لقد شهدت الأعوام الأخيرة من هذا القرن العشرين انفجارا هائلا فى العلوم الإنسانية ؛ حيث أخذت هذه العلوم منحى جديدا فى الدراسة ، وهو المنحى التجريبى ، وفى مقدمتها علم اللغة الذى ينقسم إلى نظرى وتطبيقى.

ومن المعلوم أن علم اللغة النظرى Theoretical linguistics يضم خمسة علوم ، وهى:

1- علم الأصوات. Phonetics     2- علم الصرف. Morphology

3- علم النحو. Syntax             4- علم المعاجم. Lexicology

5- علم الدلالة. Semantics

 

ولا يخفى أن علم الأصوات من العلوم المهمة فى علم اللغة النظرى ؛ فالصوت هو الخلية الأولى فى بناء الجمل ؛ فيه يتسنى لنا أن نميز بين المعانى ، وندرك ما بين الأساليب من علاقات ، ولهذا تعرض للدرس اللغوى منذ القدم ، وأوصل إلى تفريعات متعددة لعلم الأصوات ؛ فمثلا يقسم علم الأصوات إلى : معيارى ووصفى ؛ والوصفى ينقسم إلى : نطقى وفيزيائى وسمعى.

كما يقسم علم الأصوات إلى : قطعية. Segmental ph. وفوق قطعية Super segmental ph. ، والقطعية تهتم بالأصوات الأساسية ، والتى لها رموز كتابية ؛ ومن ثم تعرض للنقد ؛ لما يشاكله من احتمالات.أما علم الأصوات الفوقطعية فيبحث عن الأصوات الثانوية Secondary التى تزامن الأصوات الأساسية ؛ لما لهذا من فائدة دلالية فى إيضاح المعنى ، والتأكيد عليه ، ومن مباحثه : النبر Stress ، والتنغيم Intonation.

ومن الأدلة على ذلك أن مدلول الاستفهام فى : ما أجمل السماء ؟ يختلف عن مدلول التعجب فى نفس الجملة : ما أجمل السماء ! ؛ وذلك الذى حدث كان نتيجة التنغيم. كذلك مدلول ( أفل ) ، يختلف كلية عن مدلول ( أفلا ) ؛ وذلك بسبب النبر.

جاء فى معجم مقاييس اللغة فى مادة ( نبر ) :"النون والباء والراء أصل صحيح يدل على رفع وعلو. ونبر الغلام : صاح أول ما يترعرع. ورجل "نبار" : فصيح جهير. وسمى المنبر لأنه مرتفع ويرفع الصوت عليه. والنبر فى الكلام : الهمز أو قريب منه. وكل من رفع شيئا فقد نبره".

ولم يتباين تعريف اللسانيين المحدثين عن تعريف اللغويين القدامى للنبر ؛ إذ يعرفوه بأنه :"إعطاء النبرة المناسبة للمقطع".

والفرق بين القدماء والمحدثين راجع إلى أن المحدثين أفردوه بالدرس اللغوى ، وخرجوا من دراسته بما يفيد الدراسة اللغوية بشكل كبير.

وثمة اختلاف واضح فى مسألة النبر ، ولكنه لا يؤثر فى بنيانه بقدر ما يؤثر فى شكله ؛ ونلمح هذا من أن تسمية النبر بهذا الاسم فى العربية عليها اختلاف ؛ فيسميه الدكتور السعران بالارتكاز Stress ، ويعرفه بأنه درجة قوة النفس التى ينطق بها صوت أو مقطع ، وليس كل صوت أو مقطع ينطق بنفس الدرجة ؛ فكل صوت يحتوى طاقة تختلف عن الأخرى ، ويعرفه أيضا من الناحية العضلية بقوله : "مجهود يخرج به الهواء من الرئتين وكل دفعة منه يصحبها إحساس عضلى لهذا السبب" ، ويعرفه من الناحية الصوتية بقوله :"..ينتج العلو يتوقف على مدى الموجات الذبذبية التى تسبب الإحساس بالصوت".

