صدر الكتاب السابع من سلسل كتاب الرابطة عن رابطة الادباء فى الكويت, بعنوان "المغيب و المجسد", وهو دراسة نقدية بقلم الناقد "د.مصطفى الضبع" حول قصص د.سليمان الشطى.
يقول الناقد بداية:"فى أدبنا العربى كثير من النصوص ذات الخصوصية والتى لا تقبل الا أن تفتح بمفاتيحها هى لا بمفاتيح خارجة عنها, من هنا جاءت هذه هذه الدراسة الخاصة بمشروع كاتب واحد, وكانت أعمال د.الشطى" .
حول "العنوان"وهى ما يسميه النقد الحديث بعتبات النص, وهى مجموعة العناصر التى تعد بمثابة مداخل تسبق المتن النصى, ولا يكون له دلالة مكتملة الا بها ..منها عنوان النص, اللوحة التشكيلية , اسم المؤلف.وكلها عناصر ممهدة لدخول النص. من العناوين التى كتبها "الشطى": "الصوت الخافت","رجل من الرف الآخر","أنا...الآخر". يعتمد الكاتب على بنية بسيطة فى انتاج العنوان, وهى بنيى مزدوجة, كما لم يكن عنوان المجموعة بعنوان آخر دال وليس من عناوين القصص الداخلية. البساطة لا تنفى العمق الفنى داخل العمل أو فى العنوان.
ففى"الصوت الخافت"..لفظان,اللفظ الثانى صفة للاول, وهو هنوان نص تتزاحم فيه الأصوات المتصادمة. الا أن الصوت الخافت بعد قراءة النص يتحول من المجهول الى المعلوم, وهو صوت الكاتب.
وهناك العنوان ذات البنية المجزأة المتصلة الدلالة, وهنا يمكن تقسيم النصوص فى عنوانها الى مراحل ثلاثة, تمثل كل مجموعة مرحلة منها:
المرحلة الاولى..فيها يهتم الكاتب أن يكون العنوان مكتفيا بذاته, واسئلة العنوان نابعة من خارجه, وهى العناوين المعرفة مثل (الدفة, الشىء الجديد...)
المرحلة الثانية.. وفيها يتخلص الكاتب من ادوات التعريف..(صوت الليل...)
المرحلة الثالثة ..وفيها يصبح العنوان مختزلا و مكثفا, مع الاستفادة بتقنيات الكتابة,كما فى "أنا ..والآخر"
عموما العتبات ,اما أساسية (اسم المؤلف, عنوان النص, الغلاف), واما عتبات ثانوية (الاهداء, عبارة التصدير, النبذة, سنة النشر , تاريخ ومكان الكتابة)
وعند "الشطى", بدأت باللوحات التشكيلية, ولوح بداخل الكتاب..ثم اختفاء اللوح, ثم استخدام لونين "الابيض و الأسود" فقط وجاء تعبيرا عن المجموعة "أنا..والآخر" أفضل تعبير.
أما الاهداء, ان كان الشطى لا يعتمد على العتبات الثانوية كثيرا, كذلك كان الاهداء الذى كان "للام" صاحبة أول حكاية .قال:"الى روح أمى, التى من حياتها, علمتنى معنى الحب,وفى رحلتها عودتنى على الصبر".
تحت عنوان " بلاغة النص" عرض الناقد لجملة أفكار تستحق الرصد وقد طبقها على أعمال "الشطى"..حيث بدأ بالسؤال:هل للسرد بوصفه نوعا أدبيا أن ينازع الشعر علاقته بالبلاغة؟
فقد رسخ فى الأذهان أن البلاغة قرينة الشعر,و أن البلاغة العربية القديمة انتهت ليحل محلها بلاغة جديدة. وهو الامر الذى رفضه الناقد مؤكدا أن التراث السردى يستحق هذا الاهتمام البلاغى, وأن البلاغة الجديدة لا تلغى القديمة مثلها مثل العلم الجديد لا يلغى القديم.
لذا بدأ فى تطبيق قناعته على القصص القصيرة للشطى.. واضعا فى الاعتبار الوعى بالخصائص الفنية المميزة لجنس القصة , مع البعد عن وضع وضع البلاغة بالمعنى التقليدى مقياسا لجودة العمل..ثم طبق فكرته على قصة "خدر فى مساحة وهمية". وقد خلص بعد تحليل القصة الى أن صاحبها يوصف بالشجاعة الفنية , ذلك حسب المعنى الذى قال به "رولك ماى" فى قوله: " بينما كانت الشجاعة الأدبية هى تقويم الأخطاء, كانت الشجاعة الخلاقة –على العكس من ذلك- هى اكتشاف أشكال جديدة و رموز جديدة و نماذج جديدة يمكن أن يشيد عليها المجتمع الجديد".
