مصطفى صادق الرافعى ( رائد المقالة الإسلامية )
( 1880 م - 1937 م )
هو مصطفى صادق الرافعى ابن الشيخ عبد الرازق سعيد ابن أحمد بن عبد القادر الرافعى ، أحد أبناء الأسرة الرافعية الكريمة ، التى تقاسمت الإقامة بين طرابلس الشام وبين مصر ، شأنها في ذلك شأن الأسر العربية الكبيرة التى كانت تتفرق في أقطار الأمة الواحدة . إن مصطفى صادق الرافعى سليل واحدة من الأسر أو قل تلك البيوتات التى عشقت العلم وأورثت أبناءها ما أفاء الله عليهم من نعمة المعرفة ، فسما قدرهم وارتفعت أقدارهم وشجعوا الخلق على طلب العلم استجابة لروح القرآن الكريم ، وإحياء لسنة النبي ( ص ) " طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة " .
ولد مصطفى صادق الرافعى سنة 1880 م في قرية من ريف مصر وهى بلدة بهتيم بمحافظة القليوبية ، غير بعيد عن العاصمة ، وأخذ يتنقل مع أبيه من بلدة إلي أخرى ، حتى انتهى المقام بالأسرة في مدينة طنطا ، وفيها أخذ يطلب العلم ويتنفس المعرفة ويغترف من ينابيعها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ولما عجزت موارده المالية عن أن تمده بما ييسر له الالتحاق بالجامعة المصرية ، التحق بوظيفة كتابية بمحكمة طنطا ، فجعل قسما من وقته لعمله الوظيفي ، و بقيته للقراءة في تراث العربية والكتابة في كبريات المجلات الأدبية و تأليف الكتب .
والرافعى من مواليد العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر مثله في ذلك مثل بقية الرواد النابهين من مفكرى القرن العشرين و شعرائه وكتابه ، قد انتظم عقدهم و تقدم صفوفهم بإنتاجه الوفير في فروع الآداب و العلوم الإسلامية ، و يكفى أن نذكر منهم في مصر أحمد لطفي السيد و طه حسين و العقاد و منصور فهمي و مصطفى عبد الرازق ، و أمين على و أحمد شوقي و حافظ إبراهيم و على الجارم و غيرهم . ومن مفكرى العالم العربي و أدبائه : شكيب أرسلان و رشيد رضا و ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران و الشيخ على الطنطاوى ومحمد إسعاف النشاشيبى ، و محمد بهجة الأثرى و الطاهر بن عاشور و عبد الحميد بن باديس وغيرهم .
كانت هذه الكوكبة العظيمة من الأعلام متعددة المواهب متباينة المذاهب وافرة العطاء ، خصيبة الإبداع ، فيهم المفكر و الشاعر والكاتب و القاص و العاشق ، وكان مصطفى صادق الرافعى يشاركهم جميعا في ملكاتهم وينازعهم في مواهبهم ، فهو في مقدمة المفكرين و على رأس الكاتبين و حجة المؤلفين و مزاحم الشعراء ومشارك القصاص وعلى رأس عشاق مي زيادة . و في كلمات موجزة كان الرافعى مفكرا عميقا و كاتبا بليغا فريدا ، وشاعرا موهوبا وعالما منتجا لروائع التأليف وعاشقا عفا ، ثم هو بعد ذلك مصلح كبير ومناضل باسل .
وقد خاض الرافعى معارك شرسة في سبيل الحفاظ على اللغة العربية و التراث الإسلامي ، دافعه في ذلك غيرته على الدين و الوطن واللغة . وكانت أول معاركه مع طه حسين حول كتاب الشعر الجاهلي و ثانيها كانت مع العقاد وهى معركة طالت واستطالت وكانت بدايتها نقد العقاد لكتاب إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، أما آخر معاركه فكانت مع أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد حول دعوة الأخير إلى استخدام اللغة العامية ، وقد انتصر الرافعى في معاركه جميعا ، وأثبتت الأيام أنه كان على حق في دفاعه و صادقا في غيرته على الدين واللغة .
يعد الرافعى صاحب منهج وأسلوب في الكتابة العربية ، فهو في كتابه يحافظ على اللغة العربية في نقاء أسلوبها وبلاغتها بحيث صار يلقب بصاحب الجملة القرآنية ، لأصالة بنية جملته ، واستقامة ألفاظها . أما موضوعات كتابته فمتعددة ومتنوعة و إن غلب عليها الدفاع عن العقيدة الإسلامية واللغة العربية ، وهو يعد بحق _ على حد قول الدكتور مصطفى الشكعة _ أبو المقلة الإسلامية ورائدها ، فقد دافع في هذه المقالة عن القرآن وأركان الإسلام عقيدة وشريعة .
والرافعى فوق ذلك يعد من كبار الشعراء في عصره وأحد رواد الشعر الوطني ، فهو ناظم ثلاثة من أجمل أناشيد الوطنية المصرية .
أولها : حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن
فقد صرخت في العراق الدما نموت نموت ويحيا الوطن
وثانيها النشيد المعروف الذي كان النشيد الوطني لمصر قبل نشيد بلادي بلادي . يقول الرافعى :
اسلمي يا مصر إنني الفدا ذي يدي إن مدت الدنيا بدا
أما النشيد الثالث فمطلعه :
إلى العلا إلى العلا بنى الوطن إلى العلا كل فتاة و فتى
وقد جمعت معظم مقالات الرافعى في كتاب من ثلاثة أجزاء بعنوان " وحى القلم " وفيما يلي قائمة بمؤلفات الرافعى :
1 _ رسائل الأحزان 2 _ السحاب الأحمر
3 _ أوراق الورد 4 _ حديث القمر
5 _ المساكين 6 _ على السفود
7 _ تاريخ آداب العرب في ثلاثة أجزاء
8 _ معجزة القرآن والبلاغة النبوية وهو الجزء الثاني من كتاب " تاريخ آداب العرب "
9_ ديوان الرافعى في ثلاثة أجزاء
10 _ديوان شعر بعنوان "النظرات "
11 _تحت راية القرآن
12 _وحى القلم في ثلاثة أجزاء
وتعد مقالاته في كتاب " وحي القلم "نموذجا أصيلا لفن الكتابة النثرية عنده تظهر فيه أبرز خصائص أسلوبه الأدبي أشرنا إلى جانب منها في بداية المقال يقول الدكتور "شوقي ضيف " وأكبر الظن أنه قد اتضحت لنا شخصية الرافعى في مقالته وأدبه بكل خصائصها الروحية والعقلية واللغوية ، فقد كان يؤمن بمثل الإسلام والعروبة والوطنية 0 وكان يحس كل ما حوله من طبيعة وغير طبيعة ، وقد استطاع أن يملك ناصية اللغة ،قد استطاع أن يملك ناصية اللغة وأن يصرف ألفاظها في يده كما يشاء .أعانته في ذلك كله عزلة ضربها الصمم من حوله،فإذا هو يخلص لعالمه الباطني ،يغوص فيه على المعاني الدقيقة فيبرزها وكان بتعمقها حتى يحدث فيها ضربا من الفلسفة المنطقية ،وكان ذلك أيضا من أهم أسباب غموضه والتوائه أحيانا .
رحم الله مصطفى صادق الرافعى وكفاه كتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"
كانت وفاة الرافعى عام 1937