أجرى الحوار: زين الدين بوحنيكة

- المشكلة ليست في شخص بوتفليقة
- أول التشكيلات التي يُعول عليها لإحداث التغيير الجذري هي الج.إ.إ
- حل الأزمة الجزائرية لا تحل بتطبيق "مصالحة بوتفليقة"
نطالب بوجوه جديدة تكرس القطيعة مع النظام الحالي

المبادرة التي أعلن عنها الشيخ عباسي سينشر تفاصيلها الشيخ عباسي بنفسه في المستقبل القريب..لا أحمل أي شخص - من الجبهة - مسؤولية النقائص التي نعيشها في الجبهة..ينبغي إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام الجزائري يكرس القطيعة مع النظام الحالي..المشكلة اليوم هي قيام العديد من الاحزاب والمرشحين يتذللون أمام العسكر وينظرون إليهم كالآلهة والعياذ بالله!.. من السذاجة اعتبار الرئاسيات المقبلة كمخرج حقيقي من الأزمة وإرساء لدولة الحق والعدل..لا نرى من بداية لحل الأزمة إلا إطارالمرحلة انتقالية التي سبق أن عرفنا معالمها ووظائفها في وثائق الج.إ.إ.. هذه مقاطع من حوار مع رئيس المكتب التنفيذي المؤقت الدكتور مراد دهينة..


* ما هو تقييمكم لـ"عام آخر من الأزمة الجزائرية" -وهو عام 2003- هل منسوب الأزمة الآن صار في إنخفاض أم مازال في إرتفاع..بمعنى هل ترون الأزمة-مقارنة بما سبق- هل ترونها أمامنا أم وراءنا..؟

** بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم المرسلين. إن هذا اليوم يذكرنا بتلك الجريمة، التي ارتكبت في حق الجزائر شعبا ودولة، والنابعة من حماقة مجموعة متسلطة على رقاب الشعب الجزائري بالقوة والاحتيال. ولن أكرر في هذا المقام بالمخلفات الفضيعة لهذه الجريمة، فلا أظن أن هنالك جزائري لم تمسه شظايا هذه المحنة. ومع هذا فإن حجم الطامة التي سلطت على الشعب الجزائري لا بد أن يتبعها تحول جذري في بلادنا ولو بعد حين. وهذا فعلا ما يمكن أن نستقرأه من سنن تاريخ الأمم غير أنه من الصعب اليوم التكهن حول الموضوع المطروح، أي هل الأزمة أمامنا أم وراءنا، لأن أصل النظام الذي أحدث الأزمة لا يزال قائما إلى اليوم، ووصلت الصراعات إلى أوساط هذا النظام بالذات، وما أخشاه أن يدفع الشعب مرة أخرى تكاليف صراع ليس هو فيه طرفا. فالواقع يبين أن المشكلة الجزائرية ليست في الاصل اقتصادية - فخزائن الدولةر أن المستفيد منها ليس الشعب - ولا هي مشكلة "أصولية" أو "تطرف" وإنما هي عائدة إلى طبيعة النظام المتسلط على الجزائر والذي ينبغي تغييره. وأنا متيقن أن التغيير آت بإذن الله وأعتبر أن تأخره لا يعود إلى قوة النظام القائم ولكن إلى ضعف المعارضة وعدم نجاحها إلى حد الساعة في وضع خطة موضوعية لمواجهة هذا النظام ولكن ذلك سيأتي حتما بإذن الله لأن إرادة التغيير متوفرة لدى الشعب.


* بعض المفرطين في التفاؤل اعتبروا الافراج عن عباسي وبن حاج بداية لتجفيف ينابيع الأزمة..والخطوة الأولى على طريق المصالحة..لكن لحد الآن لم يحدث شيء..يل قيد الشيخان بممنوعات ..رغم السماح لـ"عباسي"للخروج من الجزائر لدواعي صحية ..كيف تقرأون هذا الموقف من السلطة..؟

