أجرى الحوار عبد الباقي صلاي:
الدكتور أحمد بن محمد خريج جامعة السربون ، من المنظرين للحركة الإسلامية في الجزائر كما يعد من القلائل الذين وقفوا أمام تعنت السلطة الجزائرية بمساهمته في الوقوف ضد من وقفوا ضد خيار الشعب الجزائري في 1991. شارك في سانت ايجيديو مع القوى الفاعلة في البلاد سنة 1994. أسس حزب الجزائر المسلمة المعاصرة قبل أن تحل من طرف السلطة في 1996.
- المنازلة الرئاسية شبه مغلقة ويتحكم فيها من وراء البحار
- مشاكل الجزائر أكبر من أن يحلها الجماعة الذين سحبوا الاستمارات من الداخلية
- شيراك عدو الحجاب لأنه افرنجي -قاوري -
- آه.. لو كان القبائل نفس التعلق بالمشروع الاسلامي
ظاهريا، تقلصت الأزمة، فالدماء لم تضح تسيل كما كانت من قبل ، ولكن الإشكالية تكمن أيضا في أن إراقة الدم البريء خسارة وحرقة مهما كانت الكمية.
ثم إن الجزائر تبدو وكأنها أيضا أسيرة مضاعفات السنين الماضية: الأحقاد، اليأس، كره الذات، الانفلات العام ، دولة ومجتمعا وأسرة وفردا.. وإن لم تتغير الأحوال في الأمد المتوسط، فإن خطر الانتحار الجماعي يتهدد الأمة ولن ينجو من ذلك غدا لا حاكم ولا محكوم..
- يرى بعضهم أن أداء الإسلاميين غدا سيئا أكثر من أي وقت مضى .. فمن الانقسام والتشتت ،إلى التخوين ونشر الغسيل عن بعضهم .. إلى الضحالة السياسية وعدم استيعاب أدوات وتحديات الصراع.. إلى القحط الروحي والجفاف العاطفي.. ما تعليقكم على هذا الرأي.. و كيف الخروج إلى آفاق واعدة تعيد لأجيال الصحوة ثقتهم في المشروع الحضاري الإسلامي الكبير..؟
العلة موجودة فينا جميعا، لكن جزءا من مأساة الحركة المستطابة، أن القاعدة أقل إصابة بالداء من القيادات، فالمربون مرابون :ربا أخلاقيا وسياسيا وفكريا..
وعوض تحويل ملايين "الصحوة" العفوية-ذات التدين الخام- إلى حركة واعية بـ "أدلجتها" و"أخلقتها"، فإننا أصبحنا نأكل من "رأس المال" أي مما أفرزته ربانيا، سنوات العمل الرسالي الطيب قبل وبعيد أحداث أكتوبر.. تصور أن ثلاثة أحزاب إخوانية -رغم جهودها- لم تستطع خلال التشريعيات والمحليات الأخيرة أن تحافظ على نتيجة 91، قبل الانقلاب.. لايزال الشارع "إسلاميا" في ولائه ولكنه يريد وجوها ثقات.. المسلمون في الجزائر يحبون الدواء -الشفاء الإسلامي- فهل يحبون "الأطباء" نفس الحب؟ علينا أن نجيب بأعمالنا المستقبلية.
- توشك أن تنتهي عهدة بوتفليقة بعد أيام .. ماهو تقييمكم لأداء حكمه، وكيف تنظرون للرئاسيات المقبلة..؟ وهل يمكن أن تكون بداية لحل الأزمة الرهيبة التي تعيشها الجزائر..؟
الله تعالى وحده يعلم "أسوأ رئيس" حكم الجزائر، في هذه السنوات الأخيرة، نقص الدم، وزاد البؤس واليأس، مع الأسف إن الجزائر العظيمة تستحق رئيسا أكبر من الذين مروا على المرادية، ومشاكلها أكبر من أن يحلها الجماعة الذين سحبوا الاستمارات من الداخلية، الرئاسة ليست لعبة، وكيف يقدر عليها أهل الخردة السياسية أو البلح الذي يحسب نفسه تمرا ،بل رطبا جنيا؟
لابد للأمة من رجال في عشر تقوى عمر،وفي كفاءة كلينتن أو كيندي، كيندي خريج هارفرد، وكلينتن خريج جورجتاون،وهما لم يكونا جنرالين متقاعدين أو وزيرين عند "بن جديد" ولا طالبين عاديين ..فمتى يفهم الناس جميعا أقدارهم..؟
- هل يمكن أن يفاجأ الجمهور بترشح الدكتور" أحمد بن محمد" كشخصية مستقلة للرئاسيات مادام حزبكم مازال مجمدا..؟ وإذا كان الجواب بالنفي نرجو تعليل ذلك..؟
المنازلة الرئاسية شبه مغلقة، ويتحكم فيها من وراء البحار، ومن وراء الستار، ومع ذلك لا ضير في اغتنام الرئاسيات للدفع بالمشروع الطيب إلى الأمام لتحقيق التغيير النفسي، السياسي، حتى تمن العناية الإلهية بالتغيير الهيكلي في الجاهلية الممأسسة، وتلك كانت إحدى غايات "الممانعة" عام 95، بعد سانت ايجيديو.. ولقد تفطن لها النظام فمنع صاحبها من الترشح، وتغافل عن جداوها الذين حاربوها من جماعة روما قبل أن يهرول الكثير منهم لمبايعة مرشح النظام في نوفمبر 95، بعد الإعلان الرسمي عن "فوزه" ..أما اليوم فلا فائدة كبرى - إلا الفتات- من جهود طلب العنف وهو في حالة حصرم..والحرب سجال والأيام أول، قد خلا لك الجو يا يا قنبرة ولكن إلى حين.
- ماهو تقييمكم للمعارضة الجزائرية؟ وهل قوة السلطة هو من ضعف هذه المعارضة كما يقولون..؟ وهل تستطيع مثل هذه المعارضة إزالة النظام بالانتفاضة السلمية..؟
- أما المغارضة -بالغين المعجمة- فقد وضعها النظام في جيبه إذ تم شراء النقابي، والوطني، والشاب، والضحايا والتروتسكي، والليبرالي وغيرهم.. أما المعارضة الحقيقية فهي إما مشتتة وإما نرجسية، وإما متعبة، ولكن الخير فيها باق رغم تشتتها.. وقد تفاجئ الناس غدا عبر التغيير الجذري المنشود.. النظام طال عمره السياسي اصطناعيا بالحيلة وبأخطاء المعارضة الحقيقية وبخطايا جزء كبير منها بعدما أساء استعمال "المخالبة" -المخالب-.
- ماهي وجهة نظركم في مبادرة الشيخ عباسي .. وما تعليقكم على دعوة الآرندي إلى إعادة محاكمة الشيخ عباسى على ما ورد في هذه المبادرة..؟
المشروع المقدم يعاني - رغم النية الطيبة- من الميقات ، ومن غياب الشيخ أحمد سحنون وغير ذلك..
- دعوة الرئيس شيراك إلى منع الحجاب في المدارس الفرنسية وتداعيات هذا الحدث .. ما تعليقكم..؟
وعلام البدء بانتقاد شيراك، وقد حورب الحجاب -ولايزال- في تونس وجزئيا في الجزائر؟ شيراك عدو الحجاب لأنه افرنجي-قاوري-، فما بال أصحاب البشرة السمراء عندنا-أي المستقورين-؟ أتخلفا ومسخا..؟
- أربع سنوات مرت على إقرار قانون الوئام المدني.. ماهو تقييمكم الاجمالي لهذا القانون ولسياسة الوئام..؟
"الوئام" ليس منة من نزيل المرادية، فالنزول من الجبل كان منذ 97 بفعل موازين القوى ، عفوا موازين السنن، المظلومون عندما أساؤوا الانتقام، نقصت مظلوميتهم، وهذا في أحسن الحالات ..وعندئذ ينقص -أو يتوقف-المدد الغيبي ويبقى عالم الشهادة وحده شغالا، والويل للضعاف حينئذ، فالسنن لا تشفع..
- حوار الحكومة مع العروش وقبول الحكومة بشروط العروش.. ما تعليقكم.. ؟
آه.. لو كان للقبائل نفس التعلق بالمشروع الاسلامي، وآه.. لو كان للإسلاميين تلك الثقافة المدنية التي يتمتع بها المسلمون جميعا في القبائل، وقد أسهمت تلك الثقافة المدنية، مع غيرها من العناصر في تركيع السلطة قبيل الرئاسيات. ..فمن حق القبائل ألا يدفعوا الكهرباء مادام اللصوص الصغار والكبار لا يدفعونها، ولكن أليس ذلك أيضا من حق المستضعفين في الولايات الأخرى..؟ بعض لصوص البواخر لا يدفعون لا بنزينا ولا كهرباء، ويدفعها المعلم صاحب المليون سنتيما في الشهر؟ لن تدوم طويلا يا ظلم.. ولن تعمر طويلا يا ظالم..
- كيف تتصورون المشهد الجزائري القادم.. وهل أنتم متفائلون..؟
المسلم متفائل.. وهذا النظام سيزيله ظلمه "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا".. بأي وسيلة؟ بأية طريقة؟ لا أفضل من أرخص الأثمان: تغييرا جذريا سلميا ..
فلقد سالت الدماء البريئة بغزارة وبدون جدوى عمومية.. ثم إن الظالمين ألعن من أن تسال في إزالتهم أية قطرة دم إضافية.. إن الدم المسلم الجزائري وغير الجزائري.. غال غال ..التغيير بدون دم آخر.. إنها الهندسة السياسية وإنها الكيمياء النفسية وغير ذلك..