يجري الهندي موسى أبوبكر في أرجاء جريدة" اليوم" السعودية منذ 21 عاماً حاملاً "بروفات الصفحات" من الأقسام الفنية إلى التحريرية لإجازتها، يتسلل بقامته الصغيرة إلى المكاتب المفتوحة كعصفور أليف، يتلو تحية صامته ثم يغادر بعد أن نسي رائحة زيت الخردل المنبعثة من شعره مستأنفاً رحلة لاتنتهي: "السنوات التي قطعها مشياً في الجريدة تمكنه من الوصول إلى مسقط رأسه (كيرلا) سيراً على قدميه".
مدير تحرير صحيفة "اليوم" مطلق العنزي معلقا لـ"إيلاف" على رحلة موسى الطويلة . جريدة اليوم التي صدر عددها الأول قبل (40 عاماً) وعلى وجه التحديد في 21 شباط (فبراير) 1965 ملأى بالمسافرين والترقب، يقول الصحافي عبدالله الغشري الذي أمضى 37 عاما في الصحيفة التي تصدر من شرق السعودية وهو يتأهب لركوب سيارته "كرسيدا بوكس بيضاء" انه لم يتوقع في يوم من الأيام أن الجريدة التي كانت تصدر يوما وتغيب شهراً ستلد مبنى يكلف نحو 45 مليون ريال سعودي مايقارب (12 مليون دولار اميركي) يقف بخيلاء على طريق الدمام-الخبر السريع. الغشري الذي كان يلتقط الأخبار من الدوائر الحكومية عبر دراجته الهوائية التي يجوب بها الشوارع أصبح الآن يقطف الأخبار بواسطة سيارته المكيفة التي تبعثه إلى مصدر الخبر أو عبر البريد الإلكتروني الذي يفتحه من كمبيوتره الذي يضع يده على خده فوق مكتبه في الطابق الثاني. عبدالله أو"أبوشيخة" كما يناديه زملاؤه في "اليوم" يتذكر راتبه الأول الذي تقاضاه في "اليوم" :" لم يتجاوز 300 ريال ما يعادل (80 دولار اميركي)".
عناصر يافعة وعتيقة
فكما تتمسك "اليوم" بعناصرها العتيقة فهي تعمل حاليا على تأهيل وتدريب عناصر صحافية يافعة للالتحاق بالعمل في الصحيفة من خلال معهد التدريب والتطوير الأول من نوعه في السعودية، يقول رئيس التحرير محمد الوعيل ان الطلاب الذين تم اختيارهم بعناية تلقوا جرعات مكثفة في الصياغة، واللغة، والعلاقات العامة فضلا عن المحاضرات التي ألقاها على مسامعهم نخبة مصطفاة من الصحافيين السعوديين من بينهم رئيس تحرير "إيلاف" و"الإقتصادية" السابق محمد التونسي الذي حازت محاضرته على اعجاب المتدربين نظرا لعفويته وفق الوعيل.
مدير تحرير الجريدة مطلق العنزي دعاني إلى مكتبه الزجاجي ليستعرض امامي بعض القصاصات المأهولة بالأخطاء المهنية التي التقطها من صحف متعددة ليناقشها مع المتدربين، أنصتُ إليه بإعجاب وهو يتحدث عن الحرفية التي تشغله متأملا غترته البيضاء التي تشبه قلبه وأصابعه الجائعة لسيجارة عندما يمصها أشعرأنها ستقتلع رئته بيدها.
على بعد خطوات من مكتب العنزي يقع مكتب نائب رئيس التحريرعتيق فرحان الخماس الذي يشرع أبوابه للعابرين الذين يدخلون ليضعوا همومهم على طاولته بينما يهز رأسه كقاضي في محكمة ويكتفي بجملته الشهيرة: "خير ان شاء الله"، التي طالما أغلقت الحوارات وأطفأت حرائق ودموع.
الخماس يعتبر جزء من استقرار جريدة "اليوم" نظرا لعلاقاته الجيدة مع الجميع-عين رئيسا للتحرير بالنيابة مرتين-، يتعامل معه الكثير كأب، كان يقرض عاملين في الصحيفة قبل ان يصلها المدير العام الحالي صالح الحميدان الذي استحدث صندوقا داخليا للتسليف فضلا عن طفرة إدارية غير مسبوقة شهدتها الدار الإعلامية تحت ادارته من بينها تجهيز المبنى الجديد، انشاء مطابع حديثة، تدشين الملحق الإعلاني"المبوبة"، واصدار الملاحق الدورية المتخصصة معتمدا على الخبرات التي اكتسبها محاضرا في جامعة المك فهد للبترول والمعادن بالظهران ونائبا سابقا لشركة "مبرد" للنقل.
