في البداية أودّ أن أبدأ هذا التعليق بتعليق أصغر، و هو أني لا أكتب ما أكتب بهدف النقد أو التحليل أو أي أهداف أخرى، لأنني لا أفقه في شيء منها، إلا أني كـقارئة أثّر الكتاب بمخزونها الفكري و العاطفي أكتب.
"نسيان.كُم" هو الكتاب الذي نشر عن الروائية السيدة أحلام مستغانمي في عام 2009. في البداية عندما اقتنيت هذا الكتاب، فتحته بنهم العطشى إلى روايات الكاتبة لأنني من عشاق أسلوبها الروائي. لكن ماحدث عندما تصفحته للمرة الأولى هو إحباطي لملاحظتي عدم وجود قصّة في الكتاب، لكنني رغم ذلك عزمت على قراءته .
لم يستغرق الكتاب كثيراً من الوقت ليستحوذ على تفكيري، داخل المنزل بينما هو في يدي، و خارج المنزل بينما هو في عقلي. ربما أكثر ما علّقني به هو تطابق أفكاري و أقوالي في بعض الأحيان مع الكاتبة حيث تتسع ابتسامتي و أنا اقرأ تلك الجمل.
لقد كانت فكرة دليل النسيان التي راودت الكاتبة، ربما، من أفضل الأفكار التي خطرت على بال أدباء جيلنا المعاصر، لأن النسيان هو مشكلة المشاكل و علاجها هو حلّ لها. و كم وفّقت الكاتبة – من وجهة نظري – في استخلاص العبَر من أعقد القصص العاطفية لتهديها لقرائها أو بمعنى أصح لقارئاتها.
نحن نشهد للأدب أنك بلّغتِ.
أكثر ما أثار إعجابي هو مقدرة الكاتبة على لمس الحياة المعاصرة بتفاصيلها في حياة كل منا كـصانعي أدوية إنفلونزا الخنازير و إنفلونزا الماعز الذين اتهموا بأنهم صانعو الفايرس نفسه !! و لكن الفرق هنا يكمن بأن الكاتبة ليست هي من صنع الحب و لا الفراق و لا حاجات النسيان. لكنّها استطاعت مدّ يدها الى حياتنا: رأت آلامنا و خيباتنا واضحة جلية أمامها كمن يعرف مسبقاً مكامنها داخلنا، و أمدتنا بعلاج لكل داء. فمن الأغاني العاطفية الحزينة و الأكثر حزناً، إلى (المسجات)، إلى الأمل الكاذب، إلى أمنياتنا المحبَطة، فعالجتها بأكثر الكلام منطقية و واقعية. كم أحببت أسلوبها الساخر منّي، من طريقة تفكيري. تماماً كما شعرتِ أنتِ، و تماماً كما شعَرت أيّ (حواء) قرأت ذلك الكتاب حيث أنّ الكاتبة تعمدت رسم الابتسامات على طريقة المُضحك المُبكي و نجحت كل النجاح في ذلك.
كـفتاة في أوائل العشرينيات، زادني الكتاب (بصراحة) معرفة و خبرة بالرجال كانت تنقصني و بشدّة. كانت أفكار كثيرة منها تثير دهشتي أحيانا، و أحيانا أخرى تثير سخطي على ذلك المخلوق العجيب غير المفهوم ،فـسرّ صمته على سبيل المثال هو من أعقد الأسرار التي يمكن أن يكتشفها المرء طيلة حياته !! كم شعرت بالفخر و السعادة و أنا أكتشف تلك الأسرار واحدة تلو الأخرى، فقد أصبحت مزوّدة بـ (كتالوج) مفصّل يهيئني لدخول الحب و أنا مغمضة العينين!
أكثر الفقرات التي نالت إعجابي:
- تفوقي عليه حبّاً
ماخطر في بالي عند قراءة هذه الفقرة هو أن أقوم بتصويرها و توزيعها كـمنشورات على من أعرفهم من صاحبات خيبات الأمل العاطفية ذوات قصص الحب منتهية الصلاحية اللواتي يحرقن "الأخضر و اليابس" بعد كل فشل. الكاتبة دعت إلى الإرتقاء بالحب في مرحلة مابعد الحب، للوصول إلى درجة إحترام الأيام الخوالي بدلاً من النقمة و الندم عليها، من باب أن "الندم هو الخطأ الثاني الذي يرتكبه الإنسان" كما قالت الكاتبة الأديبة في وقتٍ سابق في إحدى روايات ثلاثيتها الشهيرة .
- وعزّة نفسي منعاني
قد لا تكون هذه الفقرة من (روشيتة) النسيان نفسها. و لكنني أدركت أنها عبارة عن وصفة وقائية. لإنصاف الحب و من نحب. قبل أن نعلن النسيان عليه، و تجاهلها يعدّ من الأخطاء الشائعة.
