عن المؤلف:
د. إيمون باتلر مدير معهد آدم سميث، وحاصل على درجات جامعية في علم الاقتصاد والفلسفة وعلم النفس من جامعة سانت أندروز. عمل لحساب مجلس النواب في الولايات المتحدة، ودرَّس الفلسفة في كلية هيلزديل كولدج، بميشيجان، ثم عاد إلى المملكة المتحدة للمساعدة في إنشاء معهد آدم سميث في أواخر السبعينيات. وقد ألف كتبًا عن اقتصاديين أمثال ميلتون فريدمان، ولودفيج فون ميزس وإف إيه هايك، إضافة إلى كتب تمهيدية عن فون ميزس وآدم سميث لمعهد الشئون الاقتصادية. له إسهامات كثيرة في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع على غرار "أفضل كتاب عن السوق"، و"الحالة الفاسدة لبريطانيا"، و"البيان البديل" قدرًا كبيرًا من الأهمية. [1]
يرى باتلر أن المدرسة النمساوية هي "نهج لعلم الاقتصاد نشأ في فيينا في سبعينيات القرن التاسع عشر". وهي تنتقد بشدة الاتجاهات الاقتصادية السائدة حديثًا، لأنها تعتقد بأن كل الأحداث الاقتصادية تنبع من قيم الأفراد المعنيين واختياراتهم وظروفهم في وقت الاختيار. وتعتقد أن جمهور علماء الاقتصاد مخطئون عند محاولة البحث عن صلات إحصائية بين الظواهر الاقتصادية، إذ أن منهج هذه المدرسة مبني على الفرد والقيمة بما يوفر تفسيرًا أفضل للأحداث الاقتصادية؛ كفترات الانتعاش والكساد الاقتصاديين. ليست المدرسة النمساوية للاقتصاد مؤسسة تعليمية مقرها فيينا ومعنية باقتصاد النمسا ذاتها، بل هي منهج خاص في علم الاقتصاد ويعد أساسًا للاقتصاديين الذين يتبعونه في أرجاء العالم.[2]
الموجات الثلاث للمدرسة النمساوية في الاقتصاد:
ترجع أصول المدرسة النمساوية إلى جامعة فيينا؛ إذ بدأت مع نشر كتاب لكارل منجر، والذي نقد الأفكار الاقتصادية السائدة وقتها « مبادئ علم الاقتصاد في العالم المتحدث بالألمانية؛ ما يسمى بالمدرسة التاريخية»، بقيادة فيلهلم روشر. تبنت المدرسة التاريخية وجهة النظر القائلة إن علم الاقتصاد يشبه التاريخ؛ أي إنه يتعامل مع أحداث متفردة يستحيل أن تتكرر على النحو ذاته أبدًا. وعلى هذا كان من المستحيل إرساء رأى منجر أن الاقتصاديين يمكنهم الخروج بمبادئ تثبت صحتها في كل مكان وزمان، لكن الاقتصاديين الإنجليز كانوا مخطئين في البحث عن هذه الصلات بين إحصائيات التجارة والتبادل. وإن ما يحدث في عالم الاقتصاد هو أن ملايين الأفراد يقومون بالاختيار على نحو متواصل. وهذه الخيارات هي أساس الظواهر الاقتصادية كالعرض والطلب والسعر والسوق. ومن الحتمي أن تصير أساسًا لعلم الاقتصاد أيضًا.الفردانية - على الاقتصاديين البدء من مستوى الأفراد - وهو النهج المعروف باسم ومحاولة تفهم كيف يختارون. [3]
يمثل منجر وبوهم بافرك وفايزر (الموجة الأولى) للمدرسة النمساوية، أما (الموجة الثانية) فكانت بقيادة لودفيج فون ميزس وفريدريك هايك، اللذين تعاونا في الثلاثينيات الثانية في تفسير دورات الاقتصاد؛ فترات الانتعاش والكساد الدورية التي تبدو شكلاً مستديمًا للعالم التجاري. وقد أكدا بأن هذه الدورات تنبع من إدخال الائتمان المصرفي. فالاقتراض الرخيص يشجع رواد الأعمال على الاستثمار أكثر في عملية الإنتاج، ويشجع المستهلكين على شراء المزيد من البضائع من المتاجر، لكن عند زوال المحفزات الائتمانية تظهر الحقيقة. ويجد رواد الأعمال أنهم ينتجون من الأشياء غير المرغوبة أكثر مما هو ضروري، ويتعثر العمل، ويتحتم على الاستثمارات المفرطة في طموحها أن تزول. [4]