رياضة وميدالية مفاتيح
صالح الحميدان ومحمد الوعيل
يممت وجهي شطر مكتب مدير التحرير للشؤون الرياضية محمد البكر استوقفتني السعادة التي تركض على كتفي مدير التحرير عبدالرؤوف الغزال وهو يجيز صفحات داخل مكتبه الشفاف، توجهت نحوه لأصاب بعدوى الفرح، أنجب حبورنا زواراً من اقسام مختلفة تقاطروا إلى مكتب عبدالرؤوف كغزلان مسرورين.
ثم انتقلت إلى مكتب المعلق والصحافي الرياضي المعروف البكر الذي بدا كما تركته قبل 5 سنوات شابا ومتدفقا، يمارس طقوسه اليومية في الجريدة دون تغيير، يضع أولا غترته البيضاء على كرسي فارغ في مكتبه وميدالية مفاتيحه على نسخته الخاصة لعدد اليوم حتى يتسنى له العثور عليها سريعا عندما يعود قافلا إلى منزله، البكر الذي يدير صفحات الرياضة في "اليوم" منذ أكثر من 10 سنوات خلفا لمبارك الدوسري (رئيس نادي النهضة حاليا) اثبت للرياضيين والصحافيين على حد سواء أنه ليس معلقا ناجحا فحسب بل صحافيا جديرا، بعد ان اصدر ملحقا رياضيا يوميا خارجيا من 8 صفحات أطلق عليه اسم "الميدان الرياضي" لايخلو من الانفرادات التي تتباهى بها صفحات الملحق بين الحين والآخر نافس من خلالها المطبوعات المتخصصة وتفوق عليها أحياناً.
قطع اصغائي للمشاريع التي يفكر البكر تبنيها لاحقاً دخول الزميل وائل المسند-المشرف على صفحة عزيزي رئيس التحرير- إلى مكتب مدير التحرير للشؤون الرياضية مستفسراً آنذاك عن مصير ياسر القحطاني مع الهلال في سلوك يعكس حجم الأسئلة التي اثارها نجم المنتخب السعودي ياسر قبل انتقاله رسميا إلى الهلال في دواحل الكثير من السعوديين والعرب.
أمام مكتب البكر أو "ابوأريج" كان الصحافي الرياضي عيسى الجوكم يسافر من مكتب إلى آخر، يبحث عن صورة تارة، ويرد على الهاتف تارة أخرى: "ألا يشبه الجوكم مديرة تحرير قناة العربية دانة صياغ بحركتها الدؤوبة ونشاطها اللافت؟". الصحافي في "العربية" فارس بن حزام يسألني اثناء حوار مشترك في دبي.
أغصان التعب
في القسم الاقتصادي يبحث الصحافي المصري عادل سيف عن مدير التحرير للشؤون الاقتصادية فارس الحربي الذي كان في اجتماع مع رئيس التحرير في حينها بينما شاهدت في القسم السياسي الزميلان السوداني جبرالله عمر الأمين والمصري محمد هجرس الابتسامات والأخبار يتبادلان الأخبار والابتسامات.
الابتسامات لاتعلو في القسم السياسي فحسب بل تهبط من شفاه رئيس القسم الثقافي الدكتور مبارك الخالدي الذي أحرز نحاحات جيدة منذ اشرافه على الصفحات الثقافية التي باتت اكثر تنظيما ووضوحا لكن يعيبها تركيزها على اسماء دون غيرها، يدافع وهو يستعرض صفحة أمامي: "اذا كنت تقصد حميدة السنان او عبالعظيم الضامن أو إيمان آل صخي أو غيرهم فهو يعود إلى نشاطهم وفعالياتهم التي يفتقدها الغائبون عن صفحاتنا، لايمكن ان نغيب أحدا أو نهمش احدا، هدفنا اشاعة الثقافة قبل وبعد".
الخالدي الذي قدم ملحقا متميزا عن الناقذ فايز أبا اثناء ازمته الصحية يهدف إلى تقديم إعلام نبيل يحض على الانسانية والمهنية والتجديد.
التجديد يحثنا على الحديث عن محليات جريدة "اليوم" التي شهدت قفزة ملموسة بعد تكليف الصحافي الشاب محمد السهلي بإدارة القسم قادما من صفحات جريدة "الرياضي" التي صادقت على العديد من نجاحاته، وبرز أخيرا في المحليات: فيصل الفريان، خالد العويجان، وعوضة الزهراني، مناور بن مضيان اضافة الى سجدي الروقي، عبدلله القو، وفريق الديسك اليقظ.
