أعرب عن سعادتي بعنوان هذا المؤتمر "المعتقدات والموروثات في الأدب العربي المعاصر" في ظل الهجمة الأمريكية تحت شعار "العولمة" التي تريد أن تقولب ثقافات الدول في قالب واحد، أو في نمط واحد، لا يعترف بتعدد الثقافات والمعتقدات والموروثات. إن هذا المؤتمر يأتي صرخة ضد العولمة بهذا المفهوم. ومن هنا تأتي أهميته.
لم يفلح مؤتمر اليوم الواحد، الذي عُقد في المدرج الأكاديمي بكلية التربية ـ جامعة طنطا ـ يوم الأحد 30/4/2006، في البحث عن المعتقدات والموروثات في الأدب العربي المعاصر، بسبب تغيب اثنين (من ستة متحدثين رئيسيين) هما: أ. د. حامد أبو أحمد (عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، وكان بحثه عن علم تحليل الخطاب والبلاغة) وأ. د. مدحت الجيار (رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الزقازيق، وكان بحثه بعنوان "انفتاح النص الشعري والجدل مع جوهر التراث). وأيضا بسبب ابتعاد أبحاث بقية المشاركين، عن عنوان المؤتمر، عدا أ. د. محمود عبد الحميد السقا (أستاذ الأدب الحديث بكلية التربية ـ جامعة طنطا) الذي جاءت ورقته بعنوان "توظيف التراث في الأدب العربي الحديث".
أما بقية الأبحاث أو الأوراق أو المشاركات، فجاءت على النحو التالي:
د. محمد زكريا عناني (أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية) تحدث عن المعتقدات (الميثولوجيا) اليونانية في كتابات روَّاد العصر الحديث، واتخذ من رفاعة الطهطاوي نموذجا، ولم يشأ أن يتحدث عن المعتقدات والموروثات في الأدب العربي المعاصر (الآن) ولو من خلال نماذج أدبية لأدباء محافظة الغربية التي تستضيف هذا المؤتمر، وهم كثر، ولديهم إنتاج أدبي فيه الكثير من النماذج التي تحمل عنوان المؤتمر.
بينما تحدث الناقد د. محمد عبد الباسط زيدان في بحثه عن نظرية الشعر في التراث النقدي، واتخذ من رؤية د. جابر عصفور نموذجا، وهو بحث مهم وقيم في حد ذاته، ولكنه لا يتواءم مع عنوان المؤتمر الذي من المفروض أن يبحث في الإنتاج الأدبي، وليس في الإنتاج النقدي، حيث ذهب زيدان في حديثه عن أعمال عصفور النقدية، ومدى إفادتها من التراث النقدي العربي.
د. عبد الوهاب كامل (أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة طنطا) تحدث في ورقته عن دور الأدب في تكوين البناء الوجداني والفكري للأمة، ومنها دور الأدب في الدفع الثوري، ودور الأدب في مواجهة التضخم السكاني في الأعمال الأدبية ـ التي قال عنها إنها خالدة ـ مثل "أم العروسة، والحفيد، وعالم عيال" (وهي مجموعة من الأفلام السينمائية). ودور الأدب في مواجهة التفكير الخرافي، ودور الأدب في تعظيم قيمة العلم والعمل، ودور الأدب التربوي في مواجهة المشاكل الاجتماعية والانحرافات السلوكية، مثل مسلسلات: "ضمير أبلة حكمت وأنا لا أكذب ولكني أتجمل"، ودور الأدب في مواجهة التطرف والتخريب الفكري، ودور الأدب في مواجهة العنف والإرهاب، .. الخ، وكما نرى فإنها موضوعات جيدة في حد ذاتها، ولكنها لا تساير عنوان المؤتمر.
د. عيد بلبع (وكيل كلية الآداب ـ جامعة المنوفية) تحدث في بحثه القيم، حديثا نظريا عن ثنائية التراث والحداثة، وعن التسويغ السياقي للمنجز المعرفي الغربي، وقراءة الحداثة، ولكنه لم يقترب من نماذج الأدب العربي المعاصر.
أما د. محمود عبد الحميد السقا (أستاذ الأدب الحديث بكلية التربية ـ جامعة طنطا) فقد اقترب من موضوع المؤتمر، وتحدث في ورقته عن توظيف التراث في الأدب العربي الحديث، وضرب مثلا بالروايات التي استوحت التراث العربي، مثل بعض روايات محمد فريد أبو حديد، وتوفيق الحكيم، وعلى أحمد باكثير، والروايات التي استوحت التراث الصوفي والتاريخ المملوكي، مثل بعض أعمال جمال الغيطاني، وسعد مكاوي، ومحمد جبريل، ومجيد طوبيا، ومحمد قطب، ويحيى الطاهر عبد الله، ونجيب محفوظ، وشمس الدين الحجاجي. وفي الشعر اكتفى السقا بالإحالة إلى كتاب "توظيف الشخصيات التراثية في الشعر الحديث" للدكتور أحمد مجاهد.