جاءت « الموجة الثالثة » من اقتصاديي المدرسة النمساوية من الولايات المتحدة بالأساس من جامعات مثل نيويورك وأوبورن وجورج ماسون. من أبرز النمساويين الذين شكلوا هذه الموجة كل من موراي روثبارد، الذي ألقى بمسئولية دورات الاقتصاد بكل وضوح على عاتق البنوك المركزية، وطور نقدًا ليبرتاريٍّا للدولة، ولورانسوايت الذي أوضح كيف أن الأعمال المصرفية تتم على نحو أفضل في غياب القواعد والضوابط الحكومية، وكيرزنر الذي تتبع الأهمية الحاسمة لريادة الأعمال في دفع التقدم الاقتصادي، إلا أن اقتصاديين بارزين كثيرين غيرهم، ومن بينهم عدد من الفائزين بجائزة نوبل في علم الاقتصاد، يعتنقون بعض أفكار المدرسة النمساوية ويدينون لها بالفضل. ومنهم هايك الحاصل على جائزة نوبل عام 1975 م.[5]
المبادئ الرئيسية للاقتصاد النمساوي:
ويلخص باتلر المبادئ الرئيسية للاقتصاد النمساوي بالمبادئ الآتية:
1- القيمة لا توجد في الأشياء، بل في عقول الأفراد الذين يقدرونها. توجه الأسواق السلع نحو أكثر استخداماتها قيمة. تحدث التجارة وتظهر الأسعار تحديدًا لأن الناس يقيِّمون الأشياء على نحو مختلف، الملكية الخاصة أمر ضروري لتحقيق أفضل النتائج.
2- القرارات الاقتصادية للظواهر الاقتصادية كافة هي قرارات شخصية في جوهرها وغير متوقعة.
3- التدخل الحكومي، وأخطاء السياسة الاقتصادية، كالتضخم، تعيق عملية السوق، بالغة التعقيد هذه ودائمًا تأتي بنتائج فاسدة. [6]
انتقادات المنهج النمساوي في الاقتصاد:
1- يزعم المنتقدون أيضًا أن النمساويين يسخرون من نماذجهم، التي هي في نهاية المطاف ليست إلا أفكارًا مجردة. وهم يصرون أيضًا على أن النمساويين يسارعون في إلقاء اللوم على التدخل الحكومي عند كل فشل، وأن السوق الحرة ينتج عنها مشكلة الاحتكار وغيرها من المشكلات.
2- يزعم بعض المنتقدين أن المنهج الفرداني المتشدد للمدرسة النمساوية محدود للغاية، وأن الأنماط الاجتماعية يمكن استخدامها لتفسير الجماعات البشرية والتنبؤ بها.
3- أغلب النقد يركز على المنهج الاستدلالي لميزس، الذي يعده جمهور الاقتصاديين غير علمي. [7]
[1] ورد التعريف بإيمون باتلر في آخر كتابه، ينظر: إيمون باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ترجمة محمد فتحي خضر، ط1، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2013 م، وللتوسع في دراسة فكر باتلر الاقتصادي، ينبغي العودة إلى مؤلفاته الأساسية، من ذلك على سبيل المثال:
Eamonn Butler, The Best Book on the Market: How to stop worrying and love the free economy (New Jersey: John Wiley & Sons, 2009); Eamonn Butler, Milton Friedman: A concise guide to the ideas and influence of the free-market economist (Hampshire: Harriman House, 2011).
[2] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 7.
[3] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 7.
[4] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 9.
[5] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 10.
[6] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 11.
[7] باتلر: "المدرسة النمساوية في الاقتصاد"، ص 83.