** إن الشيخين وعشرات الألاف من إخواننا سجنوا ظلما واستُعمل القضاء الجزائري لخدمة مصالح الانقلابيين. ولا شك أن الإفراج عن الشيخين اعتبره الكثير بادرة خير ولكن سرعان ما ظهر مجددا مكر النظام وتماديه في أساليبه الدكتاتورية وكذلك مناوراته واستماتته في السعي لإسكات أصوات الأحرار والمخلصين من أبناء هذه الأمة. وما يتعرض له اليوم الشيخ علي بن حاج من ظلم وهضم لأبسط حقوقه ليجعلنا نتيقن - إن كانت هنالك حاجة لبرهان - أن هذا النظام لا يريد الخروج من الأزمة وهذا يرسخ لدينا ضرورة الوقوف في وجهه والعمل على تغييره وأنه بطبيعته هذه، خاصة إذا تمادى في غيه، لا يمكنه أن يكون شريكا يُعول عليه في حل الأزمة. فاستمرار مثل هذه المظالم يجعلني أعجب من أولئك الذين يتكلمون عن "المصالحة" التي اتخذها البعض ذرا للرماد وجريا وراء السراب. فإذا كان مطلب المصالحة لدى الشعب الجزائري واضح المعالم ويقوم على مفاهيم واضحة كواجب العدل وواجب الذاكرة وواجب الحقيقة فإننا لم نقف إلى اليوم على تعريف موضوعي للمصالحة عند النظام وأبواقه.
* أحدث لقاء عباسي في الجزيرة في برنامج "بلا حدود" وحديث عن مبادرة لفك الأزمة جدلا ولغطا كبيرا ..ففي الوقت الذي يقول فيه عباسي أن المبادرة قد سلمها للعسكر وجناح في السلطة ولبعض الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية ،إلا أن هذه الأخيرة نفت ذلك،ووصف بعضهم المبادرة بـ" الهلامية" وأطرافها مجرد أشباح..مارأيكم أنتم في المبادرة ..وهل تتصورون أن الأحداث قد تجاوزتها وأن عباسي مازال يفكر بعقلية التسعينات كما ذكرت نشرية الهيئة التنفيذية لـ"رابح كبير"..؟


** إن المبادرة التي أعلن عنها الشيخ عباسي سينشر تفاصيلها الشيخ عباسي بنفسه في المستقبل القريب. ولا شك أن الشيخ عباسي قام في الأسابيع الأخيرة باتصالات ومشاورات مع العديد من الشخصيات والهيئات قصد إثراء مشروع مبادرته. ومن بين الذين استشارهم الشيخ عباسي عدد من أعضاء الجبهة الاسلامية للانقاذ ولكن المبادرة تبقى مبادرته الشخصية. والجبهة الاسلامية للانقاذ كمؤسسة لا يمكنها أن تعبر الآن عن موقفها من هذه المبادرة قبل نشرها، فلكل حدث حديث. إن نضال الشيخ عباسي قد امتد على نصف قرن من الزمن وإذا كان من حق أي إنسان نقد ما قام به الشيخ عباسي فإنه ينبغي ابتداء الاعتراف للرجل بفضله وحرصه على خير الجزائر واستقلالها وأمنها وازدهارها، وأما الكلام عن ذهنية التسعينات فلا أراه قدحا، إن صح طبعا، بل أنني أطرح سؤالا : ما الذي يمنع الذين ينتقدون الشيخ عباسي من السعي بخطوات فعالة تعود بالخير على الأمة وهل انتبهوا هم إلى تبعات مواقفهم وأعمالهم؟ نحن لا نقدس الرجال ولكن لا نبخس الناس أشياءهم وسنبقى نعمل من أجل التزام الجميع بالعمل المؤسساتي والشورى الملزمة.


* تفاجأ الرأي العام بتكذيبكم ونفيكم للتوقيع على البيان الذي وقعته مجموعة من قياداتكم في حزبكم المحظور،والذي نشرته مجموعة من الصحف..نريد توضيحا أكثر لهذه المسألة وهل يعني هذا أنكم على خلاف مع مجموعة الداخل..؟

