ملخص المسرحية:

يمينة مسرحية أعد أطوارها كل من جمال مرير وسمير رايس،وهي عمل فني استوحاه أصحابه من" كتاب النساء"لعز الدين المدني،قام بإخراج فصولها،محمد آدار،وساعده في ذلك بوعبد الله سعيد،ومثل الأدوار أو بالأحرى الدورين،الثنائي: مليكة يوسف الغنية عن  التعريف،حيث مثلت دور الأم المسماة "الشادلية"،والفنانة وهيبة عدنان في دور الكنة "يمينة"،زوجة الابن "عمر الأستاذ الجامعي" الحائز على شهادة الدكتوراه،والذي مثل دوره، محمد آدار من خلال التدخل الصوتي فقط دون الظهور على الركح.

تعالج المسرحية قضية على  قدر من الأهمية،تتمثل في صراع الأفكار والسلوكات.

بين الأجيال في الأسرة الواحدة، إذ يتمسك جيل الآباء بعادات وتقاليد قديمة بالية،هي أقرب ما يكون إلى الأعراف العتيقة المتوارثة عن الأسلاف، منها إلى الدين والمنطق والعقل، وذلك لغياب الأساليب التربوية الحكيمة،والتعليم الذي هو بمثابة الغذاء للعقول، في ظل حقبة عانى خلالها الوطن -كغيره من البلدان العربية- من نير الاستدمار، الذي طال تواجده بالجزائر أكثر من غيرها،وكان لذلك أثره السلبي على المجتمع الجزائري برمته،والشادلية أم الدكتور عمر من هذا الجيل الذي عانى مرارة الجهل،وتنازعته الأهواء وأظلمت أمامه الدروب، في حين نجد في جيل الأبناء من الرعيل الأول من تمتع بتعليم جيد ، نال به أعلى المراتب والمناصب في مؤسسات الدولة، لكنه ظل يعاني من عقدة الولاء للآباء، ولا يردّ لهم رأيا أو يخالف لهم أمرا ،حتى ولو كانوا على خطإ عند الأبناء عليه برهان، اعتقادا منهم أن في ذلك طاعة وحفظ للحياء، حيث أن طاعة الوالدين من طاعة الله، أو أن المجتمع سائر على ذلك المنوال فكيف لهذا الجيل أن يخرق قواعد متعارف عليها،ويهتك ما ظل الآباء يبنونه منذ دهور، مما شكل أكبر الطابوهات التي يصعب التحدث حولها أو مناقشتها،ولكن مع انفتاح البلاد على التعريب من خلال البرامج الدراسية والوسائل السمعية البصرية، استطاعت أن تتخط أكبر المصاعب على مستوى اللغة،وكان لها أن تنشئ جيلا جديدا يحسن ممارسة اللغة القومية حديثا وقراءة وكتابة، بفضل التأطير العربي من قبل الإخوة المشارقة (مصريون وسوريون وعراقيون) على مستوى المدارس والثانويات، وكذا الدور الذي لعبته السينما المصرية في سائر الأقطار العربية وذلك من خلال ما روجت له من تحرر لدى المرأة، ومن تكسير للكثير من الطابوهات، لا سيما تلك التي تتعلق بالعلاقات العاطفية والرومانسية،وكل ما من شأنه يعطي للمرأة كلمتها سواء بسواء مع الرجل، وقد كان لذلك سهمه الكبير في إبراز دور المرأة وخروجها إلى كل الميادين حتى السياسية والجمعوية منها،و"يمينة" بطلة المسرحية من هذا الجيل الأخير،تشبعت من مثله،وشربت من معينه،واكتسبت ثقافتها من مؤسساته وبأدواته،درست وتعلمت إلى أن صارت "مدرّسةً" بإحدى المدارس الجزائري تعلم الأطفال،وتحلم بمستقبل واعد، وكما هو معلوم حلم الفتاة لا يكتمل إلا بإيجاد فارس أحلامها، إذ لا ترى في العمل غالبا سوى مؤهلا من المؤهلات التي تسهل عليها الضفر بالزوج، لتجعل منه وسيلة أكثر منه غاية، وقد كانت "يمينة"على قدر من الجمال، مما جعلها محط أنظار الكثير من العجائز، اللواتي يتربصن بالعرائس لأولادهن

ومن هؤلاء النسوة أم عمر "الشادلية" التي استطاعت أن تخطف البنت الجميلة المثقفة من بين أهلها، وهم أسرة متواضعة الحال، لتزفها لابنها الدكتور عمر، الأستاذ الجامعي، ويومها لم تتردد "يمينة" في القبول به كزوج وفارس لأحلامها، وتاج لرأسها،سيما وهو أستاذ جامعي تتمناه أي بنت ،ولكن لم تكن المسكينة تدري بالمثل القائل: "كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد بؤسه".