الأقسام التحريرية تستمد قوتها من الفنية التي يديرها أحمد التلي بمهارة بدعم من أحمد طخيم البهلال بقامته الفارعة والشيب الذي انتشر على ضفاف رأسه تعبيرا عن الإرهاق الذي انفقه بين ضلوع "اليوم".
في الكافتيريا الكائنة في الدور الأرضي يستريح جاسم الوبرة من قسم التنفيذ، يمدد أغصانه ويتأمل الوجوه المتفرقة بعد يوم طويل ومتشعب.
نهضة وحلم ونوم
المتابع للنهضة التي تشهدها "اليوم" بإدارة الحميدان والوعيل لاينكر الدور الذي يلعبه من خلفهما مساعد المدير العام سعيد هلال الغامدي في الادارة وسليمان صالح أباحسين نائب رئيس التحرير الذي غادر ارامكو في كانون الثاني (يناير)2004 ليعود إلى "اليوم" التي عمل فيها سابقا محررا وسكرتيرا ومديرا للتحرير، وانعكس التصميم الذي يسرح في وجهه على آداء الجريدة السعودية التي باتت أكثر قدرة على نقل هموم المواطن عبر تقديم صفحات تعنيهم وايضا استقطاب عدد من الكتاب الشبان الذين اضافوا لصفحة الرأي مثل: خيرية السيف، عبدالله الحكيم، عبدالرحمن الشهيب، حسن المصطفى، أشرف فقيه، عادل الحوشان، خالد اليحيا، مسفر الوادعي وغيرهم بالإضافة إلى الأقلام المتجددة والجديرة: عبدالله الشباط، عبدالرحمن العصيل، خليل الفزيع، نجيب الزامل، مبارك بوبشيت، سعد الناجم، محمد الغامدي، محمد الحرز، حسن الجاسر، حمد الباهلي، حسن السبع، فهمي هويدي، خالد الحليبي، عيسى الأنصاري، محمد العلي، زكريا لال، الشيخ محمد الصفار، وغيرهم.
لم تقف " اليوم"على أقدامها إلا بعد جهد من لائحة طويلة من الأسماء التي قادتها تحريراً وإدارة طوال الأربعة عقود الماضية، اداريا ترأسها على التوالي: الشيخ عبد العزيز التركي (رحمة الله) أول مدير عام للدار، ثم أتى بعده الدكتور عمر الزواوي ثم الشيخ حمد المبارك (رحمة الله) حيث كان المدير العام ورئيس مجلس الإدارة، ثم الأستاذ مساعد الخريصي، ثم الأستاذ صالح الحميدان وهو المدير العام الحالي للدار. أما تحريريا فقد ترأسها كل من: حسين خزندار(أول رئيس تحرير)، حسن المطرودي، محمد البازعي، خليل الفزيع، محمد الصويغ، محمد العجيان، محمد العلي، عثمان العمير، صالح العزاز، عتيق الخماس، سلطان البازعي، محمد الوعيل(رئيس التحرير الحالي). يقول عبدالله الغشري ان بعض رؤساء التحرير لم يستمروا طويلا لأسباب متباينة لكنهم تركوا أثراً: "عثمان العمير لم يترأس تحرير الجريدة إلا نحو ستة أشهر لكنها حافلة بالإثارة، مرت كالحلم، قبل أن يطير إلى لندن ويترأس تحرير (الشرق الأوسط)".
وغادر الجريدة الوحيدة في شرق السعودية اسماء أثرت تجربتها مثل: الشاعر الفلسطيني محمد القيسي، الروائي عبدالكريم السبعاوي، الناقد رجاء النقاش، الإعلامي المغربي محمد البوعناني، الشاعر شاكر الشيخ، وكيل وزير العمل الدكتور عبدالواحد الحميد، الكاتب الصحافي محمد الصويغ، الكاتب والقاص فالح الصغير، المؤرخ صالح الذكير، رئيس تحريرالوطن السابق طارق إبراهيم وغيرهم.
رغم الطفرة التي أحرزتها "اليوم" عبر الجريدة الرئيسة وملاحقها اليومية المنفصلة: اليوم الإقتصادي، الميدان الرياضي، الأحساء، وملاحقها الأسبوعية والدورية مازال الكثير يطلقون عليها "النوم" تندراً وانتقاصا مما يزدها تألقا وحماسة يوما بعد يوم، تعض اصابعها قلقة ومنفعلة من أجل قارئها الذي لا يعلم ماذا تخبئ له صحيفته التي يقتنيها ويشتمها!