** البيان المذكور أمضي من طرف خمسة إخوة من المجلس الشوري للجبهة الاسلامية للانقاذ ولم أكن من بين الذين وقعوا عليه. وليس لدي تعليق على ما جاء فيه فهو عبر عن بعض انشغالات الإخوة، أما فيما يخص حل الأزمة الجزائرية فلا أعتقد أنها تحل بتطبيق "مصالحة بوتفليقة" لسبب بسيط وهي أننا لا نعلم ما تعني في الواقع، فكيف يمكننا أن نطالب بتطبيق شيء نجهل تفاصيله. وفي هذا السياق أود أن أندد بشدة على ما تعرض له الإخوة الموقعون على البيان، في داخل البلاد، من استدعاءات ومضايقات بوليسية. فمثل هذه التصرفات لا مبرر لها وهي ظلم في حق الإخوة ومن الناحية السياسية، نفهم منها أن أطرافا في السلطة لا تزال تعمل من أجل تعفن الأوضاع والوقوف أمام أي مسعى لحل الأزمة الجزائرية. ومن ناحية أخرى لا أعتقد أن الخلاف قائم بين الداخل والخارج بل أنه أكثر ما يطفو نتيجة للاضطراب التنظيمي وصعوبة الاتصال واستحالة التقاء أعضاء الجبهة الاسلامية للانقاذ في ظروف عادية. فوضع الجبهة الاسلامية للانقاذ غير عادي وإذا ما قارنا ما تذكرونه من خلافات في الجبهة الاسلامية للانقاذ بما يجري لأحزاب أخرى تتمتع بامتيازات هائلة لما بقي معنى للتحدث عن خلافات الجبهة الاسلامية للانقاذ. وهذا لا يعني أن كل أمور الجبهة الاسلامية للانقاذ تسير على أحسن مايرام فهنالك في نظري نقص في أداء الجبهة من حيث تنظيمها الهيكلي والالتزام العملي بنصوصها وقوانينها، وهذا يستدعي تجنيد كل أعضاء الجبهة الاسلامية للانقاذ لتحسين الأداء لأن عدالة القضية لا تكفي لوحدها للوصول إلى الأهداف والله أعلم.


* هل أنتم مع تأجيل الانتخاب ريثما تتم المصالحة بين الجزائريين..؟وإذا كان الأمر كذلك.. فهل يعني أنكم لا تزكوا أي أحد من المترشحين..خاصة وأن بعض الصحف تتحدث عن رغبة بعض الأجنحة في حزبكم لتزكية بوتفليقة بينما تتحدث أخرى عن تزكية "طالب الابراهيمي"..كيف تعلقون..؟

**إن تأجيل الرئاسيات في إطار مسعى جاد يشترك فيه كل الجزائريين لحل أزمة البلاد أمر فيه إيجابيات ولا شك. وهل هنالك معنى لرئاسيات تنظم تحت حالة الطوارئ التي تكبت الحريات ؟ إن المنحى الذي أخذه سباق الرئاسيات لا يبشر بخير وقد يكون الخاسر الأكبر مرة أخرى هو الشعب الجزائري. ولا أرى معنى لتزكية أيا من المترشحين الذين ذكرت بناء على ما نملكه من معطيات ولا زلنا نطالب بفتح صفحة جديدة للجزائر ولم لا بوجوه جديدة تكرس القطيعة مع النظام الحالي ولكن الثابت لدينا إلى الآن هو أن الانتخابات التي ذكرت لا تتوفر فيها شروط النهوض بالامة والخروج بها من أزمتها.


* يقول بعض المراقبين لمسار حزبكم أن الخلافات بين قيادات حزبكم وصلت الى ذروتها، وأن الانتخابات الرئاسية ستفجر حزبكم..فهل هذه الخلافات قائمة فعلا ..وإذا كان الأمر كذلك، فهل هي خلافات في منهجية العمل الجديدة ..أم خلافات في المصالح..أم ماذا..؟

** إن الخلافات داخل الجبهة الاسلامية للانقاذ منها ما هو طبيعي وداخل في مراحل الحوار الداخلي ومنها ما يجب معالجته بكل حزم وفقه. فإذا كان الصراع في التسعينات مرده إلى أسباب أمنية - بحكم تواجد أعضاء دخلاء من صفوف المخابرات - أو فكرية كالانتماء إلى المدارس الدعوية (سلفية ، بناء حضاري، إخوان، الخ..) فالأمر يختلف اليوم. فالخلاف لم يعد فكريا لسبب انتماءات حركية سابقة بل يعود إلى التصور المنهجي للعمل الحزبي أو الجماعي. وقد صعب على بعض إخواننا استيعاب هذا التغير والمتطلبات الجديدة للعمل الناجع، وبالفعل هذا ما لاحظناه عند انعقاد مؤتمر الشهيد حشاني، رحمه الله، وإصرار البعض على عدم المشاركة أو عدم الاعتراف بنتائجه وحرصهم على الإبقاء على الاضطراب التنظيمي، مهما كانت مبرراتهم. وقال بعضهم أنهم يفضلون عقد مؤتمر عند استتباب الأمور وحل الأزمة وهذا خطأ فادح لأنه لا يمكن أن تحل الأزمة بطريقة حقيقية وعادلة بدون وجود معارضة منظمة تكون في مستوى التحدي من الناحية المبدئية والمنهجية والتنظيمية، وأول التشكيلات التي يُعول عليها لإحداث التغيير الجذري هي الجبهة الاسلامية للانقاذ. إنه يترتب على الجبهة الاسلامية للانقاذ أن تكون في مستوى الحدث وأن ترتب بيتها وإلا فقدت مصداقيتها، قال تعالى :"وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". وهذا الكلام ليس مصدره اليأس، كلا! وإنما هو تعبير عما يحس به الكثير من إخواننا وقياما بواجب النصح الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، ولي ثقة في الله أنه سبحانه سيهيأ لهذه الجبهة الظروف التي تمكنها من تحسين أدائها وفاء لمبادئها وعشرات الآلاف من خيرة أبناء هذا الشعب الذين دفعوا أرواحهم في سبيل الله. . ومن ناحية أخرى لا أظن أن هناك في الوقت الحاضر صراعات من أجل المصالح لأن الوقت الآن ليس بوقت المغانم بل هو زمن التشريد والمعاناة. وفي ختام هذه النقطة أود التركيز على أنني لا أحمل أي شخص - من الجبهة - مسؤولية النقائص التي نعيشها في الجبهة، بقدر ما أركز على ضرورة إصلاح طرق العمل والتنظيم التي لا بد لها أن ترقى إلى مستوى الأمانة والتحدي.