التفاصيل:

1- لغة المسرحية كانت عامية تتخللها ألفاظ وجمل فصيحة.

2- الديكور كان بسيطا مؤلفا من ستائر من قماش ملون هنا وهناك،معلقة على حوامل شبيهه بالأبواب،فوق الركح.

3- المكان كان دار الثقافة بوسط مدينة سعيدة.

4- الزمان كانت إحدى ليالي شهر رمضان 1430/2009.

5- الجمهور كان معتبرا.

6- المؤثرات الضوئية مقبولة إلى حد ما.

7- المؤثرات الصوتية مقبولة.

8- من النقائص المسجلة على الفريق المسرحي هي عدم استعمال الوسائل أو الوسائط التقنية الصوتية للبث، وترك الممثلتين تعتمدان على القدرات الصوتية الطبيعية، مما كان يصعِِّبُ الإنصات والاستماع الجيد من قبل الجمهور، وهو عامل مهم في عملية التلقي، لذا ننصح باستخدام الوسائط اللاسلكية الفردية للبث،خاصة أن صوت "يمينة" كان متعبا .



البداية:

تقف "يمينة" على الركح ،وتقدم نبذة من سيرتها الذاتية،وحياتها قبل الزواج بالدكتور عمر،والهدوء الذي كانت تنعم به في بيت أبيها،ومع تلامذتها، لكن" الزواج يأتي بدون سابق إنذار كما تقع نقطة من الحبر الأسود على ملابس الإنسان"كما يقول المثل.

يمينة رمز الجمال، التي طالما تغنى باسمها شعراء الملحون، اسم يحمل في ثناياه رنة رومانسية،وإيقاع موسيقي عذب، لا شك في أن الدكتور عمر قد استأنس لهذا الاسم

خاصة وهو يعلم ما قيل في يمينة :"ما اعظم زينك يا يمينة".

لكنه لم يصنها كما كانت تتصور، سيما وهو دكتور جامعي متعلم ومثقف، ولم تجد الدفء الذي تبحث عنه الزوجة عند زوجها، غير البرودة و الجفاء اللذان كانا آخر ما تصورت أن تلاقيه من هكذا شخص، الأستاذ عمر قلب كل موازين التوقعات التي طالما كانت تتصورها "يمينة" ،وحوّل حياتها جحيما بجعلها آلة تخدم أمه،وتصون البيت كنسا وتنظيفا وطبيخا، وتجسد كل ما تتمناه "الشادلية" و تأمر به، وما إن تبد "يمينة" المسكينة تذمرا أو تقدم تشكيا حتى ينهال عليها الزوج المتعلم سبا وشتما وضربا،وعندها أدركت البائسة معنى المثل القائل:" الألقاب ليست سوى وسام للحمقى والرجال العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم"، وكما تعمل كل عروس في مثل حالها،تجملت المسكينة بالصبر والتحمل لعلها تكبر في عين زوجها بعد الإنجاب،مصداقا لقول القائل:" من يحب الشجرة يحب أغصانها."

