التجمع للحق الفلسطيني ينشر التفاصيل الكاملة لعملية اعدام المواطن المصاب محمد الدبعي
كشفت مؤسسة التجمع للحق الفلسطيني اليوم عن التفاصيل الكاملة لجريمة إعدام المواطن محمود عبد الرحمن كميل الشهير بـ"محمود الدبعي" في اليوم الأول من الشهر الجاري، الذي أثارت عملية قتله من قبل قوات الاحتلال وهو مصاب وملقى على الأرض ضجة إعلامية وإنسانية لم تهدأ، يأتي ذلك بعد مرور قرابة شهر على جريمة اغتيال مماثلة للطفلة إيمان الهمص ابنة ال14 عاماً في رفح وهي في طريقها إلى مدرستها بأكثر من 20 رصاصة. وكانت القضية قد تفجرت في أعقاب أنباء صحفية نقلت عن شهود عيان إعدام الشهيد كميل بدم بارد من قبل جنود الاحتلال بعد أن حاصروا المنزل الذي كان متواجداً فيه بعد أن أصابوه بثلاثة رصاصات غير قاتلة، حيث قامت منظمة "بيتسيلم" الحقوقية بمتابعة القضية والتحقيق فيها، وكشف كافة الحقائق والملابسات التي أحيطت بإعدام كميل من قبل جنود الاحتلال.
ووفقاً لرواية شهود العيان فإن كميل أعدمه جيش الاحتلال وهو بين ذويه بدم بارد بعد أن أطلق عليه ثلاثة رصاصات أصابته وأقعدته عن الحركة وفقاً لرواية المواطن طايل أميل البزور (45) عاماً من قرية رابا جنوب شرق جنين، الذي روى لوسائل الإعلام ولمنظمات حقوقية الجريمة من أولها وحتى إعدام كميل، فقال:
كانت عقارب الساعة تقترب من السادسة مساء الخميس الماضي، عندما حضر الشهيد كميل الشهير بـ "محمود الدبعي"، إلى منزل نسيبه البزور في زيارة كانت مفاجئة لجميع افراد العائلة.
بدا الشهيد كميل في اللحظات الأولى من دخول إلى المنزل في حالة من القلق الشديد، يقول البزور، اذ تمكن ومجموعة من رفاقه من اجتياز حاجز عسكري كانت قوات الاحتلال قد نصبته عند المدخل الرئيس لبلدة الزبابدة بشكل مفاجئ. مشيراً إلى أنه حاول تهدئة الشهيد الذي كان موقوفاً لدى أجهزة الأمن الفلسطينية في مدينة أريحا، وتمكن من الفرار من السجن قبل أكثر من عام برفقة ثلاثة من أعضاء "سرايا القدس"، مشيراً الى أن الشهيد الذي يعرفه منذ سنوات طويلة، وتحديدا منذ كان طفلاً، كان في حالة عصبية لم يشهدها من قبل.
ومن وجهة نظر البزور، فإن الشهيد كان على قناعة بأن الحاجز العسكري المفاجئ الذي أقامه جنود الاحتلال كان بمثابة محاولة إسرائيلية جديدة للمساس به.
ويتابع البزور سرد روايته: وبعد مرور ساعتين تقريباً على وصوله للمنزل، تلقى الشهيد مكالمة هاتفية من مجهول، تبلغه بأن هناك عملية توغل اعتيادية لقوات الاحتلال في بلدة الزبابدة التي تبعد عن مكمنه أكثر من خمسة كيلومترات. بعدها بدأ الشهيد يعود إلى طبيعته المرحة، وهو ما شجع العائلة على تقديم وجبة العشاء له.
ومع اقتراب عقارب الساعة من العاشرة ليلاً، قرر الشهيد الخلود إلى النوم في الغرفة الغربية من منزل المواطن البزور، وبعد ذلك بقليل، أفاق جميع أفراد العائلة على صوت إطلاق كثيف للقنابل الصوتية في الجهة الشرقية من المنزل، تبعته دعوة من جنود الاحتلال عبر مكبرات الصوت لجميع القاطنين في الحي للخروج من منازلهم وهم يضعون أيديهم فوق رؤوسهم.
في تلك الأثناء، خرج البزور من غرفته ليجد الشهيد واقفاً ًعند باب الغرفة التي كان ينام بداخلها، وهو يرتدي كامل ملابسه وحذائه، حيث حاول القفز من النافذة الغربية للمنزل، إلا أنه عدل عن قراره عندما أبلغه صاحب المنزل أن النافذة مرتفعة، وان إمكانية القفز منها صعبة للغاية.
وفجأة، توجه الشهيد كميل إلى الباب الشمالي للمنزل اعتقاداً منه أن تواجد جنود الاحتلال يتركز في الجهة الشرقية من المنزل، دون أن يدرك أنهم قاموا بالاستيلاء على جميع المنازل المجاورة، ومحاصرة المنزل المستهدف بشكل محكم.
وما أن فتح الشهيد بوابة المنزل الشمالية، محاولا القفز عن عتبته حتى أطلق جنود الاحتلال ثلاثة رصاصات عليه.
بعدها "سمعنا صوت جندي من داخل مركبة عسكرية كانت متمركزة قبالة المنزل، وتسلط الاضواء الكاشفة علينا، حيث طلب منا هذا الجندي الاقتراب أكثر، وذلك قبل أن يطلب من ابني أحمد (10سنوات)، وشقيقه أيمن (8) سنوات الاقتراب من المركبة، ويسألهما عن هوية الذي خرج من المنزل، فأجابه أحمد بالقول: "لا نعرف". وعندما أنهى الجندي حديثه المصحوب بالتهديد للطفلين، شاهد الأب قوة أخرى قوامها ما يزيد على ثلاثين جندياً وهي تأخذ مواقع لها في الجهة الشمالية للمنزل، حيث طالبه أحدالجنود بالاقتراب منهم، وما ان اصبح بينهم حتى بادره احد الجنود بالسؤال عن هوية الذي خرج من المنزل، فكانت إجابته "لا أحد، لا أعرف"، إلا أن الجندي رد على الأب بالقول، "إنك تكذب، فقد خرج من عندك محمود الدبعي".
بعد ذلك، طلب الجندي من البزور، التوجه إلى المدخل الشمالي للمنزل، قبل أن يرشده جندي آخر كان يتمركز في الجهة الشرقية، بالتوجه إلى أعلى، وتحديداً تحت شجرة التوت، حيث وجد الشهيد كميل ممدداً على الأرض وفاتحاً عينيه، وقد بدا أنه أصيب بعيار ناري غير قاتل في منطقة الرقبة.
في تلك اللحظات، أراد البزور العودة من حيث أتى، ليأتيه الأمر من الضابط الإسرائيلي، بالتوقف والعودة إلى المصاب لإحضار بطاقته الشخصية وجهازي هاتف خلويين كانا بحوزته.
ويضيف "عدت الى حيث كان الشهيد، فوجدته على قيد الحياة، ولكن دون حركة خشية منه أن يتعرض لإطلاق النار مرة أخرى، فقلت له يا خوي يا محمود أنت طيب، الحمد لله".
وبينما كان البزور يفتش في جيوب الشهيد، وجد هاتفاً خلوياً كانت بطاريته فارغة، فأخذه إلى الجنود الذين طلبوا منه العودة مرة أخرى وجر الشهيد.
ومرة أخرى، عاد البزور إلى الموقع وهو يبكي ويتحدث إلى محمود مخاطباً إياه بالقول "يا خوي يا محمود بدهم إياني أجرك علشان يقتلوك"، فرد عليه محمود بالقول "جرني يا خوي، بلكي أسعفوني".
خلال تلك المحادثة القصيرة والصعبة، لم يستطع البزور التحمل، فرفع ساق الشهيد على مرأى من جنود الاحتلال لاقناعهم بأن كميل قد استشهد، وذلك في محاولة لإنقاذه من المصير الذي ينتظره، إلا أن جنود الاحتلال أصروا على إحضاره حتى يتيقنوا أنه قد لفظ أنفاسه الأخيرة.
إلا أن البزور رفض تنفيذ أوامر جنود الاحتلال كونه يعاني من آلام في ظهره لا تمكنه من حمل أي شيء ثقيل، ما دفع جنود الاحتلال الى احضار مواطن آخر يقطن بالجوار ويدعى سليمان قصراوي.
ويتابع البزور قائلاً: "عندما حضر قصراوي لم يكن يعلم ما يحدث في المكان، وكل ما يعرفه أن الجنود قد احتلوا منزله في وقت مبكر من الفجر، فطلبت منه الاقتراب لمشاهدة ما يجري، وعندما وصلنا الى حيث كان الشهيد ممدداً، أبلغناه أننا سنحمله تنفيذاً لأوامر الجنود، فقرر الشهيد حينها السير بمساعدتنا الى حيث كان يتمركز جنود الاحتلال".
وسار الثلاثة يتوسطهم محمود الذي كان يتكئ عليهما صوب الجنود الذين طلبوا من الاثنين ترك محمود ممدداً على الأرض بالقرب من منزل البزور، والتوجه نحو منزل قصراوي المحتل الذي لا يبعد عن منزل البزور سوى بضعة أمتار.
بعد ذلك ، طلب جنود الاحتلال من البزور الابتعاد إلى الجهة الغربية، ومن قصراوي الاقتراب منهم، حيث طلبوا منه البحث عن الهاتف الخلوي الثاني الموجود بحوزة الشهيد، وسؤاله مرة أخرى عن بطاقته الشخصية.
وعندما وصل قصراوي إلى المكان الذي ترك فيه الشهيد ممدداً على الأرض، أبلغه الشهيد أن الهاتف الخلوي في جيبه، كما طلب منه إبلاغ الجنود أنه محمود الدبعي.
وما أن سمع الجنود بالاسم، حتى عادوا وطلبوا من قصراوي والبزور الابتعاد عن المكان، بينما اشهر أحدهم بندقية من طراز "إم 16" وأطلق خمس رصاصات استقرت في رأس وصدر الشهيد.
يقول البزور، عندما سمعت صوت الرصاصة الأولى التفت إلى الخلف فشاهدت جندياً كان وجهه مطلياً باللون الأسود يطلق النار على الشهيد الذي انتفض جسده جراء كثافة الرصاص، ثم تحول الى جثة هامدة في لحظات.
وما أن انتهى الجندي من ارتكاب جريمة الإعدام، حتى طلب الضابط الإسرائيلي المسؤول من البزور العودة إلى منزله، وتحديدا إلى الغرفة التي كان ينام فيها الشهيد بغية إحضار محفظته الشخصية، قائلا له "داخل المحفظة توجد أرقام هواتف، عليك إحضارها على الفور".
وبالفعل ، يقول البزور "وجدت المحفظة على الفرشة التي نام عليها الشهيد ليلته الأخيرة، حيث كان بداخلها مصحف ونقود، فسلمتها إلى الضابط الذي أخذها وأدار ظهره، قبل أن يعيد لي مبلغاً من المال مقداره 470 شيكلاً قائلاً لي (هذه النقود لأرملة محمود).
ورغم أن جنود الاحتلال قاموا باعدام الشهيد بدم بارد بعد إصابته واعتقاله والتقاط الصور التذكارية بجانب جثمانه، إلا أنهم حذروا الأهالي من مخاطر الخروج من منازلهم، حتى ينهي الجيش انسحابه من المكان.