"المباحث البلاغية عند الزمخشري من خلال تفسير الكشاف"[1] هو كتاب جديد يضاف إلى المكتبة اللغوية العربية، حاول فيه الكاتب "د. الشارف لطروش"[2] التنقيب عن الجهود البلاغية للزمخشري في تفسيره للقرآن الكريم من خلال كتابه الكشّاف.
يتطرّق الكاتب في البداية إلى حياة الزمخشري التي كان لها دور في صنع تلك الشخصية البارزة، و يركّز الباحث -هاهنا- على الحياة العلمية المزدهرة التي عاشتها بلاد خوارزم عموما، مما صنع مجموعة هائلة من العلماء الذين تركوا مؤلّفات في شتى ميادين الفكر و المعرفة، و في ذلك يقول: "و كان أهل خوارزم موضع إشادة الأدباء و المؤرخين، فقد أفرد الثعالبي أبو منصور النيسابوري (ت1038م)
بابا خاصّا في كتابه (يتيمة الدهر) لغُرر فضلاء خوارزم، و وصفهم المؤرخ المقدسي (ت بعد 966م) في مؤلّفه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) بأنّهم أهل علم و فقه و قرائح و أدب..."[3]
ينتقل الباحث بعد ذلك إلى الحديث عن التنوّع المعرفي للزمخشري، و لاسيما في مجال اللغويّات، فتحدّث عن جهوده النحوية التي تجلّت على وجه الخصوص في مؤلّفه "المفصّل في علم العربية" أو ما يسمى أيضا بالمفصّل في صنعة الإعراب أو المفصل في علم النحو، كما يشير إلى جهوده اللغوية أو المعجمية -إن صحّ التعبير- حين يتحدّث عن كتابه "أساس البلاغة"[4] الذي لا يزال إلى وقتنا
هذا واحدا من أفضل المعاجم العربية و أكثرها استعمالا إلى جانب "لسان العرب" لابن منظور، و "مقاييس اللغة" لابن فارس، و هنا يُبيّن الباحث منهج الزمخشري في تصنيف الوحدات المعجمية و كذا استعانته بالمجاز لإثراء مادة المعجم. ثم يتطرّق الباحث بإيجاز إلى الجهود البلاغية متحدّثا عن ريادة الزمخشري في تمييز مباحث البلاغة، أما عن الجهود الأدبية التي لا يعرفها عنه الكثير فيورد الكاتب مادّة ثرية من عناوين لكتبٍ و كذا بعض النصوص الشعرية التي تجعل المتلقي يقف حائرا أمام إمكانيات هذا النابغة الذي مدح الرسول صلى الله عليه و سلم، و جمع الأمثال في معجم يعجز الكمبيوتر في وقتنا هذا من ترتيبها بالطريقة التي ابتكرها صاحبها، كما كتب مقالات عديدة في شتى المواضيع[5]. بهذا يعرّج الباحث إلى الحديث عن إنجازاته في مجال العروض من خلال كتاب "القسطاس في علم العروض"، ثمّ في مجال التفسير الذي برع فيه.
هكذا يكون الكاتب قد وضع الأرضية الخصبة للبحث كي يأخذنا إلى صلب الموضوع، حين يوضّح دور كل مبحث من المباحث البلاغية في كشف معاني القرآن الكريم من خلال كتاب الكشاف، فيبد
أ بتبيان دور علم البيان في تفسير آي القرآن، و عن ذلك يقول: "و الحقيقة إنّ الزمخشري قد تطرّق في توجيهه البلاغي للآيات إلى كلّ مباحث البيان المعروفة و هي: المجاز (الاستعارة و التمثيل)، و التضمين و التشبيه، و المثل، و التمثيل، و الكناية، و التعريض، و لكنّه أضاف إليها الالتفات و هو من علوم المعاني عند الآخرين، بينما عدّ التعريض من علوم المعاني."[6]
و بعد التوسّع في كل مباحث البيان، ينتقل الباحث إلى فنون البديع في الكشّاف ليحصر كمّا هائلا منها مستشهدا بنصوص تفسيرية من المصدر، و من أمثلة ذلك حديثه عن الجناس: "و من التجانس اللغوي في القرآن ما جاء في قوله تعالى: «يَأَسَفِي عَلَى يُوسُفَ»[7] حيث أفاد اقتران الفاء بالسين و بتكرارهما الإيحاء بجرس حزين و إيقاع مؤثّر بيّنه الزمخشري قائلا ما نصّه: (أضاف الأسف و هو أشدّ الحزن و الحسرة إلى نفسه و (الألف) بدل من ياء الإضافة و التجانس بين لفظتي الأسف و يوسف مما يقع مطبوعا غير متعمّل فيملح و يبدع.)"[8].
أمّا عن المبحث الثالث فهو ما يتعلّق بعلم المعاني، و هنا يبيّن الباحث اختلاف مفهوم هذا المصطلح الذي أورده الزمخشري عن المفهوم المتداول بين علماء اللغة، لكنّ هذا الاختلاف لا يمسّ مسائل كثيرة ليُصبح تناقضا، و لهذا يُصنّف لنا الكاتب بعض الأنواع الواردة في الكشاف و في غيره (مشتركة مع بقية العلماء)، ثمّ يُصنّف أنواعا أخرى رآها الزمخشري لوحده من صلب علم المعاني.
_____________________________________________________________________________
[1] صدر هذا المؤلَّف عن دار أم الكتاب للنشر و التوزيع (الجزائر)، في طبعته الأولى (2010).
[2] الدكتور الشارف لطروش: أستاذ محاضر بجامعة عبد الحميد بن باديس (مستغانم/الجزائر).
[3] الشارف لطروش، المباحث البلاغية عند الزمخشري من خلال تفسير الكشاف، ص 5.
[4] راجع المرجع نفسه، ص 16...19.
[5] راجع المرجع نفسه، ص 21...26.
[6] المرجع نفسه ص 60.
[7] سورة يوسف الآية 84.
[8] انظر المرجع نفسه ص 87.