التعريف بالأسلوب والأسلوبية:
يعرف الأسلوب بأنه طريقة اختيار الكلمات ونظمها؛ لتؤثر في نفس القارئ أو السامع؛ فالحقائق المجردة: كالإحصائيات، ونظريات الهندسة، وقواعد النحو والصرف، وقوانين الطبيعة والكيمياء -لا أسلوب لها- أعني أنها لا تؤثر من ناحية لغتها ونظمها.
والأسلوب مشتق من كلمة الأسلوبية styllistics ـ هذه الأخيرة التي ترتبط بالمنشئ المبدع، وما يجعله متميزا في عمله الأدبي؛ فلا اهتمام إذا بالمتلقي سواء أكان سامعا أم قارئا؛ فالأسلوبية ترتكز وتتركز على دراسة تراكيب أسلوبية معينة.
إن الأسلوبية عمل نقدي يأخذ من العمل الأدبي موضوعه، ويهدف من خلال ذلك إلى معرفة الأساليب المبدعة من غيرها؛ ولهذا أطلق على الأسلوبية علم الأسلوب.
ومعنى كونها علما أن لها أسس وقواعد، وليس الأمر متروكا للميول والرغبات والأهواء الشخصية.
أما الأسلوب فهو يتضمن كافة الإمكانات التي يستخدمها منشئه في سبيل توضيحه: من تعبيرات لغوية وغير لغوية، بالإضافة لوسائل أخرى؛ مثل الإحصاءات الرياضية والجداول، والموسيقى -كنمط الموسيقى التصويرية الذي يظهر في الأعمال الفنية المسموعة أو المرئية، وكوسائل الديكور التي تظهر في التمثيليات المسرحية -على سبيل المثال.
ونظرا لارتباط الأسلوب بجوانب أخرى غير اللغة العربية -رغم انطلاقه منها- وجدناها تسمى بأسماء أخرى غير الأسلوب؛ ومن أهم تلك المسميات: فـــن الشعر، وسيميولوجية العمل الأدبي، ونظرية النص والكتابة ، وقد سبق البلاغيون إلى تسميته من قبل "النظم".
وينبغي هنا التفريق بين مصطلح الأسلوب ومصطلح الجملة؛ فمصطلح الجملة يقف عند تحليل المستوى السطحي للجملة لغويا، ولا يتعداه إلى الجوانب الأخرى الاجتماعية والنفسية وغيرها، أما الأسلوب فيتخطى كل ذلك ، وينطلق إلى جوانب أخرى غير الجانب اللغوي؛ فهو يأخذ الجملة كلبنة أولى في الانطلاق سواء كانت منفردة، أو مرتبطة مع جمل أخرى في تكوين نص ما، ويذهب إلى أبعد من اللغة: إلى المنطق، وإلى الفلسفة، وإلى الإحصاء، وإلى علم النفس، وإلى المجتمع، وإلى غير هذا بكثير.
إن الهدف الأسمى للأسلوبي هو التأثير في المتلقي، بكل الطرق الممكنة.
اهتمام القدماء بالأسلوب :
لقد اشتهر كتاب أفذاذ في عصور الزهوة اللغوية، والإبداع الجيد في اللغة العربية؛ لدرجة أنهم لقبوا فيما بعد بمدارس؛ نظير أعمالهم المتميزة، ولدورهم الأسمى في النهضة بمستوى الأسلوب العربي .
وقبل البدء يطيب لي أن أذكر مقولة لأحد المؤرخين اللغويين العرب، وهي: "لقد بدئت الكتابة بعبد الحميد، وانتهت بابن العميد" -منطلقين من هذه المقولة بعرض أبرز اللغويين الذين أثروا الكتابة العربية (الأسلوب) بآرائهم وأعمالهم:
ـ عبد الحميد الكاتب:
هو عبد الحميد بن يحيى الكاتب الأموي، وكان يلتزم طريقة الترسل، وهو أول من وضع للكتابة حدودا ونظما، وعلمها أولاده.
ـ الجاحظ:
هو أبو عثمان عمرو بن بحر ، ولقب بالجاحظ؛ لجحوظ عينيه أي بروزهما، وكان منهجه في الكتابة سهولة العبارة، وكان فوق هذا طويل الإطناب أي الإكثار من الكلام المعاد، وكان كثير إيراد الجمل المترادفة، دقيق الاستقصاء لوصف ما يريد وصفه أو التحدث عنه، كثير الاستطراد، يخرج من الشيء إلى ما يناسبه، ثم يعود بعد قليل أو كثير إلى ما بدأ القول فيه.
ـ ابن العميد:
من كتاب القرن الرابع الهجري، وكان يلتزم السجع القصير الفقر غالبا، ويعنى بالإكثار من الأخيلة والتشبيهات والاستعارات، ويكثر الاقتباس من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والأمثال، ويحل كثيرا من أبيات الشعر ذات المعاني الجميلة؛ حتى سمي الأدباء هذا الأسلوب بالشعر المنثور.
قيمة الأسلوب:
أ ـ يعكس العادات والعرف الاجتماعي، والأصول الاجتماعية.
ب ـ يميز الأدباء عن غيرهم.
ج ـ يوضح الحالات النفسية لقائليه ومبدعيه؛ ولهذا قال اللغويون: "لكل مقام مقال"، ويعنون بذلك أن الأسلوب ينبغي أن يتفق مع من يتلقاه في ألفاظه، وتراكيبه، ولغته بطريقة شاملة، ويتفق أيضا مع طبقاتهم الاجتماعية، ونفسياتهم المختلفة.
إن ما يقال للعامة -مثلا- لا يقال للأمراء والسلاطين، وما يقال للأدباء عند مخاطبتهم ليس هو نفسه الذي يقال للمهندسين أو الأطباء - وهكذا .
شروط الأسلوب الجيد:
وبعد التنويه على قضية أن لكل مقام مقالا يقال فيه يلزمنا أن نحلل هذا بشيء من التفصيل هنا:
ـ يجب أن يتطابق الأسلوب مع الموضوع الذي يتكلم فيه؛ فالموضوعات تختلف ضعة ورقيا، سذاجة وتعقدا، وسهولة وصعوبة؛ لذلك يجب أن يكون الأسلوب مسايرا لهذه الموضوعات والمعاني في درجة سهولته؛ خاصة وأن بعض الموضوعات يحتاج إلى إطناب واسترسال، وأخرى تحتاج إلى إيجاز واقتضاب، وغير هذا من أمور.
ـ يجب أن يتطابق الأسلوب مع عقلية القارئين والسامعين؛ بمعنى أنه لا يجب أن يكون الأسلوب عاليا جدا في الصعوبة، لكن يجب أن يكون في متناول عقول المتلقين؛ حتى يتمكنوا من فهمه بسهولة.
لذا وجب على الأديب أن يكون ملما بعقلية من يتلقى كلامه؛ وخير شاهد على ذلك ما ورد في قصة حدثت مع أبي تمام الشاعر المعروف؛ حيث أتاه رجل وسأله لما رأى شعره غامضا، وخياله بعيد المنال:
- لم لا تقول ما يفهم؟
فقال أبو تمام:
-لم لا تفهم ما يقال؟.
والحق مع القائل، لا مع أبي تمام؛ لأن على الشاعر أن يراعي عقلية جمهور السامعين لا فئة خاصة منهم.
ـ يجب أن يتطابق الأسلوب مع نفس المتكلم أو الكاتب؛ فكثيرا ما يتكلف في كتابته، ويقلد غير شخصيته؛ فيخرج كلامه سمجا ثقيل الظل؛ فترى بعض الناس يتحدث فيحسن حديثه؛ فإذا كتب سمجت كتابته وقبحت؛ لأنه في الأولى طابق نفسه، وفي الثانية تابع غيره؛ فخرج الكلام من روح غير روحه.
ـ يجب أن يتميز الأسلوب بوضوح المعاني؛ حتى تؤثر في المتلقين.
ـ يجب أن يتصف الأسلوب بقوة الألفاظ الدالة على المعاني التي يوضحها الأسلوب، ولا تتميز بالغرابة، أو الصعوبة في الفهم.
ـ يجب أن يتحرى الأديب استخدام فنون البلاغة من تشبيهات، واستعارات، وأساليب بلاغية، وقوالب موسيقية وغيرها؛ حتى يجذب انتباه المتلقين لكتابته الأسلوبية.
ـ يجب أن يضبط الأسلوبي لغته؛ بأن تتفق مع قواعد النحو العربي؛ حتى يتحرى الصواب في كلامه.
ونشير في هذا الصدد أنه لا توجد قواعد واحدة لكل الأساليب؛ لأن كل أسلوب يختلف عن غيره، له قواعده وأسسه التي يبنى عليها، والأمر كله مخول للأديب ذاته.
أنواع الأساليب في اللغة العربية:
تنقسم الأساليب في اللغة العربية إلى أنواع كثيرة وفق عدة اعتبارات؛ فهو ينقسم من حيث عناصر الأسلوب إلى أساليب لغوية، وأساليب غير لغوية، كما ينقسم من حيث طبيعة المحتوى إلى أساليب نثرية، وأساليب غير نثرية، وينقسم أيضا من حيث نمط الأسلوب المستعمل نفسه إلى أسلوب علمي، وأسلوب أدبي، وآخر علمي متأدب. أضف إلى ذلك أنه ينقسم من حيث دلالته إلى أساليب مباشرة تفهم من المعنى السطحي للنص، وأساليب
غير مباشرة تفهم بعد حل شفرات السطور والحواجز، وتسمى في علم النفس بمفتاح الشخصية . وختاما ينقسم من حيث طريقة العرض إلى خبري يحتمل الصدق والكذب بالنظر للواقع الخارجي، وإنشائي: لا يحتمل صدقا أو كذبا
لكل هذا وجب الاهتمام بالأسلوب وبالأسلوبية، والتركيز بصورة كبيرة على التطبيقات الأسلوبية التي تعزز النظرة الموضوعية إلى علم الأسلوب؛ من أجل تحقيق أهدافه، وبلوغ مراميه.