***
وفي مداخلتي أو تعقيبي، قلت: (أعرب عن سعادتي بعنوان هذا المؤتمر "المعتقدات والموروثات في الأدب العربي المعاصر" في ظل الهجمة الأمريكية تحت شعار "العولمة" التي تريد أن تقولب ثقافات الدول في قالب واحد، أو في نمط واحد، لا يعترف بتعدد الثقافات والمعتقدات والموروثات. إن هذا المؤتمر يأتي صرخة ضد العولمة بهذا المفهوم. ومن هنا تأتي أهميته الكبيرة. دعوة د. زكريا عناني لإعادة قراءة "رفاعة الطهطاوي" مهمة جدا، خاصة هذه الأيام في تعاملنا مع الآخر، فالطهطاوي نموذج ومثال عظيم لانفتاحنا على الغرب، وكتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" خير دليل على ذلك. كنت أتمنى أن أرى في الأبحاث نماذج من المعتقدات والموروثات القديمة في أدبنا المعاصر، ماذا عن أخناتون مثلا الذي كتبت عنه روايات ومسرحيات شعرية عدة، ماذا عن رموز أمل دنقل التراثية في قصائده، "لا تصالح" و"مراثي اليمامة" و"الخيول" على سبيل المثال، ماذا عن الحلاج وبشر الصوفي (أو بشر الحافي) عند صلاح عبد الصبور وغيره، ماذا عن رموز بدر شاكر السياب، ماذا عن رادوبيس وعبث الأقدار وكفاح طيبة عند نجيب محفوظ، ماذا عن أيزيس وأوزوريس في كثير من الأعمال الأدبية المعاصرة، وقد أشار د. محمود السقا إلى أعمال أخرى.
كنت أتمنى أن أرى كل هذا وغيره في أبحاث هذا المؤتمر، الذي يحمل عنوانا مهما للغاية، كما أتمنى أن يظل البحث مستمرا عن المعتقدات والموروثات في أدبنا المعاصر، لأنه بحث عن وجودنا، وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا).
وتساءل أحد الأدباء قائلا: إن المؤتمر يحمل اسم الأدب العربي المعاصر، ولا يوجد ذكر إلا للأدب المصري (وهو أدب عربي بطبيعة الحال)، ولكن أين النماذج العربية الأخرى؟
أيضا لاحظ أديب آخر أن كل أصحاب الأبحاث وأوراق العمل من أساتذة الجامعة، مع أن المؤتمر يقام بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة وفرع ثقافة الغربية، وبها أدباء وباحثون (غير أكاديميين) لديهم المقدرة على كتابة أبحاث مشابهة بل أكثر عمقا من بعض ما قدم في مؤتمر اليوم الذي لم يحترم العنوان الكبير الذي اختارته أمانة المؤتمر المتمثلة في الأدباء: أحمد عطوان (أمين عام المؤتمر) وإبراهيم خطاب، والحسيني عبد العاطي، وإيهاب الورداني، ومجدي الحمزاوي، ود. محمود السقا، وشريف الجمل، وثروت الإمبابي، ومحمد عامر.
***
مما يذكر أن هذا المؤتمر أقيم تحت رعاية المهندس الشافعي الدكروري محافظ الغربية، وأ. د. فؤاد هراس ـ رئيس جامعة طنطا، ود. أحمد نوار رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وبحضور أ. د. محمد عبد الرؤوف الشيخ ـ عميد كلية التربية بطنطا، والمحاسب أحمد عوض الله (نائبا عن محافظ الغربية) والسيدة حنان شلبي (نائبا عن رئيس هيئة قصور الثقافة) ومصطفى صيام مدير عام ثقافة الغربية. ورأسه أ. د. أحمد زكي منصور.
وقد بُدئ المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت د. ثروت العراقي، وتم خلاله افتتاح معرض الفن التشكيلي والحرف البيئية والإعجاز العلمي. وشارك في جلساته الكاتب الصحفي حزين عمر ـ مقررا للجلسة الأولى، والكاتب الصحفي أحمد عطوان مقررا للجلسة الثانية. وشدا فيه الشاعر محمد محمد الشهاوي بقصيدته "المرأة الاستثناء"، وشارك بالحضور فيه عدد كبير من أدباء الغربية وكتابها، فضلا عن مئات الطلبة والطالبات امتلأ بهم المدرج الأكاديمي بكلية التربية ـ جامعة طنطا.
وانتهى المؤتمر ببعض التوصيات، منها: ضرورة التوصل إلى مصالحة وطنية بين مؤسسات السلطة، وقطاعات الشعب تحت شعار "الحرية هي سبيل التقدم والنهضة". وضرورة استمرار التعاون بين الجامعة وفرع الثقافة في محافظة الغربية.