كلما طالعت أشعار محمد الطوبي أجد نفسي أنام على إيقاع ميلاد الكلمة الصادقة القوّية في بيئة تنتن برائحتها الأجواء.
بكل هدوء كانت تولد كلمات محمد الطوبي لتحدث ضجيج الأدباء، لاسيما تلك الكلمات من قبيل حجاج بغداد الأخير التي حملت في طياتها استبصاراً مجرى الأحداث في وقت لم يكن يرى أغلبنا إلا مظاهرها وتمظهراتها، وهذا ما أكدته الأحداث بجلاء أخجل بعض الذين ثاروا في وجه محمد الطوبي لأنهم كانوا رابضين على سواتر مدججة بأسلحة اللاوعي والمرصوفة بغياب بعد النظر. عندما أتمعن فيما جرى في فجر تسعينات القرن الماضي عندما نشر محمد الطوبي "حجاج بغداد الأخير" أتصور هؤلاء كمن خرجوا من واقع كانوا يظنوه هو القائم إلى حلم، بل كابوس.
وبدت لي الصورة في أبرز تجلياتها: من زمروا وطبلوا وغيطوا كان بعد نظرهم أقصر من أن أنوفهم، أن محمد الطوبي الذي صمت كان على صواب...
أتذكر الأصوات المبحوحة التي تجتهد اجتهاداً في تسطير ما أسموه بوقاحة محمد الطوبي، دون أن يعيروا أي اهتمام إلى المخاضات التي كانت حبلى بالمفاجآت هؤلاء صدموا بوقاحة بعد نظر محمد الطوبي وقوّة استبصاره.
وأبى الزمان إلا أن يوضح، وبكل جلاء، بين السمو والانحدار الفكري، ما بين بعد النظر وقصره، مابين مغاربة فهم مسار تطور الواقع والتزييف، ما بين التحرر الفكري الفاعل والثقافات المحصورة في قوالب تجعل المرء يفكر بشكل مقلوب اعتباراً للأكاذيب التي غرست في ألبابنا.
هل كان ذلك نفاق ثقافي أم مجرد نتيجة قصر الرؤية؟ أم كان- كما قال أحد الشعراء- نوع من أنواع الزنا الفكري والمبدئي...
لكن الزمان عنيد وعنيد جداً عندما انكشفت الأمور اعتمد هؤلاء صمتا رهيبا، حتى بعدما ذهب الراحل بلا عودة. إلا أن صمته كان تألقاً وصمتهم كان إعلانا عن الإفلاس.
انتصرت يا طوبي بصمتك وانهزموا رغم ضجيجهم.
وقد صدق من قال: حين يصبح الزمن رديئاً، لا تزداد فيه رداءة الأشياء فحسب، ولكن تختلط فيه كل الأشياء ليصبح التمييز بن الغث والسمين ضربا من المستحيل، وحين يصبح الموقف غير محسوب على صاحبه، تكون القيم قد وصلت إلى مفترق الطرق يصعب عندها التفكير في أي الاتجاهات ستكون الخطوة التالية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية