لا يزل أصحاب المنازل والمحال التجارية الواقعة في شارع القدس يراقبون أعمال بناء جدار وتجريف الشارع وتمهيده لوضع المكعبات الإسمنتية بوجوم وصمت، يخيم عليهم يأس وإحباط من إمكانية التصدي لقوات الاحتلال ومنعها من العمل، سيما وأن قوات كبيرة تنتشر في كل مكان وتمنع المواطنين من الاقتراب من الأعمال والمعدات وتتعامل معهم بطريقة إرهابية همجية.
المواطن رامي السلايمة أحد سكان البلدة يقول:"يصلون الليل بالنهار، المعدات الإسرائيلية تعمل على مدار الساعة، يدمرون كل شيء، أحلامنا ومشاعرنا ومستقبلنا، لا سبيل لنا للحياة بعد الانتهاء من إنشاء الجدار، خصوصا أنه سيحول دون تمكن الأهالي من الوصول إلى مدينة القدس التي نعمل فيها".
ومن جانبه يرى المواطن خالد غزاونة ان الفلسطينيين تظاهروا في كل مكان جرى فيه بناء الجدار ولكن دون جدوى، حيث جرى تشييد الجدار رغم كل هذه المظاهرات ورغم سقوط الشهداء كما حدث في قرية بدو شمال غربي القدس المحتلة، وأن الإسرائيليين يفعلون ما يحلو لهم.
في هذا الإطار يخشى الآلاف من الفلسطينيين القاطنين في الأحياء الشمالية والشرقية من مدينة القدس، الذين سيفصلهم الجدار عن مدينتهم من قيام إسرائيل بحرمانهم من دخول القدس تحت حجج وذرائع واهية، قد تختلقها في المستقبل لفصلهم بشكل دائم عن مدينتهم.
ربحي أبو ارميلة المواطن الذي يقطن في بلدة بير نبالا شمال القدس المحتلة يري أن إسرائيل تهدف من وراء هذا الجدار إلى رسم الحدود النهائية لمدينة القدس لتكون عاصمة لها وتكون خالية من السكان الفلسطينيين، الذين اضطروا لهجرها بفعل المضايقات والممارسات السادية المرتكبة بحقهم، مشيرا أنه كان يقطن في السابق داخل القدس المحتلة واضطر للرحيل بسبب المضايقات التي تعرض لها.
سكرتير المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي وفي مؤتمر صحفي عقده في رام الله منتصف حزيران الماضي اعتبر ما يجري في منطقة القدس خطير جدا، وعبارة عن عملية تطهير عرقي تطال 271 ألف من سكان المحافظة، بما فيهم 80 ألف شخص ممن يحملون الهويات المقدسية.
ومن جانبه أوضح خليل التيفكجي خبير الخرائط في بيت الشرق الذي تحدث من مكتبه في بلدة الرام أن إسرائيل تسعى لحسم الصراع الديمغرافي في القدس لصالحها، وذلك بإخراج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن طريق فصل أحياء كاملة عن المدينة المقدسة.
وأشار أنها تعمل على خفض نسبة الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس من 35% حاليا إلى 22% من مجمل عدد سكانها، موضحا أن فصل حوالي 150 ألف فلسطيني يعيشون في تلك الأحياء المقرر فصلها جاء بهدف إخراج المدينة المقدسة من دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ونوه التيفكجي إلى أن الفلسطينيين لن يجدوا شيئا يتفاوضون عليه مع إسرائيل بشأن القدس بعد فصل أحيائها الفلسطينية ونشر المستوطنات الإسرائيلية في وسط ومحيط ما تبقى منها.
وحذر مسؤول الخرائط من مخطط إسرائيلي يهدف إلى حسم الصراع الديمغرافي مدينة القدس بعد حسم الصراع الجغرافي بشكل مطلق حاليا حيث حددت حدود البلدية بالكامل.
وأوضح أن إسرائيل عمليا واستيطانيا ألغت القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، عبر عملها على تفريغ المدينة المقدسة لصالح المستوطنين، لافتا أنه يرى مستقبل القدس أسودا خصوصا مع مشروع شارون لابتلاع المدينة الذي وضعه عام 1990 وينفذه الآن في ظل صمت عربي دولي وعجز فلسطيني.
ويرى رئيس مجلس محلي الرام سرحان السلايمة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشرع في بناء الحاجز بارتفاع 4.5 متر، أي أعلى من جدار برلين، وسيفصل 60 ألف من الأهالي عن أماكن عملهم ودراستهم وعن المستشفيات وحتى المقابر التي يتم دفن موتاهم فيها.
وأوضح رئيس المجلس أن آلاف المواطنين سيضطرون لعبور حاجز قلنديا الذي أعلنت قوات الاحتلال أنها ستحوله إلى حاجز مركزي كما حاجز إيرز وما يعني مزيدا من المعاناة اليومية ذهابا وإيابا من وإلى المدينة، الأمر الذي دفع آلاف الفلسطينيين إلى هجر البلدة إلى داخل القدس المحتلة تخوٍفا مما هو قادم.
وأكد السلايمة أنه بالنسبة للتجار على جانبي الشارع الممتد من ضاحية البريد إلى قلنديا الذي يستهدفه الجدار، فان الحياة تبدو شبه كارثية، إذ ان بعضهم لديه محال تجارية على الجانب الذي سيتحول إلى منطقة ضفة غربية، فيما بيوتهم على الجانب الآخر من الشارع الذي سيصبح منطقة قدس أو العكس، ومن الآن فان عليهم الاختيار ما بين محالهم التجارية أو منازلهم، ولن يكون زبائنهم من جانبي الشارع كما كان عليه الوضع حتى الشروع في بناء الجدار.
من جانبه يرى التيفكجي أن إسرائيل تهدف من وراء الجدار الذي تحيط به القدس حاليا تحقيق حلمها في القدس الكبرى عبر ضم كل استيطانية ضخمة إليها، بينما تقوم بإخراج العرب المقدسيين وسلخهم عن مدينتهم، خصوصا في الأحياء الشمالية والشرقية.
كما أن الاستمرار في بناء الجدار يعني حرمان عشرات الآلاف من سكان الرام وضاحية البريد من الخدمات الصحية التي يحصلون عليها في القدس، باعتبارها أقرب المدن إليهما.
وفي هذا الإطار قال الدكتور أحمد مسلماني مدير عام مؤسسات لجان العمل الصحي في بيان صحفي له بتاريخ 21 حزيران، إن جدار الرام سيجعل من الصعوبة بمكان وصول الخدمات والأطقم الصحية لعشرات الآلاف ممن سيعزلون وراءه وإمكانية حصولهم على التطعيمات المخصصة لهم، الأمر الذي يهدد حياتهم بالخطر.
وأضاف أن العيادات الموجودة داخل الرام لن يكون باستطاعتها توفير الاحتياجات الصحية للمواطنين، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر، لأن البلدة ستتحول إلى "غيتو" معزول ومقفل ببوابة يتحكم بها جنود الاحتلال.
وأشار د. مسلماني، إلى وجود 300 مريض أعمارهم فوق الخمسين عاماً، إضافة إلى 1200 مواطن تزيد أعمارهم عن الـ 65 عاماً، يسكنون في شمال القدس، حيث يشكل مرضى السكري النسبة الأكبر من بين مجموع المرضى.
وقال:إن مرضى السكري والضغط والقلب وأمراض الدم والسرطان والفشل الكلوي والأمراض النفسية والعصبية، يحتاجون إلى متابعة ومراجعة في مستشفيات ومراكز القدس الطبية وهو ما ينطبق على مرضى العيون وحالات الولادة، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد المواليد سنوياً في الرام وضاحية البريد وكفر عقب وقلنديا وسميراميس يصل سنوياً إلى 4500 مولود 95% منهم يتم وضعهم في مستشفيات القدس، هذا إضافة إلى تسجيل 400 حالة حمل خطر سنوياً بحاجة إلى متابعة دقيقة في شمال القدس.
وفيما يتعلق بالأطفال قال مسلماني أن 8000 طفل من سكان المنطقة بحاجة إلى تلقي التطعيمات سنوياً، إضافة إلى ألفيّ طالب مدرسي في المرحلة الأساسية.
وفي حديثه عن التعليم أكد التيفكجي أن الجدار سيسبب كارثة تعليمية في المدينة، حيث سيضطر آلاف الطلبة في الرام وضاحية البريد والقرى الواقعة خارج الجدار إلى هجر مدارسهم هناك والانتقال إلى مدارس جديدة داخل المدينة، وهو ما سيسبب اكتظاظا كبيرا في تلك المدار المستأجرة والتي ترفض سلطات الاحتلال السماح بتطويرها.
وفي سياق متصل حذرت مؤسسات لجان العمل الصحي من خطورة الجدار في محيط بلدة الرام وضاحية البريد على الحياة الأكاديمية للطلبة، خاصة وأن 70% من الطلبة والطالبات في شمال القدس أي 3200 من مجموع طلبة المنطقة يتلقون تعليمهم في مدارس تابعة للمعارف والبلدية وعددها 19 مدرسة، إضافة إلى 21 مدرسة خيرية وأهلية ووقفية.
كما يطال خطر الجدار 820 طالباً من ذات المنطقة، يدرسون في الكليات والمدارس الصناعية والحرفية، والتي باتت خلف الجدار، إضافة إلى تهديده للحياة الأكاديمية لطلبة الجامعات والمعاهد المتوسطة، وإعاقة وصول700 مدرس ومدرسة إلى شمال القدس يومياً، وخروج 520 مدرساً ومدرسة للذهاب إلى مدارس يعملون بها في مناطق أخرى.