إستطاعت الولايات المتحدّة الأمريكية وعبر أجهزتها الأمنية بمختلف عناوينها أن تنقل الهاجس الأمني الكبير الذي يتحكّم في مسلكيتها السياسية والذي أوجدته أحداث سبتمبر – أيلول إلى العواصم الغربية والتي راحت أجهزتها الأمنية ترتّب أوراقها وتفتح كافة الملفات القديمة والجديدة وتعيد رسم خارطة وضع المسلمين تحت المجهر في هذا البلد الغربي وذاك . و إذا كانت العواصم الغربية تبدي إحترامها لحقوق الإنسان وقوانين الدمقرطة السائدة فيها , إلاّ أنّها لا يمكنها الإفصاح عن الترتيبات الأمنية المتخذّة و الخطوات المدروسة لمراقبة تحركات المسلمين وتحديدا الملتزمين و الحركيين منهم .
و الخطوات المتخذّة لوضع المسلمين تحت المجهر كثيرة ومنها :
المعروف أنّ المسلمين في الغرب حصلوا على حقّ الإقامة في الغرب إمّا عن طريق اللجوء السياسي أو الإنساني و هؤلاء الأغلبية و تتوفّر ملفاتهم مع تفاصيل مملّة عن ماضيهم السياسي والحركي والفكري والإنتماء الديني وكل الملفات موجودة لدى دوائر الهجرة و الأجهزة الأمنية وهذه الملفات مفتوحة دوما لتضاف إليها كل النقاط الصغيرة والكبيرة من المهد وإلى اللحد والمتعلقة بهذا اللاجئ , و للإشارة فإنّ كل لاجئ حصل على حقّ الإقامة في هذه الدولة الغربية أو تلك له مسؤول يتابع أخباره من الجهاز الأمني في هذا البلد أو ذاك دون أن يعرف ذلك اللاجئ .
و إذا إحتاج هذا الجهاز الأمني إلى معلومة أو إستكمال البحث في شأن تقرير وارد من دولة غربية أو عربية بشأن هذا الشخص يقوم هذا المسؤول بإستدعائه بطريقة مؤدبّة طبعا وبأسلوب مغاير لأساليب الأجهزة الأمنية في البلاد العربية .
وبقية المقيمين المسلمين أو المتجنسين فإما حصلوا على الإقامة عن طريق الزواج أو جمع الشمل وما شابه وحتى لهؤلاء ملفات كاملة في دوائر الهجرة والتي هي واجهة للأجهزة الأمنية , و بالتالي فإنّ ملفات المسلمين مفتوحة ومعروفة بدقّة للأجهزة الأمنية التي تقررّ فيما بعد من الأولى بالمراقبة و التنصت على مكالماته وتتبّع تحركاته .
وبعد الحادي عشر من سبتمبر – أيلول باتت الأجهزة الأمنية الغربية تعمل بمقتضى قانون الإرهاب الذي أطلق يدها وأعطاها صلاحيات واسعة جدّا .
وعندما تقررّ الدوائر الأمنية وضع شخص تحت المجهر أو مجموعة بكاملها تحت المجهر فإنّها تسخّر كل الإمكانات للتقصّي عنه و قد سمحت لها التقنية الأمنية المتطورة من معرفة أدق التفاصيل المتعلّقة بهذا الشخص أو المجموعة , بمن يتصل هذا الشخص , لمن يرسل البريد الإلكتروني , وأي الرسائل يستقبل , ومتى يخرج من بيته ومتى يتواجد في هذا المسجد أو ذاك !
وما إلى ذلك من التفاصيل الدقيقة , و أحيانا تستعين الأجهزة الأمنية الغربية بأشخاص عرب ومسلمين لجمع تقارير عن هذا أو ذاك , و كثيرا ما توظّف الأجهزة الأمنية الغربية عربا ومسلمين لجمع معلومات عن إخوانه العرب والمسلمين مقابل مكافآت مادية أحيانا أو مقابل الغضّ عن بعض الإنتهاكات للقانون الغربي والتي يقترفها هذا العميل في مجال تسديد القروض أو التحايل على مؤسسّات الدولة وما إلى ذلك .
وأثناء قيامنا بهذا التحقيق صرحّ العديد من المستجوبين الإسلاميين أنّ أجهزة الإستخبارات الغربية كانت تعرف عنهم كل صغيرة وكبيرة حتى في بعض التفاصيل التي كان على علم بها أشخاص من الدائرة الضيقة من رحم هذا الشخص أو ذاك .
وقد روى شخص شيعي من العراق حققّ معه جهاز أمني غربي أنّه سئل عن المقلّد الذي يقلدّه هل هو السيستاني أو باق على تقليد أبي القاسم الخوئي !
و بالإضافة إلى هذه الأساليب فإنّ معظم المساجد والمراكز الإسلامية مرصودة بشكل كامل ويتم التنصّت على مجمل المكالمات التي ترد إلى المسجد أو تخرج منه , بالإضافة إلى المؤتمرات الإسلامية التي تقام في العاصمة الغربية أو تلك .
وإذا شعر هذا الجهاز الأمني أنّ هذا المسلم مهم ويملك معلومات معينة فإنّه يتنصّت عليه لكي تمتّص معلوماته دون أن يشعر , وأحيانا تقوم الأجهزة الأمنية الغربية وبطريقة ذكيّة بإدخال شخص عربي أو مسلم إلى دائرة هذا المرصود وعندما يستأنس المرصود بالدخيل يشرع الدخيل بطرح عشرات الأسئلة على هذا المرصود وطبعا الأجوبة تحفظ في أشرطة خاصة و تصففّ في خانة الذين يخدمون الأجهزة الأمنية الغربية مجانا .
وحتى رسائل الفاكس تراقب بإحكام إلى درجة أنّ مترجما عراقيّا ذكر لي أنّ جهاز أمني غربي عرض عليه التعامل معه على أن يقوم بترجمة رسائل الفاكس و رسائل البريد الإلكتروني أو بيانات معينة من اللغة العربية وإلى اللغة الغربية , و في هذا السيّاق يشار إلى أنّ كل الأجهزة الأمنية الغربية وفي مطلقها تستعين بجيش عرمرم من المترجمين العرب والمسلمين , وبعضهم يعمل ضمن ملاك هذه الأجهزة ويتقاضى راتبا كبيرا شأنه شأن أي ضابط إستخبارات غربي .
ويشترط في هذا المترجم العربي الذي يترجم للأجهزة الأمنية الغربية أن تكون فيه نفس مواصفات رجل الإستخبارات الغربي من تحلل وتفسخ وعدم الإيمان بالقيّم والمبادئ , والعجيب أنّ هذه الأجهزة وعندما يتعلّق الأمر بقضية إسلامي أو قضية مسلمين تستعين بمترجمين عرب مسيحيين من العراق أو لبنان أو سوريا حتى تكون الخدمة كاملة و على أتمّ وجه .
وغير هذه الوسائل المعتمدة في جمع المعلومات عن المسلمين فهناك التقارير المتبادلة بين كل الأجهزة الأمنية الغربية حيث هناك تعاون مكثف ووفق شيفرات خاصة بالحاسوب ويكفي أن يطلب رجل الإستخبارات البريطاني معلومة ما من زميله الدانماركي ليصله ما يريد في ظرف ثواني و عبر طرق إلكترونية متطورة للغاية .
كما أنّ هذه الأجهزة الأمنية الغربية باتت تستعين بأرشيف الأجهزة الأمنية العربية المفتوح دوما للدوائر الغربية وخصوصا عندما يتعلّق الأمر بمحاربة الإسلاميين .
ولم تكتف الأجهزة الأمنية الغربية بهذا الرصد للعرب والمسلمين من الأصول العربية والإسلامية بل بدأت هذه الأجهزة ترصد المسلمين الغربيين الذين إعتنقوا الإسلام عن طريق البحث والدراسة خوفا من إلتزامهم بالإسلام الحركي و إحتمال أن يؤثّر ذلك على مستقبل الغرب في حدّ ذاته !
و تحاول هذه الأجهزة ومؤسساتها الفكرية والتحليليّة الغوص في المصادر الفكرية و الإعلامية التي يعتمد عليها هؤلاء المسلمون من الغربيين من قبيل صفحات الإنترنت – الويب – باللغات الغربية و الكتب الإسلامية المترجمة في محاولة لمعرفة طرائق تفكير هذا الإنسان المسلم الغربي الجذور والمواطنة .
وبقيّ القول أنّ مؤسسّات الأبحاث التابعة للأجهزة الأمنيّة الغربيّة توظّف غربيين من خريجي معاهد الإستشراق واللغات العربية والفارسية والتركية والكرديّة عندما يتعلّق الأمر بتشريح العالم العربي والإسلامي الذي يشرّح فكريا في أعلى المستويات الغربيّة ويراد تشريحه جغرافيا من خلال تفتيته إلى دويلات كما تقضي الإستراتيجية الغربية الجديدة !!!