وذلك بقلب المثل، لأن الشجرة هنا هي من تبحث عن الحب، يا ترى هل يكون لأغصانها فضل في تجسيده ؟ أم على قلوب أقفالها ؟

تمر الأيام و يثمر فراش "يمينة" بحمل عدت المسكينة دقائقه على مضض،سيما وأنها كانت تسمع حماتها تعد الأيام متلهفة لترى أول مولود لابنها،وكانت تتمناه ذكرا ليس إلا،ليحمل اسم أجدادها، "الشادلية" هكذا سميت تبركا بالزاوية الشاذلية نسبة إلى أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي، مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية المنتشرة في شمال إفريقيا خاصة الجزائر وتونس، ونظرا لحب الشادلية الكبير لأسلافها الأشراف،ووفائها لطريقتهم ،ظلت تحلم بنسل متواصل يحمل ميراثهم،وليس إلى ذلك من سبيل سوى ذرية ابنها عمر الذي لم يكن يختلف عن أمه كثيرا، سوى بمقدار الحروف التي له القدرة على فك شفراتها، حيث كانت هي شبه أمية، عقلها مملوء بما سمعته من كرامات أجدادها وبركاتهم، وكان هو يعيش بشخصيتين ،تارة مع تيار الحداثة لكونه كان يلقي المحاضرات

والندوات على المنابر الإذاعية والمنتديات الثقافية بخصوص حرية المرأة وحتمية نشاطها وإسهامها في تحريك عجلة التنمية، كونها إنسان مثلها في ذلك مثل الرجل،وطورا مع التحجر والتخلف والخضوع لتخاريف وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان،نزولا عند رغبة أمه الجامحة،وعند الموقف الثاني- بكل أسف- لا يرى في "يمينة" المرأة والذات الإنسانية التي أكرمها الله،وينبوع الحب والحنان الذي يستمد منه قوته ويجدد انطلاقا منه عزمه وإرادته، وكأن هذا الكلام وهذه السلوكات وجدت لتكون للغير وحسب، لم يكن الأستاذ عمر واقعيا أبدا، بل كان يعاني من قصور صارخ في تركيبة شخصه،فبدل أن يؤثر في معتقدات أمه ليغيرها نحو الأحسن،تأثر هو بها انصياعا وإذعانا وكأنه طفل صغير أو أعمى ضرير لا يرى شيئا من حوله.

وضعت "يمينة" حملها،ويا ليتها ما وضعت،فذلك المجتمع الذي فيه مسحة من الجاهلية الأولى انتابه العبوس لمجرد أن علم أنها أنجبت بنتا،وازداد هم المسكينة بما صارت تسمعه كل ساعة من التأنيب والعتاب،من الدكتور وأمه:وجدت غير بنت تجيبينها وما ذا منعك عن الولد ؟ وتوالت الأيام وزاد إصرار "الشادلية" على الولد ،وراحت تتوسل بالمشعوذين والخلطات المختلفة،ولم يمض العام الثاني حتى حبلت "يمينة" واشتد همّ حماتها واهتمامها وتطلعها لموعد الوضع، إلا أن الطامة كانت كبرى،لما كان المولود الثاني أنثى،

وأهينت ثم أهينت ولم تترك لحالها،فكيف و"الشادلية" تتلهف إلى حفيد يحمل اسم المرحوم زوجها ؟ لكن هذه المرة قررت مع ابنها أن تحضر دراويش الزاوية وتقيم طقوس الحضرة في البيت،لتخرج النحس من كنتها "يمينة"،واستؤنفت رحلة العذاب من جديد،ولكن كللت كسابقتيها بابنة بريئة.

وهنا خرجت "يمينة" عن صمتها،وقررت أن تدافع عن نفسها،ولسان حالها يقول: "أموت خير لي من أن أعيش مكروها"وجعلت من جمهور المسرح قاضيا تشكو إليه بثها،ونكد العيش الذي طالما عانت منه في ظل عائلة زوجها،واحتقار حماتها لها واتهامها بكونها عاجزة عن إنجاب البنين.

بحسرة وآهات عميقة صرخت، وبأناة مستضعف فقد كل أمل في حياة كريمة نادت،"يا ناس كنت بخير في دار والدي"..."كنت معلمة أعلم الأطفال الصغار،البراءة أنشر العلم وأحارب الجهل" ...وما إن وصلت "يمينة" في سرد قصتها المشؤومة، حتى تدخلت "الشادلية" مقاطعة: واش خاصك عندنا ؟ حق ما خرجناك من الميزيرية والفقر اللي كنت عايشتهم في دار باباك ؟