تحت عنوان "فاعلية المكان" أضاف الناقد الاشارات الى تلك الدراسات التى اهتمت بتوصيف "المكان" فى القص. وطبق مقولاته على قصة "بقعة زيت"و فيها نجد مكانين. الأول مكتن الحكى, ومكان الحكايةززالأول يشير الى موقع صاحب أوبطل القصة و الثانى هو ذلك المكان المتخيل الذى ينفرد به النص, لانه وان تشابه مع المكان الواقعىلا يماثله. السبب فى ذلك أن أماكن عديدة خلقها النص: "فضاء نصى" وهو خاص بالصفحة المقرؤة, مكان التقاء القارىء بالكاتب., "مكان الشيخ أو مكان القصة", ثم "مكان حكاية الشيخ" وهو المكان الممتد بامتداد الحكاية.
وقد توقف الناقد عند نهايات قصص "الشطى" , وخلص الى أنه حدد نهايات القصص فى ثلاثة أشكال:
- نهايات امتدادية, حيث يمتد أثر النص المضىء ويظل الباب مفتوحا , غير قادر على مغادرة النص .
- نهايات ارتدادية, وهى النهاية التى تدفع للعودة الى التفاصيل.
- نهايات انغلاقية , وفيها يخرج المتلقى دون أثر أحدثه النص .
وغلبت النهايات الاولى و الثانية على قصص الشطى .
"التحليل النصى" ..هو الفصل الثالث والأخير من الكتاب. فيقدم الناقد قصة"جسد" على اعتبار أنها نصا يختزل الكثير من سمات القاص, وتجتمع عندها الكثير من الأسئلة التى تلح على القاص و الناقد معا.
أسئلة "العنوان"/ "أسئلة النص" ..يقوم النص على تداخل بنيتين, هما (جسد – الأم). فالجسد قبل قراءة النص هو عنوان نكره, ويحيل العنوان بالتالى الى "الحاضروالغائب" . بعد قراءة النص لا يتوقف الأمر عند كون الجسد علامة على الأم و انما تحرك دلالة الأم نفسها يعد محركا بدوره لدلالة الجسد.
عموما عمد الراوى الى جسد النص باثا فيه صفات تجعله جسدا خاصا ذا ملامح لا توجد خارجهاو جسد ذو طبيعة خاصة. "النكره" الذى يشير الى "الغائب" ..نوعان: غائب مشار اليه صراحة, وغائب تفرضه القوة التأويلية. الأول ذلك الغائب الذى يستخدم المؤلف العلامات الخطية فى الاشارة اليه..وهى النقطتان وعلامة التعجب (جسد ..!), النقطتان يمكن أن يقال مكانهما"الجسد المتألم أو الصبور أ, أى صفة آخرى. والثانى هو الغائب الذى تفرضه القوة التأويلية تجعل من الجسد النصى مؤديا الى أجساد خارج النص. وقد جعله القاص جسدا خاصا .
و هناك "أسئلة المروى عنها"فالجسد يحكى تاريخ الأم تلك التى تتعدد دلالاتها اعتمادا على مجازيتها وتعدد أبعادها..فلا يتوقف الراوى عن أبعاد الشخصية الانسانية الثلاثة:الجسمانى, الاجتماعى, النفسى.
ان الملامح التى يبثها النص لجسد الأم تجعل منها شخصية متعددة الوظائف فى سياق النص ..ذلك من خلال صورتين أساسيتين: الحادثة سبب فى اصابة الشخصية..يقول:"نلمح أسنانا بيضاء لاتزال قوية ثابته لا يشوب منظرها شائبة, لولا الثلاث التى انكسرت أطارفها فتشرشرب بفعل خادثة قديمة".ألاصابة اذن علامة على الحكاية ومثير لها.
ثم هناك قرائن التأويل, هناك الأم بالمعنى المعروف للفظ, المعنى.. والأم بالمعنى الانثوى أى بوصفها أنثى فى مجتمع شرقى.
أما مشهدية النص, فيؤكد الناقد أن قصة "جسد" تجاوزت القصة التقليدية التى كتبها "الشطى" من قبل , بحيث أصبحت القصة كلها لحظة تنوير, بعيدا عن السرد التقليدى .. بل غلبة المشهدية, فاتاحت تقنية المشهد: سهولة الحركة بين الماضى و الحاضر, تعدد الأحداث مع ربط معظمها بحالات يضمها الزمن الماضىمما جعل النص على مستوى الكتابة و الفضاء النصى مكثفا, كذلك تعدد المركزيات , ونعنى بها التقاط المركزية فى سياق المشاهد المتعددة.
كما تتيح تقنية المشهد تعدد الأستهلالات اذ يغدو لكل مشهد استهلاله الخاص..كلها اسمية و تستخدم لصالح الزمن الممتد لأحداث النص.
كما أورد الناقد نص قصة"جسد" بالكامل فى آخر الكتاب النقدى المتميز, حول تجربة لها خصوصيتها على المستوى الوطنى و القومى فى الأدب العربى.