- من تنادين قد مات
تكلّمت هذه الفقرة عن علاج أحد أكثر الأمراض المستعصية، ألا و هو الصمت. ربما لم يكن علاجاً، لكنه بالتأكيد كان حلاً يحول دون تفشي المرض و تفشي ملحقاته في نفس الحبيبة المنتظرة لكلمة تخترقه و تلغيه.
و أما عن النصيحة التي وردت في الفقرة ذاتها. فهي ما كنت أنتظر مذ أن بدأت بقراءة الكتاب. فكم يفقد الحب (من وجهة نظري) طعمه عندما يصبح اختياراً، وما أحلى وقوعه عندما يكون قدراً مُنزلاً
- صلّي ففي سجود قلبك نسيانه
- اختبري بتقواه أخلاق قلبه
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" سبحان الله !!
لا أملك من تعليق سوى الانحناء إعجاباً للأديبة الكاتبة لأنها جمعت جوانب الحياة شتّى لتساعد من يحتاج في تلك المهمة الصعبة. و لعل هذه الوصفة كانت الأهم و الأبرز، لم تنسها الكاتبة فأبرزتها و تمكنت من إيصال رسالتها على أكمل وجه، فربما كان تأثيرها على البعض قد فاق تأثير (عمرو خالد) نفسه !!
- لا تصدقي الأساطير .. فمؤلفوها الرجال!
منذ فترة قصيرة، بينما أنا أسمع إحدى الأغنيات المعاصرة، كانت المطربة تقول (( ليلة اللي إلبسلك الأبيض .. وصير ملكك و الدني تشهد ))
كم استفزني تعبير (صير ملكك)! و كم استفزني بعدها أن أرى ان الأغنية قد أصبحت نشيداً قومياً لفتيات الوطن العربي أجمعين! فتخشع لها القلوب وتدمع لها العيون! فكل فتاة أصبحت تسعى و تطمح و تحلم أن (تصير ملكه) وعندها ستسخّر له، و لتقديم فروض الطاعة للملك المقدّس، لتلغي نفسها وتنصاع تحت رايته. فـمرحبا ثانية بحياة الجواري، و هنيئاً للشاعر الذي أشبع ما أشبع من مشاعر رجاليّة !
- نهاية أو قفلة الكتاب
طوال الوقت و أنا أقرأ كتاب نسيان.كم لم يكن في قلبي ما يؤلم. لست (والحمد لله) ممن أقبلن على الكتاب كـدواء. و لكن في نهاية الكتاب و على الرغم من عودة الحبيبين كـنهاية سعيدة ربما أفرحت البعض و أعادت الأمل للبعض الآخر. لكنها الفقرات الوحيدة التي أدمعت عيني فعلا.
كم كرهت في حواءخضوعها للحب الذي يغنيها عن أي شيء حولها، فتسعد به وحده، و تحزن له وحده، و تعيش له وحده.
لم أكره عودة الحبيبين، لكنني إمتعضت من تصرفات الصديقة، و عينيّ بكت على الكاتبة، و ربما على نفسي! لأن ماحصل في القصة المذكورة ماهو إلا حقيقة واقعة لابد من التسليم بها. حتى و إن كانت من خيال الكاتبة و لكنها لامست الكثير من الواقع مما يجعلني أجزم أنها و إن لم تكن حقيقية فهي ليست من فراغ.
تعب شهرين، و ربما أكثر، التعاطف و التآخي و محاولات العطاء لصديقة إحتاجت كل ذلك، ستصبح مجرد قصة طريفة ستتلوها لاحقاً على حبيبها العائد، عندما تنحيك عن الطبقة الممتازة إلى فئة كل الناس في الوقت الذي تصبح فيه كفة الميزان تحويك كما الكل، و الكفة الأخرى له وحده! ربما هي سنة الحياة.
أغرب ما راودني في نهاية الكتاب، هو سؤال جال في خاطري: هل فعلا ماذكر في الكتاب من قصص هو حقيقيّ؟ لا أدري لمَ السؤال، لكنني فعلا صدّقت كل ماذكر، عدا دقّة الهاتف الأخيرة! ربما هي (حلاوة روح) لا أكثر!
حبي للكاتبة ،و لما كتبَت، و إعجابي الشديد بها كـصديقة و أديبة و مفكّرة. جعلني أضع توقيعي على ميثاق الشرف الأنثوي الذي و بإذن الله سيرافقني في ذهني طوال تجارب حياتي
و في آخر ما كتبت أرجو من كل من قرأ. ألا تعتبروني متطفلة على فن النقد ولا على الأدب. لكنني كما ذكرت في البداية، أحببت أن أسرد ما شعرت به من أحساسيس و أفكار راودتني أثناء قراءة الكتاب.
كل الحب وجزيل الشكر لجماعة "حسن الإستماع" و تحياتي لكم.