في غضون حرب 1914، أصبحَ مقْعَداً وبنفس الوقت واحداً من أكبر شعراء تلك الفترة...
" كراكسونّ " ــ منطقة في الجنوب الفرنسي ــ حيث غرفة الشاعر جويْ بووسكيه المنعزلة عن العالم الخارجي،
والتي كانت لمدةٍ تقارب الثلاثين عاماً مكاناً عظيماً للتفكير والتأمل.. كان من المفتَرضِ أن يُعرَفَ خارج هذا النطاق الضيق
لكنه بقي ذاك الشاعر المتحفِّظ.. نشر كتاباً هاماً بعنوان " ما يقوله الصمت" عام 1936؛
والشعرُ نادراً ما يحملُ الدقة في ترجمة الصمت الداخلي بالإضافة إلى أنه قد يُثبِّط النقد لصعوبة ترجمة هذا الصمت بمصداقيةٍ
عجائبية... وهذا نسق جميع الحالات الروحانية الأكثر ثباتاً وقوةً في المآسي والسلام الداخلي..
هذا النسق قد تشكَّلَ من زخارفَ فعلية ، منها انبثقَ كلٌّ من الصفاء والتناغم الموسيقي..
وبقي جويْ مخلصاً لبلده ( المانويّ) ــ بلد الأتقياء الأنقياء ــ
وكان معاصراً ومنطوٍ على مغالطاتٍ تاريخية بنفس الوقت..
حاضراً في العالم، غائباً في نفسه، ورسولاً لايحاءات ذاك الصمت..
من أعماله.. " التعرف إلى المساء" 1947،
" الجوهريات" 1955،
" الطريق إلى القمر" 1946،
" العفونة ..ضوءٌ يتعذّرُ ولوجه" 1964..
وهذا الشاهد هو بمثابة مغامرةٍ استثنائية بالنسبة لنا..
( السنونو الأبيض)
لم يكن الليلُ قد حلَّ بعد، لكنها العتمة تتسكَّعُ حول الظلام..
أعرفُ ظلماتٍ لا حدود لها تماماً كمعرفتي جميع الأشكالِ التي تنشرُ الضوءَ هناك..
وتُسمَّى ( الحدس) أو ربما فجر الرؤيا..
تلك الظلماتُ في دواخلنا، عتمةٌ مفترسةٌ اعتدناها،
هاهي الثلوج القطبية تقتربُ مني أكثر من اقتراب هذا الجحيم العفِن حيث لاهواء..
إن كل سبرٍ أو استقصاءٍ غير قادر على قياس حجم كثافة تلك العتمة..
فكلٌّ من جسدي وشعوري في مكان أجهله.. والعين والرؤيا والصوت والسمع..
لم يكن أحد منهم هنا ..
10 ــ هاهو النهارُ!..
عبثاً؛
نظراتكَ تلتفتُ حولكَ
بحثاً عن العينيْن..
ثمة مرآة مزدوجة
تطلُّ على مكانٍ آخر،
حيث النجم الأكثر ارتفاعاً
في صوتكَ
قد أفُل...
وعلى جسدٍ يتلامع
تحت ضوءِ المد والجزر،
نسيَ النهارُ ثلوجَ القطبِ
وبلَّلَ بأهدابكَ الطويلة
نجمةً قزحيةً
أغواها،
فاجتذبها إلى عروق الحنطة...
20ــ هي الأيامُ!..
ورائحتها تغفو
تحت جنباتكَ الوردية..
ترنو إليها
دون أن تشاهدَ نفسكَ...
ها جناحها الحريريُّ
يلفُّ الأرضَ
في ليلةٍ شاهقةِ الأسوار
لكن...
لا اختلاف...
فتلك الليالي
من ذاك المساء!..
إنها العتمة...
تخبِّىءُ الغيابَ المتأرِّجَ..
وعلى يديكَ
تُضيِّعُ النهارَ الذي
صاغَ رؤاك...
وكما البياضُ الفاني
في أعماق الزنبقِ..
تتلفُ بمرورالليالي
سمواتٍ وفضاءات...
هاقد حلَّ السوادُ بداخلي، لكن ليس بكثافة تكفي لتغطية النهار هناك...
وهذه الليلة:
يُقالُ إنها اليوم قد شكَّلتِ الرؤيا التي جعلتني أسيراً لها، ألوانٌ تميل إلى الزرقةِ
أشاهدها بحدسي، وأخرى حمراء يشعلها دمي، وسوداء يراها قلبي...
يا ليلة السماء!..
أيها الظلُّ المسكينُ الأسيرُ.. يا ليلاً لأهدابي!..
30 ــ قليلٌ من الرماد
كان قد صاغ باقة
من الجفون التي
ليست من ذاك الرماد،
وهذا العالم المندثِر...
فحينما
حمل النائم الأرضَ بقبضتيْه
لم يكن قد ابتدأَ بعد
لا الحب...
ولا الليل....
من مجموعة " روح الكلمة"
الناشر " دار غاليمار"