"بدأتُ بعد تخرجي بالعمل كموظفة في "إنتاجنا فخرا" ونجحت باجتهادي وجدي في الوصول إلى أعلى المناصب الإدارية في الشركة لأصبح في النهاية مالكةً لها، وعلى المرأة الفلسطينية أن تبذل ضعف الجهد الذي يبذله الرجل لتصبح سيدة أعمال ناجحة، سيما وأنها في أغلب الأحيان الأذكى، ولكن المجتمع لا يمنحها الفرصة". بهذه الكلمات بدأت سيدة الأعمال الفلسطينية خولة البجة حديثها عن قطاع سيدات الأعمال وعن تجربتها الطويلة في الأعمال الربحية المختلفة، وكيف يمكن للمرأة الفلسطينية أن تكون إحدى سيدات الأعمال الناجحات، رغم ما يمكن أن تواجهه من معيقات وصعوبات وتحديات يفرضها المجتمع والدولة.
الواقع وسماته...
ولعل قطاع سيدات الأعمال واحدا من القطاعات الاقتصادية المهمة في الوطن، رغم ذلك يصعب معرفة حجمه الحقيقي، إذ أشار الإحصاء المركزي أن 12% من مجموع السيدات في فلسطين يعملن في مختلف القطاعات، في حين لا تتوفر لدى اتحاد الغرف التجارية أية إحصاءات حول أعداد سيدات الأعمال، فيما تؤكد غرفة تجارة وصناعة رام الله أن عدد سيدات الأعمال في المدينة يبلغ 90 سيدة فقط، وأن العدد يمكن أن يتجاوز ذلك الرقم من غير المنتسبات إليها، ونظرا لذلك يصعب الحصول على العدد الحقيقي لسيدات الأعمال لعدم وجود إحصاءات رسمية أو أهلية خاصة في هذا القطاع.
وأكدت رئيسة جمعية سيدات الأعمال الفلسطينيات "أصالة" ريم عبوشي أنه لا يمكن الحديث عن سيدات أعمال فلسطينيات بالمعنى الحرفي للكلمة، فكثير من النساء يعملن في مشاريع صغيرة، وغير مسجلات رسميا ولا يتجاوز رأس مال المشروع في أحسن أحواله عدة آلاف من الدولارات، وإذا أردنا الحديث عن سيدات أعمال لديهن أعمال كبرى وتدر قدرا كبيرا من المال، فعددهن محدود جدا.
وأضافت " أن أصالة قدمت قروضا ميسرة لأكثر من 1500 سيدةٍ في مختلف أنحاء الوطن، بهدف تمكينهن من إنشاء مشاريع صغيرة توفر الدخل لأسرهن، خصوصا في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
من جانبها تقدر سيدة الأعمال خولة البجة أن حجم قطاع السيدات العاملات في قطاع الأعمال الخاصة لا يتجاوز 5% من مجموع هذه الأعمال، وقالت: "ربما لا يصل إلى هذه النسبة أيضا، فعدد السيدات اللواتي استطعن تحطيم الحواجز والدخول إلى عالم الأعمال محدود جدا".
تحديات وصعاب...
"ولعل محدودية هذا القطاع وعدم وضوح معالمه وعدد المنتميات إليه يرجع إلى التحديات المجتمعية والمهنية التي تواجهها المرأة الفلسطينية عموما"، كما ترى ريم عبوشي التي أشارت الى أن كثيراً من أفراد المجتمع ينظرون إلى عمل السيدات أنه ثانوي أو مكمل، ويعتقدون أن الرجل هو الأساس.
وأضافت " لا تزال عاداتنا وتقاليدنا الخاصة بالنساء تشكل أكبر المشاكل، فكثير من النساء العاملات في المشاريع الصغيرة التي تقدمها الجمعية يواجهن صعوبات في إقناع أقاربهن وأبناء قراهن بالحاجة إلى العمل خارج المنزل أو بعيدا عنه، كما أن النساء لا يزلن يواجهن مشاكل في السفر والتنقل خارج البلدة أو المدينة، والبقاء لساعات طويلة قد يتطلبها العمل ".
وفي ذات الموضوع رأت سيدة الأعمال بيناز بطراوي صاحبة مكتب "ميديا نت" للاستشارات الإعلامية في مدينة رام الله أن المرأة بطبيعتها تواجه صعوبات في الخروج من الإطار الخاص إلى العام، سواء كانت تعمل في مؤسسة أو بشكل مستقل، ليس من السهل أن تقف في السوق لوحدها في مجتمعنا.
تعود السيدة خولة البجة لتجمل التحديات التي تواجه قطاع الأعمال، قائلة: أن المرأة في المجتمع الشرقي، تواجه تحدي العمل لساعات طويلة، إضافة إلى تحديات الأسرة وأعباء الأبناء والزوج وأن التحدي الثالث الذي يواجه سيدة الأعمال هو الدولة التي لم تشرع في سن قوانين تشجع المرأة على الاستثمار والتقدم.
أملٌ في التغير...
ولكن رغم تلك الصعوبات أردفت البجة: في بداية عملي كنت أواجه انتقادات شديدة جدا، لأنني أعمل لساعات طويلة، بذريعة أن عملي يؤثر على بيتي وزوجي وأسرتي، أما الآن فالكل يحترم عملي، والفضل يعود لزوجي المتفهم لطبيعة عملي والذي يحاول دوما ملئ أي ثغرة قد يسببها غيابي عن البيت.
أما عبوشي فإنها ترى أن الانتفاضة الحالية أحدثت "خلخلة" في المفاهيم المجتمعية المتعلقة بعمل المرأة، فالحاجة الاقتصادية التي أصابت الشعب الفلسطيني جراء جرائم الاحتلال، واستشهاد عدد كبير من أرباب الأسر وإعتقال عدد آخر منهم خلال الانتفاضة الحالية، اضطرت المرأة في ضوءها العمل لتسد مكان الرجل في إعالة الأسرة.
وفي هذا الإطار ترى صاحبة شركة "سمارت فريم" للانتاج التلفزيوني سوسن القاعود "أن مجتمع مدينة رام الله يشكل استثناءً مقارنة ببقية المجتمعات في المدن الفلسطينية، وقالت "أنا امرأة من مدينة نابلس، لو قمت بتأسيس شركتي هناك فإنني لا أتوقع أن تكون ناجحة بالشكل المطلوب، لأن المجتمع هناك لم يصل إلى درجة الوعي المطلوبة".
أما وزير الاقتصاد الوطني مازن سنقرط فقد أكد ان سياسة وزارته لا تفرق بين الذكر والأنثى في قضايا الاقتصاد، وقال نحن نحترم سيداتنا وسيدات الأعمال الفلسطينيات ونشد على أيديهن ليكن شريكات في التنمية، خصوصا أن المرأة نصف المجتمع وهي تتحمل المسؤولية فالمرأة الفلسطينية هي الأم والزوجة والبنت والقائدة، وبالتالي يجب ان تكون شريكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويستطرد الوزير في حديثه المتفاءل قائلا:"هنا شواهد كثيرة في مجتمعنا لنجاحات متميزة حققتها المرأة في مختلف النواحي الاقتصادية، ونحن في وزارة الاقتصاد الوطني نطمح ونعمل لنرى مزيدا من هذه الشواهد، لتأخذ المرأة دورها الريادي وتشارك الرجل في تنمية المجتمع، ويصبح عدد سيدات الأعمال ليس العشرات فقط بل المئات، وأنا على قناعة أن زملائي رجال الأعمال سيكونون سعداء لمشاركة المرأة في عملية التنمية الاقتصادية".
متطلبات الصعود...
ويرى المتابعون لوضع سيدات الأعمال أن هناك متطلبات وخطوات يجب القيام بها لتكون سيدة أعمال متميزة، فالبجة تقول أن على المرأة أن تبذل مجهود أكبر مضاعف بمرة أو مرتين زيادة على الجهد الذي يبذله الرجل لتحقق ذات النجاح، لأنها بحاجة للتغلب على نظرة المجتمع الرجولية".
ومن جهته أكد وزير الاقتصاد الوطني أنه "لم يقدم لنا أية مشاريع أو أية أفكار من سيدات الأعمال الفلسطينيات، لكن فيما لو قدمت سنرحب بهذه بالأفكار، وسنسهل الإجراءات وسنكون داعمين لهذه التوجهات، لأنه كلما كانت المرأة فاعلة وعاملة في المجتمع الفلسطيني كلما كانت هذه أدوات رافعة وذات قيمة مضافة اقتصاديا واجتماعيا لنا كفلسطينيين.
وأخيرا أكدت رئيسة جمعية "أصالة" أن النساء أثبتن أنهن يستطعن أن يكن سيدات أعمال ناجحات، ودعت النساء بقولها: "أن أي سيدة تملك فكرة، عليها أن تكون شجاعة وتحاول التوجه إلى مؤسسات الإقراض، إذا كانت لا تملك الأموال، وإذا كانت بحاجة إلى تدريب وتطوير للمهارات، فهناك الكثير من المؤسسات التي تقوم بذلك".
رغم ذلك تمييزت سوسن...
ورغم كل المعيقات المجتمعية وتلك التي يسببها الاحتلال، برزت في سماء فلسطين سيدات أعمال اشتهرن بالإبداع والنجاح، فهذه سوسن القاعود تمكنت بجهدها وتعبها من إنشاء شركة للإنتاج التلفزيوني وتطويرها بالشكل سريع، والنجاح في الحصول على ثقة الزبائن.
وقالت القاعود: "أنا فخورة بنجاح شركتي من بين شركات الإنتاج المختلفة، في جمع المخرِجات والمنتِجات الفلسطينيات حولي، أنا سعيدة لأن شركتي أصبحت منبرا ومكانا مريحا لهن".
وخولة تنطلق لتصبح واحدة من أهم سيدات الأعمال...
وتلك خولة البجة التي لم تطق قالب الوظيفة التي توضع فيه المرأة عندما تعمل في المؤسسات الحكومية، تقول: أنا في الأصل خريجة من كلية العلوم وقد عملت لمدة عام واحد كمدرسة لهذه المادة، لكنني لم أطق قصور أفق الوظيفة، فعملت ليلا ونهار دون كلل أو ملل، ولأتدرج إداريا في شركة "إنتاجنا فخرنا" التي كنت فيها موظفة بسيطة، وأصبحت في النهاية صاحبتها ومديرتها.
لم تقف تجربة البجة عند هذا الحد فهي تنفذ أيضا أعمال تجارية ناجحة ومتميزة، تتمثل في بناء إسكانات وبيعها في منطقة رام الله ومحيطها، وهي اليوم واحدة من أنجح سيدات الأعمال في فلسطين.
وتنهي البجة حديثها بعدد من الوصايا تقدمها للسيدة الفلسطينية، تشير أن تطور المرأة عبارة عن سلم عليها أن تصعده خطوة تلو الأخرى، أولها التعليم وصولا إلى الجامعة والحصول على الدرجة الجامعية الأولى كحد أدنى، وأن لا تعتبر السيدة نفسها شيئا كباقي أشياء البيت بل تخرج لخدمة مجتمعها بما تملكه من قدرات، فالنساء نصف المجتمع وإن أصيب هذا الجزء بالشلل سوف نحتاج إلى زمن مضاعف للتقدم، سيما وأنه الجزء هو الأذكى.
وبيناز مثالٌ للشابة الناجحة...
وها هي بيناز البطراوي التي قررت ترك عملها مع المؤسسات الأهلية لتستثمر ما تعلمته في جامعتها وحياتها العملية عبر سبع سنوات وبمساعدة زوجها الصحفي وليد البطراوي مراسل إذاعة الـ "B.B.C"، ولتكون مديرة مكتب يقدم الاستشارات والخدمات الإعلامية الذي يعتبر واحد من المكاتب الإعلامية الشهيرة على مستوى الوطن.
وفي ختام حديثها تقدم البطروي نصيحة إلى الشابات الفلسطينيات، قالت "استغللن كل فرصة تدريب تتاح لكُنْ، وتطوعن أثناء فترة الدراسة، واحرصن على أن لا تمضين سنوات الدراسة الأربع دون تدريب، استمعن للكبارو تعلمن منهن، وابحثن عن النماذج الإيجابية وحاولن أن تكن حولها، لتستقين منهن العلم والمعرفة، وأهم شيء القراءة وتطوير اللغة والمفاهيم، ولسيدات الأعمال أقول أنني فخورة بهن، وأكون سعيدة وفخورة حينما أرى اسم إمرأة يلمع في أي من مؤسسة المجتمع، الذي نحن جزء منه سنصعد وسنهب، ومتقبلين فكرة أننا جزء من هذا المجتمع".