شارك ما يزيد عن 150 ألف فلسطيني في مراسم تشييع جثمان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات التي جرت ظهر اليوم الجمعة في مقره "المقاطعة" بمدينة رام الله، وأهم ما ميزها هي هتافات ودموع آلاف الفلسطينيين الذين بكوا زعيمهم الذي لم يعرفوا غيره منذ أربعين عاما، حيث أسهم اندفاعهم العفوي وعواطفهم الجياشة في إفساد الترتيبات التي كانت معدة لتشييع الجثمان.
ولعل أهمها ما تميزت به مراسم الدفن هي العفوية وقلة النظام، حيث عجزت قوات الأمن الفلسطينية المتواجدة في محافظة رام الله والبيرة من منع آلاف المواطنيين من اقتحام مقر المقاطعة خلافا للترتيبات المعدة. وفور رؤية أربعة مروحيات تحلق في سماء رام الله شرع العشرات في البكاء بين راح آخرون يهتفون بصوت واحد "الله أكبر"، وتسلق بعض الشبان أعمدة الكهرباء لمشاهدة شهيدهم ورمزهم عرفات في لحظاته الأخيرة التي جاب خلالها مقر المقاطعة قبل دفنه مكان المسجد الذي هدمت قوات الاحتلال عندما إجتاحت مدينة رام الله في نيسان من العام 2002، وقامت بمحاصرة الرئيس ومنعه من السفر حتى سفره للعلاج في باريس قبل أسبوعين.
وأكدت مصادر طبية فلسطينية أن أربعة مواطنين فلسطينيين أصيبوا بجراح مختلفة بعد تعرضهم للنيران التي أطلقتها قوات الامن الفلسطيني لإجبارهم على إخلاء المهبط المخصص لهبوط المروحيتان المصريتان اللتين تقلان جثمان الرئيس عرفات والوفد المرافق، بينما أصيب العشرات بحالات اختناق وإغماء بسبب الضغط والتزاحم الناتج عن الحشود الهائلة التي تدافعت لإلقاء نظرة الوداع الأخير.
و بقي عشرات الدبلوماسيين الذين حضروا لتمثيل دولهم في التشييع في انتظار دخول جثمان الرئيس لإلقاء نظرة الوداع الأخير ووضع أكاليل الزهور لكن دون جدوى فقد أضطرت اللجنة المشرفة على التشييع إلى تغير مراسيمه ، ودفن الرئيس عرفات مباشرة بعد أن حمل نعشه على سيارة عجزت في الوصول إلى قاعة التشريفات وعادت ادراجها إلى القبر المتنقل المعد للدفن.
وتضاربت الأبناء حول مشاركة عقلية الرئيس ياسر عرفات سهى عرفات في مراسم التشييع، فيما أكد بعض المسؤولين أنها حضرت إلى مقر المقاطعة وبقيت داخل الطائرة المروحية، أشار آخرون أنها لم تشارك في مراسم التشييع التي جرت في رام الله ظهر اليوم.
وكان أبرز المشاركون في مراسم التشييع التي جرت في رام الله وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط ومدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان الذي درج في السنتين الماضيتين على زيارة عرفات في مقر المحاصر عدة مرات، كما شوهدت وفود من عرب الداخل، إضافة إلى 300 مواطن سمح لهم بالوصول من قطاع غزة إلى رام الله.
ويعتبر الوفد الشعبي السوري الذي قدم من الجولان المحتل للمشاركة في تشييع الجثمان الوفد العربي الشعبي الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى مقر المقاطعة والمشاركة في تشييع جثمان الرئيس ياسر عرفات علما أن إسرائيل التي تحتل الجولان منذ عام 1967 تسمح لمواطنيه بالتنقل بحرية داخل الدولة العبرية.
وأكد المواطن فوزي أبو جبل أحد أعضاء الوفد أن الأخوة في الجولان السوري المحتل حضروا لمشاركة إخوانهم الفلسطينيين في مصابهم الأليم بفقدان زعيم ثورتهم ومفجرها، مؤكدا أن أبناء الجولان يعيشون نفس الظروف التي يعيشهاالفلسطينيون حيث يتعرضون للاعتقال والقمع والإبعاد على أيدي قوات الاحتلال.
واعتبرت النائبة في المجلس التشريعي حنان عشراوي أن ما حدث اليوم في مقر المقاطعة من تدافع وقلة في التنظيم سببه منع قوات الاحتلال لأجهزة الأمن الفلسطينية من إحضار تعزيزات من المدن الأخرى وإكتفائها بأفرادها الموجودين في مدينة رام الله، وسعي جيش الاحتلال لتدمير مقارها واعتقال أفرادها بشكل متواصل ومستمر على مدار أعوام الانتفاضة الأربعة، بهدف إضعافها ولتصبح غير قادرة على القيام بمهاماها.
وتفرقت الحشود التي لم يتمكن جلها من رؤية الرئيس عرفات الذي وري الثرى سريعا، بعد إكتفائها بإلقاء نظرا على قبره الذي سيبنى فوقه مسجد ويتحول إلى مزار لكل الشعب الفلسطيني في الوطن الشتات، ويكون مقر المقاطعة المدمر شاهدا على عدوان الاحتلال وحصاره واستهدافه لأكبر زعماء الثورة الذين عرفهم القرن الحادي والعشرون.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية