يعد الإمام الشيخ محمد رشيد رضا (1354هـ) من أبرز أعلام التجديد الإسلامي في العصر الحديث، ومن رواد مدرسة الإصلاح في هذا العصر. ويمثل كتاب "الوحي المحمدي" واحداً من أهم الكتب التي ألفها الشيخ محمد رشيد رضا. ويتضمن الكتاب العديد من الأبحاث والفصول المهمة، فهو يتحدث فيه عن تقدم الإنسان المادي، وانتكاسته الأخلاقية مما يجعله في حاجة ماسة إلى الدين، ويعالج إشكالية عدم الفهم الدقيق للقرآن الحكيم، فيبين أن من الأسباب التي تعوق عن فهم القرآن، الجهل ببلاغة القرآن، وقصور الترجمات الأجنبية القرآن وضعفها، وأسلوب القرآن المخالف لجميع أساليب الكلام، لذلك فإن تأليفه لكتاب (الوحي المحمدي) يهدف إلى معالجة العديد من الإشكالات ومنها هذه الإشكالية. [1]
يوجه الإمام الشيخ محمد رشيد رضا دعوة عامة إلى الناس إلى الإسلام عامة وأهل الكتاب خاصة، ويعمل أولاً على تبيان معنى الوحي والنبوة والرسالة، وحاجة البشر إليها وأصولها، وعدم إغناء العقل والعلم الكسبي عنها، فعرف الوحي لغة وشرعاً، ويبين الفرق بينه وبين الرسول، ويؤكد على حاجة البشر إلى الرسالة وأصول أديان الرسل الأساسية، وعصمة الأنبياء، وأن العقل والعلم البشرى لا يغنيان عن هداية الرسل. كما يرد على الشبه في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فيذكر أن من دلائل نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم العقلية العلمية وسائر آياته الكونية، وثوب نبوة النبي محمد بنفسها وإثباتها لغيرها، كما يرد على شبه منكري عالم الغيب على الوحي الإلهي وتصويرهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما يسمونه الوحي النفسي. لذلك يتجه الشيخ محمد رشيد رضا إلى بيان إعجاز القرآن بأسلوبه وبلاغته، وتأثيره، والتغير الهائل الذي أحدثه القرآن في الأمة العربية فسائر الأمم، والتغير الإيجابي الهائل في أنفس المؤمنين، ويتضمن كتاب (الوحي المحمدي) للشيخ محمد رشيد رضا فصولاً أخرى منها في مقاصد القرآن في تربية نوع الإنسان وحكمة ما فيه من التكرار في الهداية وإعجازه بالبيان.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا عن تأثير القرآن الحكيم الهائل في حياة البشر: " هدم القرآن معاقل هذه الوثنية وحصونها المشيدة في الأفكار والقلوب، وما كان ليتم هذا بإقامة برهان عقلي أو عدة براهين على توحيد الله عزّ وجلّ؛ بل لا بد فيه من دحض الشبهات، وتفصيل الحجج العقلية والعلمية والمواعظ الخطابية بالعبارات المختلفة وضرب الأمثال. لذلك كان أكثر المسائل تكراراً في القرآن مسألة توحيد الله عزّ وجلّ في ألوهيته بعبادته وحده، واعتقاد أنّ كلّ ما سواه من الموجودات سواء في كونهم ملكا وعبيدا له، لا يملكون من دونه نفعاً ولا ضراً لأحد، ولا لأنفسهم إلا فيما سخره من الأسباب المشتركة بين الخلق. وأمّا تكرار توحيد الربوبية، وهو انفراده تعالى بالخلق والتقدير والتدبير والتشريع الديني فليس لإقناع المعطلين والمشركين بربوبيته تعالى فقط. بل أكثره لإقامة الحجة به على بطلان شرك العبادة بدعاء غير الله تعالى لأجل التقرب إليه بأولئك الأولياء وابتغاء شفاعتهم عنده". [2]
[1] الوحي المحمدي المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005 م.
[2] الشيخ محمد رشيد رضا: "الوحي المحمدي"، ص 122.