أى إن النبر له مسميات أخرى فى لغتنا نوه عنها مؤلفا كتاب "علم الصوتيات" بقولهما: " ... وفى العربية ، مثل : النبر والارتكاز ، والتطريح ، والبروز ، والجهارة ، والضغط والنبرُ هو أشملها ".

وهذا الاختلاف يبدو بصورة جلية فى اللغات الأجنبية أيضا ففى الإنجليزية Accent أو Stress وفى الفرنسية L. Accent والألمانية مصطلحات عديدة منها Akgent و Betonungg.

فهذا الذى نرى لا يقلل من قيمة النبر فى شىء ؛ فماهيته فى كل مسمى من المسميات السابقة واحدة ، وفى هذا يقول الدكتور عبد الصبور شاهين: " ومن البحوث التى يتناولها علم الأصوات التشكيلى ( الفونولوجيا ) ظاهرة النبر أو الضغط Stress أو Accent وهى ظاهرة أو خاصة صوتية تميز الناطق بلغة أو لهجة معينة عن غيره من الناطقين بلغة أخرى ، أو لهجة مخالفة.

ويبدو أن المؤلف مغرم بحصر المسميات المختلفة ؛ فهو يسمى الفونولوجيا بعلم الأصوات التشكيلى.

ومما يلفت النظر فى الكلام السابق أن مصطلحاً من المصطلحات اللغوية يتكرر معنا ، ويبدو مع النبر فى دائرة مغلقة وهو المقطع اللغوى ، والصوتى ؛ويلزمنى هنا أن أوضحه ، معرفا به ، ومنوها عن أنواعه فى لغتنا العربية.

يعرفه الدكتور محمد الخولى بقوله :"وحدة صوتية تتكون من صائت واحد على الأقل هو نواة المقطع بالإضافة إلى احتمال وجود صامت واحد أو أكثر قبل الصائت أو بعده أو قبله وبعده". ويعرفه الدكتور نجا بأنه " أصغر وحدة صوتية يمكن النطق بها ويستطيع المتكلم أن ينتقل منها إلى غيرها من أجزاء الكلمة ".

وللمقطع جزءان أساسيان هما:

(1) القمة أى درجة علو الصوت.

(2) القاعدة أو الوادى أو الهامش ، وهى درجة اللين.

والمقطع مفيد فى الكتابة الصوتية ؛ حيث يحلل الكلمة إلى عناصرها الصوتية ، وتسمى هذه الكتابة بالكتابة الفونيمية ، كالإنجليزية مثلا.

ومن مميزات المقطع الصوتى أنه يوضح الأصوات التى ليس لها رموز صوتية ، مثل : لم. ( ص ح + ص ح ).

ويظهر ما بين القوسين السابقين أن ( ص ) ، و( ح ) رمز وهذه من رموز الأصوات ؛ فالرمز ( ص ) يعنى صوت صامت ، والرمز ( ح ) يعنى حركة قصيرة ، والرمز ( ص ص ) يعنى صوتين صامتين ، والرمز ( ح ح ) يعنى حركة طويلة.

والجدول الآتى يوضح مقاطع النظام الصوتى للغتنا :

ScreenShot3219

 

وأنواع المقاطع السابقة من حيث الكم ، أما من حيث فتح القطع وغلقه ؛ فالمقطع ينتهى بصوت صامت ، كالمقطع الرابع ، والمفتوح ينتهى بحركة ، ويشمل الصورتين الأوليتين.

وبعد العرض السابق للمقاطع العربية ، تجدر الإشارة إلى نقطتين هامتين ، وذلك كما يأتى :

1- للنبر علامات فى الكتابة الصوتية ، وسنبين ذلك فى أنواعه.

2- من الضرورى أن نتعلم كيف يكون الصمت جيدا ؛ حتى نتمكن من تحليل إيقاع الكلام بصورة جيدة ، وحتى يتسنى لنا أن نصفه فى عبارات صوتية عامة.