وتحولت المسرحية إلى ديولوغ،في شكل جدال عقيم بين "يمينة" وحماتها "الشادلية" كل يدافع عن مبادئه، ويطرح أمام القاضي وجهة نظره للحياة الاجتماعية مع تجسيد وتصوير دقيق للأحداث الماضية المعيشة، كانت وجهة نظر الشادلية تمقت مساحيق التجميل والتغني بالحب،وتكره السفور وكل ملبس جاءت به الموضة والحداثة

تحب خشونة العيش،والبنين الذكور و اللباس المحتشم المتمثل في الملاءة البيضاء (حايك المرمّة) وتخمير الرأس، والمكوث في البيت...ولكن لم تجد شيئا من ذلك كله في كنتها "يمينة"التي كانت تحلم بمرافقة زوجها "الدكتور عمر" في كل مكان وذراعها في ذراعه

يجولان بين المطاعم وصالونات الشاي والأسواق...

يمينة المسكينة التي وجدت نفسها لا تفارق القصعة والعجين وكنس البيت،العمل الذي كانت تظنه من نصيب الخادمة،رضيت به لنفسها،ولكن حماتها "الشادلية" أمنيتها

مجموعة من الصبية الذكور،وكأنها تريد اكتفاء ذاتيا من الرجال العمال في الحقول والبساتين ورعي الماشية،كما كان دأب الأسر القديمة، قبل أن يمن الله على عباده بالتكنولوجيا و المكننة،...ولكن رغم دفاع "الشادلية" المستميت عن معتقداتها وثقافتها التي ورثتها من بيئتها القديمة، إلا أنها لانت في الأخير وأذعنت ورق قلبها،واستيقظت عواطفها الجياشة التي هي طبيعية في الأنثى، واستردت شريط ذكرياتها لما كانت حديثة العهد بالزواج "بأبي عمر"،وقامت تسرد وقائع حميمية عايشتها معه، وهنا حدث تناغم في الرؤى وسادت الحنية بينها وبين "يمينة"، فأخذتها بالحضن وعانقتها طويلا أكثر من عناق أم لابنتها، لينتصر الحب في الأخير،وينتصر الواقع على الممارسات البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان،ويهتف الجميع أمام المحكمة: "باركات باركات" يكفي يكفي،وتقوم كل من "الشاذلية" و"يمينة" بهتك الستائر المعلقة كرمز للعادات والتقاليد

الهدامة، ورميها على الأرض، ليظهر ويتجلى كل شيء بشفافية ووضوح.



خلاصة  القراءة:

مسرحية "يمينة" عبارة عن عمل أدبي ميلودرامي يستحق التشجيع والإشادة، باعتبارها قد استوفت عناصرها الدرامية،من نص مسرحي مستوحى من فكرة هامة، و حبكة وشخصيات وحوار،كان لها تأثيرها وانعكاسها على الأهداف النهائية المتمثلة في حل العقدة والتأزم، وبلوغ قيم جمالية وعاطفية وأخلاقية وفكرية في النهاية،وقد طُرحت الفكرة كوجهة نظر قابلة للأخذ والرد والنقاش مع المتلقي، تعلقت بإحدى القضايا الاجتماعية التي طالما عانت منها الأسر والعائلات الجزائرية، والتي -بدون شك- تمتد حتى للعالم العربي من المحيط إلى الخليج، ألا وهي سلطة الأم المستلهمة من العادات والتقاليد القديمة التي عفا عليها الزمن، والتي تظن أنها شرعية كي تبسطها على الابن والكنة (زوجة الإبن)،  وتنغص عليهما حياتهما التي هي خاصتهما،وهذه الظاهرة كانت وظلت من أكثر الأسباب المؤدية إلى الطلاق.

يبقى في الأخير أن ننوه بالعمل المقدم، وندعو "تعاونية ورشة الباهية - بوهران "ومن خلالها كل الفرق المسرحية الجزائرية و العربية،أن تكون خدومة لأمتها العربية، بتوظيف اللغة العربية ولو كانت مبسطة،حتى نسهم في تربية الأجيال،وخدمة لغتنا سيما وأن جل رواد المسرح من جمهور يحسنون استخدام اللغة العربية تواصلا وكتابة،فأين الخلل يا ترى ؟

وليكن شعارنا: "معا لترقية التواصل باللسان الفصيح" من خلال المسرحية والقصة والأقصوصة والحكاية والتهريج.... والله ولي التوفيق.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية