يحمل السعودي صالح العواد(25 عاماً) يوميا ساقيه النحيلتين وكوب قهوة ساخن وكمبيوتره المحمول الى مكتبة فيرجن في رئة مدينة سولت ليك سيتي حاضرة ولاية يوتاه(غرب أميركا)، يهبط إلى الأسفل وتحديداً الى زاوية قصية لايسكنها أحد، يضع جهازه والأقلام الملونة التي تملأ جيوبه على الطاولة الخشبية الصغيرة، يمسح الكرسي بمنديل أزرق لايتغير، يذهب إلى دورة المياه يمشط شعره ويحدق في المرآة بقلق مخبوء في عينيه، ثم يعود إلى زاويته في مشهد يومي!
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/neil.jpg[/IMG]
يلتقط كتابا مختلفا كل يوم، يرتشفه والقهوة بمتعة يلحظها أي مراقب يمر بجواره في المكتبة او الشارع...
هذه المرة الابتسامات تحولت إلى دموع عانقتها الطاولة الباردة، لم يعد كتاب صالح إلى الرف كعادته اليومية، تأبطه برفق وحمله و جهازه إلى المحاسب ليدفع ثمنه مخلفا وراءه الأقلام والدموع المالحة التي توزعت بإنتظام وتناسق على الطاولة...
صالح يتحدث عن الكتاب لـ ( إيلاف ): " الفصل الثالث مؤلم، شعرت أن الثقوب تتفاقم في جلدي، أثناء قراءتي كنت أنزف بغزارة".
( أكثر من نقود ) لمؤلفه الأميركي نيل كافوتو ليس كتابا في التجارة كما يشير عنوانه الرحب بل كتابا يروي تجارب مريرة مر بها المؤلف الشاب الذي انتصر على السرطان وحاليا يقاتل مرض الكبد الوبائي، نيل الذي يقدم برنامجا جماهيريا على قناة فوكس منذ عام 1996م ويبتسم بسخاء شاسع ويعلن أسنانه الناصعة في برنامجه التلفزيوني أبكى الكثيرين في كتابه الأزرق كما خرج غلافه المريب والساحر.
ينقل كافوتو مأساة رجال الأعمال الذي خسروا أموالهم وأبنائهم في مركز التجارة الذي دمره الارهابيون، كتب عن مقابلة أجراها مع رجل اعمال ناجح يدعى ( دوفي ) خسر نحو 70 عاملا في مكاتبه فضلا عن ابنه وزوج ابنته، روى في كتابه المثير مكالمة أجراها أحد ضحايا سبتمبر الأسود ويدعى بوب بالنر مع زوجته عندما شاهد المبنى المقابل ينشطر ويتحطم ، تقول زوجة بالنر وفق كتاب نيل: "قلت لزوجي عندما هاتفني والهلع يغمر صوته بعد ان شاهد العمارة المجاورة تنزلق أمامه: اخرج فورا من هنا، اخرج من المبنى، بل من نيويورك بكاملها حالا". خرج بالنر بالفعل!
الطالب السعودي العواد يقول: "بعض الكتب تندم أنك اقتنيتها والبعض الآخر تتمنى أن لاتنتهي، كتاب كافاتو مزقني وأسعدني في معادلة لاتختبئ في اية كتاب آخر".
استعرت كتاب صالح و وجدته معبئا بالملاحظات والاقتباسات التي نقشها المؤلف بجسارة وحرفية، وضع دوائر عملاقة على بعض السطور، يتكلم عنها القارئ النهم: "شعرت أن بعض الحروف تتحرك، تذهب وتعود، تفر مني، حاصرتها بقلمي وجوارحي حتى لاتهرب".
عرض السعودي صالح الكتاب على أستاذه في جامعة يوتاه الحكومية التي يدرس فيها إدارة الاعلام في المساء، حكى له عن كل التفاصيل التي اجتاحته أثناء القراءه وبعدها...
جاء أستاذه ( كارل بينسف ) صباحا الى الجامعة، تكلم عن الكتاب أمام الفصل، عن الاستياء غير المبرر الذي عبأ أميركا على مسلمين وسعوديين بسبب سبتمبر، قال لطلابه بصوت عال في منتصف المحاضرة: " السعوديون يبكون مثلنا بسبب سبتمبر،صالح يحبنا ومثله ملايين هناك!".