والخلاصة أن القليل فقط من المستمعين هم الذين ينجحون فقط فى هذا التمييز دون تدريب.

 

- أنواع النبر:

لعل أفضل التقسيمات اللغوية للنبر هو التقسيم الذى قام به الدكتور حسان ، وشاركه فيه كثيرون ، وهذا هو التقسيم :

ينقسم النبر إلى قسمين : (1) صرفى.              (2) دلالى.

وينقسم النبر الصرفى بحسب قوة النطق ودرجة دفعة الصوت إلى أولى وثانوى ، والأولى أقوى من الثانوى ، مع العلم بأن الأخير يعتمد على الأولى. يقول الدكتور حسان: " وبتوزيع مقطعيهما يظهر الإيقاع فى اللغة العربية ".

أما النبر ، فهو تقريرى وتأكيدى ، والتأكيدى يعتمد على دفعة الهواء ، وهو أقوى من التقريرى.

وهذا قريب من تقسيمات النبر عند الدكتور سعد مصلوح ؛ حيث يقسمه إلى :

(1) أساسى. Primary stress ورمزه / / /.

(2) ثانوى. Secondary stress ورمزه / Ù /.

(3) من الدرجة الثالثة Tretiary stress ورمزه / \ / وهو أضعف من سابقيه.

(4) ضعيف Weak stress ورمزه / Ú / ، ويسمى بالأدنى.

وقول الدكتور مصلوح يتفق مع قول الدكتور مختار فى تفريعه لأشهر أنواع النبر ، والتى تأخذ التنظيم التالى :

(1) قوى ( أولى ).

(2) متوسط ( ثانوى ).

(3) ضعيف.

ومن العلماء من يضيف إلى تلك الثلاثة :

(4) غياب النبر.

والتقسيم السابق عبارة عن تقسيمه فىالكلمة ، وهناك قسم ثان من النبر يعتمد على العلاقات الدلالية ، وهو الذى حدثنا عنه الدكتور أنيس بقوله :"وزيادة نبر الكلمة فى الجملة لا يعدو أن يكون زيادة فى المقطع الهام من هذه الكلمة".

ونفهم من كلام الدكتور أنيس السابق انقسام النبر إلى نوعين آخرين ، وهما : (1) نبر الكلمات.      (2)نبر الجمل.

وبهذا ننظر إلى الكلمة ، وإلى مقطعها ؛ لنتعرف على كيفية الحصول على معناها من خلال كتابتها الصوتية.

 

- أهمية النبر:

يؤدى النبر وظيفة أساسية فى اللغة العربية ، وقد نبهنا المشتغلون باللسانيات إلى ذلك ، فنرى الدكتور أنيس يقول :"ونطق اللغة لا يكون صحيحا إلا إذا روعى فيه موضع النبر". ويقول الدكتور بشر :"وللنبر وظائف لغوية مهمة ، صرفية ودلالية فقد يستغل النبر أحيانا للتفريق بين الأسماء والأفعال فى الإنجليزية". ومما ساقه الدكتور بشر من أمثلة على صدق كلامه كلمة Increase فهى إما أن تكون اسما ، وإما أن تكون فعلا ، والذى يوضح هذه الماهية هو النبر.

ووسط الكلام عن النبر وأهميته ينبغى أن أشير إلى الأهمية النسبية للنبر من لغة إلى أخرى فيقول أحد الباحثين :"النبر قد يؤدى دورا فى لغة لا يؤديها مطلقا أو لا يؤديه بالدرجة نفسها فى لغة أخرى".

فأهمية النبر متشعبة فى مستوى الفونولوجيا والمورفولوجى والنحوى والعروضى ، كما إنه يعمل على إشراق الكلمة ووضوحها ويساعد فى التعبير عن عواطف المتكلم وانفعالاته ، وصنع الإيقاع المناسب للمعانى فى المستوى البلاغى.

