!قررتُ أن أصبحَ بلالًا
قراءة من منظورٍ خاص في كتاب: "شيفرة بلال"
هي رواية جاءت في ٣٧٥ صفحة، كتبها أحمد خيري العمري، ليُخبرك بأنّ تلك العبودية التي كانت في عصر (بلال الحبشي) لا زالت قائمة في عصرنا الحالي، عصر (بلال النيويوركي)!
أبدع أحمد العمري في وصف الأحداث بأسلوبٍ متسلسلٍ يجذب القارئ، محلّقًا به عبر مختلف العصور، متنقلًا ما بين عصر بلال الحبشي قبل ١٤٠٠ سنة، مرورًا بعصر "كونتا كنتي"، مستمرًّا إلى عصرنا الحالي، المتمثل في بلال النيويوركي، ولاتيشا، وأمجد، وسعيد، فبين الماضي والحاضر والمستقبل كانت حكاية "شيفرة بلال".
خصّص الكاتب لكلّ شخصيةٍ مساحتها الخاصة للتعبير عن نفسها، حيث تتمتع كلٍّ منها بفكرها، مخاوفها، إيمانها الناتج عن تجربةٍ ما خاضتها في حياتها، رسائلُ سرية منهم وإلينا دون وسيطٍ بيننا، لنعيش معهم تلك الأحداث لحظة بلحظة.
البداية كانت رسالةً مجهولة عبر بريدِ (أمجد)، تشيد عليه خطوته في كتابة سيناريو لفيلم بلال؛ بلال الحبشي، فيلم يلخص سيرته الذاتية، وكان المرسل بلال، طفلٌ أمريكي من أصولٍ عربية مسلمة؛ لكن لم يكن نصيبهم من الإسلام إلا اسمه فقط، حيث قادتهم ملهيات الحياة إلى عتبة الإلحاد والشك!
بلال لم يرَ أباه قط، وكان كلّ ما يعرفه عن أبيه هو أنه سبب تسميته فقط، لذا مُجرّد ما أن رأى إعلان الفيلم الترويجي لفيلم بلال؛ لم يفوّت فرصة مراسلة كاتب السيناريو وكأنه كان يبحث عن أيّ سببٍ يربطه بأبيه، وميض أملٍ لمعرفة سبب تسميته له، كما أنه كان مريضًا بالسرطان، مناعته ضعيفة جدًّا، وحياته مهددة بالخطر، من أجلِ ذلك لم يستطع انتظار عرض الفيلم في دور العرض مهابة أن لا يلحق مشاهدته.
مِن هنا بدا الصراع الذي يعانيه أمجد واضحًا وجليًّا، صراعٌ بين الشكّ واليقين، بين وهم الإلحاد وحقيقة الإيمان في قلبه، أراد أن يكون حياديًا في الطرح، لكنه خشي أن يلعب دور المنافق؛ بحيث أنه كان معجبًا بقوة شخصية بلال الحبشي -رغم أنه لا يؤمن بدينه ولا يدرك سبب إصراره على الإيمان-، فخشي أن يعتبره بلال النيويوركي مؤمنًا أو يعتقد الملحدين بانه مسلمًا بحياء؛ كما كانت تصفه صديقته كريستين.
أما في صفحات بلال التي مُلِئت بالقوة واليقين فكان بلال الحبشي يتحدث عن نفسه، يبرّر حقيقة تصرفاته، حيث أنه كان عبدًا ضعيفًا فاستقوى بالله، حتى أعزه الله، فانتقل مِن حالة الضعف من تحت الصخرة القاسية على الأرض الرمضاء إلى أن صعد قمة الكعبة عزيزًا ليكون أول من يصدح بالأذان بصوته الندي -كما وصفه صلى الله عليه وسلم-، فبين مشهدي الضعف والقوة؛ كانت (أحد أحد) التي رددها بلال سببًا لتغير حاله، إنه الانتماء لفكرة، الانتماء للإيمان.
من بلال الحبشي، استقوى بلال الصغير، فاستقوت أمه ثمّ أمجد، كلٌّ من هذه الشخصيات خاضت الحياة بطريقةٍ ما، واجهت الظروف بمشاعرٍ مختلفة، والقاسم المشترك بينهم هو أمية –كناية عن الضعف-، فبعد قصة بلال الحبشي، كلٌّ منهم واجه ضعفه، واجه أميّته، وردّد: "لا نجوت إن نجا، لا نجوت إن نجا"، حتى نجوا جميعًا آخذين بقلبك (أنت) أن تنجو معهم، يقول أحمد العمري: "الحرية ليست كل شيء، فهناك مستويات مختلفة من العبودية، وبطريقةٍ ما فإن الضعف كان مستوى من مستويات العبودية".
وفي المقابل نحن، كل منا يعاني ضعفًا ما، أُمَيّة ينمو في داخله دون أن يشعر، قد يتمثل في خوفٍ من أمرٍ مستقبليّ، قد يكون أمرًا مُعلّقًا في الماضي، أو صفةٍ لا تحبّها فيك، حدّد أمية الخاص بك، واجهه مردّدًا: "لا نجوت إن نجا".
وما أن تنتهي من التهام الكلمات وخوض التجربة مع أبطال الرواية إلا وتجدك تلوح بيدك لبلال الحبشي، أنك قد فهمت الرسالة، وعلى جانبيك كونتا كنتي، وبلال الصغير، ولاتيشا، وأمجد بأنك ستحذو حذوهم لتنال النصر معهم.
نقطة ختام:
عن "بلالي" و"بلالك"..
عن (أمَيّة) الذي في داخلي ومثله في داخلك..
كانت هذه الرواية، لتبقى "لا نجوت إن نجا" شيفرتك التي تتجاوز بها كلّ عثرة في حياتك!