* ماهي قراءتكم للصراع الحاصل بين جناحي جبهة التحرير الوطني "جناح بن فليس-وجناح التصحيحيين-؟

**إن ما يقع للأفلان اليوم نتيجة للسكوت أمام ظلم أعظم بكثير وقع فيما سبق. والمشكلة ليست في شخص بوتفليقة فقط كما يريد تصويره بن فليس، وإنما المشكلة في طبيعة النظام الذي يسود الجزائر والذي يقوم على تصفية الخصوم السياسيين واستعمال وسائل الدولة والعسكر لقهر المعارضين. ومن جهة أخرى ألا يحق لنا أن نتساءل : ما هو الظلم المسلط على بن فليس مقارنة لما وقع بالجبهة الاسلامية للانقاذ؟ فإذا كنا لا نقبل الظلم مهما كان مصدره ومهما كانت الضحية - وهذا الذي عبر عنه الشيخ بن حاج عند زيارته لمقر جبهة التحرير - فإننا نرجو أن تكون هذه الأحداث بمثابة منبه ورجوع إلى الرشد والسعي الجاد لحل أزمة البلاد وهذا يفرض على الجميع أن يعترفوا بأخطائهم السابقة، بما فيهم بن فليس الذي كان يساند بوتفليقة ورتب اتنخاب مرشح "الإجماع" في 1999. والأمر الذي ينبغي أن يعالج على الفور هو طرح القضايا الكلية التي أصبحت تهدد الجزائر في مستقبلها كدولة.


* أعطى قائد الأركان ضمانا بحياد الجيش في العملية الانتخابية، وأن الاستحقاق القادم سيكون نظيفا ونزيها، مما سيعطي صلاحيات واسعة للرئيس الجديد في فك عناصر الأزمة..ألا تعتقدون أن الانتخاب النظيف صار بديلا عن المصالحة..وأن الرئيس المعبر عن الارادة الشعبية هو القادر فعلا على تذويب كتل جليد الأزمة مهما كان حجمها؟

**لا شك أن الجزائريين يتمنون سلطة منتخبة بحرية وفي شفافية وتلتزم بحقوقها وواجباتها الدستورية. غير أن المشكلة اليوم هي أن هذا يعد حلما لا واقع له ما دام العديد من الاحزاب والمرشحين يتذللون أمام العسكر وينظرون إليهم كالآلهة والعياذ بالله! ولا زلت أعتبر أنه ينبغي إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام الجزائري يكرس القطيعة مع النظام الحالي. فإذا كان من الاكيد أن الجزائر قطعت أشواطا كبيرة في الطريق نحو نظام يكفل الحريات - وذلك بفضل تضحيات الشرفاء - مقارنة بالدول الاسلامية الأخرى، إلا أنني أعتبر أنه من السذاجة اعتبار الرئاسيات المقبلة كمخرج حقيقي من الأزمة وإرساء لدولة الحق والعدل. فهنالك مقدمات ضرورية يجب أن تسبق أي انتخابات رئاسية أو غيرها ولا نرى لها إطارا في الوقت الحالي غير إطار مرحلة انتقالية قد سبق أن عرفنا معالمها ووظائفها في وثائق الجبهة الاسلامية للانقاذ.

* الصورة نقلا عن موقع اسلام أون لاين

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية