في سلة واحدة، فلا فرق بين المتشدد والمعتدل، ويتناول ظاهرة الإرهاب بالطريقة نفسها التي تطرحها المخابرات الأمريكية، ويتعامل مع إسرائيل كما أنها الضحية..!
____________________________________________________________
1. Wegwijzer over islam, James A Beverley, vertaler, Harold ten Cate, Elia stichting, 1e druk, september 2002/دليل حول الإسلام، جيمس أ بيفيرلي، ترجمة، هارولد تن كات، جمعية إليا، ط1/سبتمبر 2002
2. وللاطلاع أكثر على سيرة المفكر جيمس أ. بيفيرلي، يمكن زيارة موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية، وهو: http://www.jimbeverley.com
3. يتضمن الكتاب حوالي 130 صفحة من القطع الصغير، وهو يشبه كتاب الجيب، وقد صدر في سلسلة تحمل عنوان: سلسلة أدلة مصغرة حول الأديان.