ونعقب الكلام بقول الدكتور عبدالصبور شاهين فى التأكيـد على أهمية النبر : "وقد أكدت البحوث الحديثة أهمية هذه الظاهرة فى دراسة ظواهر اللغة العربية القديمة ، كما إنها من أهم ما يعنى به الدارسون للهجات المعاصرة ".

 

- قواعد النبر:

إن مسألة تقنين القواعد الخاصة بالنبر ، وتقعيدها أمر اختلف فيه الباحثون ؛ وذلك لأنهم سلكوا مسلكين لا ثالث لهما فيه ، وهما:

الأول: اتجه معظمهم إلى اعتبار القراءة القرآنية الصحيحة هى الأساس ، ووضعوا عليها النبر.

الثانى: اتجه بعضهم إلى تقنين القواعد بعيدا عن القُرَّآء ويمثل الفريق الأول الدكتور مختار والدكتور عبدالغفار هلال ، ويمثل الفريق الثانى كانتينو.

ولعلك معى فى التنحى عن آراء الفريق الثانى ، والارتكاز على الفريق الأول فى آرائه.

ويمكن حصر تلك القواعد فى النقاط التالية:

(1) لا تحسب ( ال ) من مقاطع الكلمة.

(2) تحسب الضمائر وحروف المضارعة فى المقاطع.

(3) نعد المقاطع من اليسار إلى اليمين.

(4) إذا كانت الكلمة مكونة من مقطع واحد فالنبر عليه.

(5) إذا كانت الكلمة مكونة من مقطعين ، فالنبر على الثانى.

(6) المقطع الأول لا ينبر فى اللغة العربية مطلقا.

(7) إذا كانت الكلمة مكونة من ثلاثة مقاطع فأكثر فننظر إلى المقطع الثانى ، فإن كان من الأنواع المتوسطة ، أو الطويلة ؛ فالنبر عليه ، وإلا كان النبر على الثالث إطلاقاً ، ولا يتعدى النبر المقطع الثالث دائماً.

(8) المقطع ليس فى التثنية أو الجمع.

وينبغى أن نحتاط فى القواعد السالفة ، لأنها قواعد النبر الأساسية الأولية ، وفيما يلى قواعد النبر الثانوية:

(1) يقع الثانوى على المقطع قبل المنبور نبرا أوليا إذا كان الثانوى طويلا.

(2) يقع على المقطع الذى بينه وبين المنبور نبرا أوليا مقطع آخر إذا كان المنبور الثانوى يكون مع الذى يفصل بينه وبين المنبور الأولى أحد الأنساق الآتية :

أ) مقطع متوسط + آخر متوسط.

ب) مقطع متوسط + مقطع قصير.

(3) يقع على المقطع الثالث قبل المنبور نبرا أوليا إذا كانت الثلاثة السابقة لهذا المنبور تكون نسقا فى هذه الصورة : متوسط + قصير + قصير أو متوسط.

(4) لا يقع الثانوى على المقطع الرابع السابق للمنبور الأولى فى الكلمة.

ويلزم أن أنبه إلى نقطة هامة فى هذا ، وهى احتمال عدم وجود نبر ثانوى فى الكلمة إذا لم تتوافر فيه الشروط السابقة ، وإن اشترط فيه البعض ضرورة وجود مقطع طويل فى الكلمة.

ومهما يكن من أمر فإن الحال تقتضى ضرورة تحديد النبر الأولى ، وتوضيح الثانوى إن أمكن.

أما أنواع النبر الأخرى ، فيتم تعيينها عن طريق نظام النطق.

 

أهم مراجع المقال :

-    الوجيز في فقه اللغة
-    مدخل إلى علم اللغة للدكتور محمود حجازي
-    علم الأصوات لبرتيل مالمبرج
-    في علم اللغة العام للدكتور عبد الصبور شاهين
-    علم الأصوات للدكتور صبري المتولي
-    علم الصوتيات للدكتور علام
-    مناهج البحث في اللغة للدكتور تمام حسان
-    معجم علم اللغة للخولي

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية