كم بدا عالمنا صغيراً ومهتماً بأدق تفاصيل الانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي جرت في التاسع من الشهر الماضي، تجلى ذلك في وجود 2400 صحفي محلي و دولي عملوا عبر أسابيع عديدة على تغطية سير العملية الانتخابية الفلسطينية بمختلف مراحلها، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إمتد ليشمل ثمانمئة مراقب دولي حضروا إلى الأراضي الفلسطينية لإشراف على سير العملية الانتخابية كان أبرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق جمي كاتر ، وميشيل روكارد عضو البرلمان الأوروبي ورئيس وزراء فرنسا الأسبق،و بالتأكيد لهذا الإهتمام العالمي دلالاته ويعكس موقفاً من الانتخابات ونتائجها. الصحافة الأوروبية إعتبرت أن الانتخابات الفلسطينية كفيلة بخلق فرصة جديدة للسلام في منطقة الشرق الأوسط مستبشرة بمستقبل جديد يظهر ميول الشعب الفلسطيني نحو السلام، وعلى غير عادتها أفرغت معظم الصحف الأروربية مساحات كبيرة تناولت خلالها الانتخابات ونتائجها، فقد أفردت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية صفحتين مشيرةً أن هذه النتائج "فرصة نادرة لتطوير ميول تفكير ايجابي حول مستقبل المنطقة التي مزقتها المشاكل منذ زمن طويل"، ومن جهتها، أشادت صحيفة(فيننسيال تايمز) الطبعة الألمانية بما أسمته "ديمقراطية الانتخابات الفلسطينية التي جرت" واعتبرتها "بمثابة قدوة لشعوب الدول العربية من أجل انتهاجهم الديمقراطية في بلادهم".
وزير شؤون المفاوضات في الحكومة الفلسطينية السيد صائب عريقات اعتبر أن العالم نظر إلى نتائج الانتخابات الرئاسية بإرتياح كبير، و تجلى ذلك من خلال التقارير التي صدرت عن بعثات مراقبة الانتخابات القادمة من كافة أنحاء العالم، والتي وصفت الانتخابات الرئاسية بالديمقراطية وأنها جرت بمهنية عالية وتنظيم كبير، وبذلك أصبحت مثال يحتذى به في الشرق الأوسط.
أما عن المواقف الدولية فيقول عريقات :"أننا لا نستطيع القول أن هناك تغيرات في مواقف الدول من القضية الفلسطينية، لكن الثابت أن هناك إجماع دولي حول ضرورة إنهاء الاحتلال، مؤكدا أنه لا يمكن تسمية التحركات السياسية الحالية بالإنفراج، فالإنفراج يحصل عندما تحول قرارات الشرعية الدولية من رؤى إلى مسار سياسي واقعي للتنفيذ، والمهم ليس ما يقال بل ما يمكن أن يلمسه الفلسطينيون على الأرض
وفي هذا السياق ترى الدكتورة حنان عشراوي رئيسة "مفتاح" وهي المؤسسة التي أعدت دراسة راقبت التغطية الإعلامية للانتخابات الفلسطيية، أن الآراء الدولية كانت إيجابية جدا فالعالم بالتأكيد فهم أن الشعب الفلسطيني رغم كونه تحت الاحتلال ويعاني ويلاته، إلا أنه أصر على ممارسة حقه الديمقراطي ونجح في خلق مسار إنتخابي ديمقراطي متكامل بدأ بالرئاسة وهو يسير في المجالس المحلية وسيشمل قريبا المجلس التشريعي .
تشير عشراوي أن الشعب الفلسطيني تعلم من تجربته السياسية الطويلة أن الرأي العام شيء يتغير، لذلك يجب العمل لإستثماره والبناء عليه، وإذا تواصل تفاعل الشعب الفلسطيني الإيجابي مع الرأي العام الدولي وإذا استمر إصراره على بناء ذاته ومؤسساته وواصل رسالته التي تقول أنه شعب يريد سلاما و دولة، بالتأكيد سيتجاوب يتجاوب معه العالم.
تؤكد عشراوي أنه يوجد تغير الآن في المواقف السياسية العالمية تجاه القضية الفلسطينية يجب إستغلاله، وأن إسرائيل والولايات المتحدة اللتين نجحتا في إقصاء الرئيس عرفات وتحويله إلى عذر من أجل التهرب من تنفيذ إستحقاقات السلام، تقفان الآن أمام الاختبار الصعب وهو مدى إستعدادهما لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا واعتبر تقرير صدر عن وفد المراقبين الدوليين لمراقبة الانتخابات الفلسطينية التابع للمعهد الوطني للشؤون الدولية أن هذه الانتخابات شكلت إنجازا كبيرا للفلسطينيين، كانت المنافسة في الانتخابات قوية، وأديرت بطريقة عادلة، واتسم يوم الانتخاب عموما بالنظام والهدوء. وهي خطوةُ إلى الأمام نحو تحقيق الديمقراطية الفلسطينية، كما يدل نجاحها على إمكانية الانطلاق نحو عهد جديد في السياسة الفلسطينية، وتطوير أسلوب حكم يتسم بالتمثيل والمساءلة، معتبرا فرصة جديدة سوف تسنح الآن لإحداث تطورات إيجابية على نطاق أوسع.
وفي الجانب الآخر رغم إشادته بإجراء الانتخابات وتثمينه للجهود الكبيرة التي بذلت لنجاحها، وإنتقاده للمعيقات الإسرائيلية خصوصا في القدس الشرقية أشار تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات أنه حدث سوء استخدام للأموال العامة لمصلحة أحد المرشحين وشوهد المسؤلون والعاملون في الحملات الانتخابية المؤيدة لذلك المرشح.
لكن التقرير الذي صدر باللغة الإنجليزية استدرك قائلا "أنه بالرغم من نقاط القصور الملحوظة فمن الواضح أنه في ظل هذا السياق فإن الانتخابات الرئاسية تشكل إنجازا، وأنه في حين لا يمكن النظر للديمقراطية من خلال دورة أو دورتين للانتخابات، إلا أن ممارسات القادة الفلسطينيين للبحث عن الشرعية من خلال صناديق الإقتراع تقدر بشكل كبير، وكذلك فإن الروح والإعداد الكبيرة التي تسابقت للتسجيل والمشاركة تعبر عن دلالات قوية على الرغبة في السير في طريق سيادة القانون والمشاركة الجماهيرية"علما أن بعثة الاتحاد ضمت 277 مراقبا من 26 دولة أوروبية، بينهم 28 عضوا من البرلمان الأوروبي.
أبرز أعضاء البرلمان الأوروبي ورئيس بعثة المراقبين الدوليين ورئيس وزراء فرنسا السابق السيد ميشيل روكارد قال:" إن عقد انتخابات ديمقراطية في ظل الاحتلال يواجه صعوبات جمة وبالتالي فإنه أمر نادر الحدوث، ولقد جرت في الحالة الفلسطينية لأنها كانت ضرورة لاحقة لوفاة الرئيس عرفات، واختيار الشعب الفلسطيني والمؤسسات الوطنية إحترام أحكام القانون الأساسي والانطلاق نحو عملية إنتخابات لانتخاب قائدهم الجديد وكان قرارً شجاعا ودل على السعي نحو الديمقراطية.
وأضاق روكارد في حديثه عن الانتخابات الفلسطينية " أنه نتيجة لتلك العملية الانتخابية فإن الشعب الفلسطيني سيستفيد من قيادة إختارها بشكل ديمقراطي وتحظى بإعتراف دولي، مما سيمكنه من البدء في مواجهة التحديات الصعبة القادمة".
أما نائب رئيس البرلمان الأوروبي السيد إدوارد ماك الذي قاد وفد أعضاء البرلمان قال:" إن إجراء الانتخابات الرئاسية الفلسطيني بهذا الشكل يعد أساسا للانتخابات البرلمانية التي ستجري في الأراضي الفلسطينية والتي يمكن أن تصبح أنموذجاً للمنطقة بأكملها".
وأخيرا لابد من الإشارة إلى تقرير لجنة الحقوقين الدوليين التي تتخذ من جنيف مقرا لها والذي طالب بإسرع في عقد الانتخابات التشريعية في القريب العاجل لاستكمال العملية الديمقراطية الفلسطينية.