بينما ينتهي عام 2003 ويحل عام جديد تبدأ لعبة جمع الضرائب التي تخوضها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المدينة لإجبار ساكنيها الفلسطينيين على دفع ثمن وجودهم وصمودهم في مدينتهم بمسميات قد تبدو بعيدة عن الهدف الحقيقي التي وجدت من أجلها.
فالمواطن محمد موسى 38 عاما أحد سكان حي شعفاط شمال المدينة والذي يعمل تاجر يقول :ما بين شهر كانون الأول وكانون الثاني من كل عام، تبدأ الحكومة الإسرائيلية بجباية أموال الضرائب من مواطنين مدينة القدس، وتفرض هذه الضرائب على المحال التجارية والمنازل والمساكن والمؤسسات المقدسية.
ويذكر موسى أن عليه أن يدفع مبلغا كبيرا من الأموال كل عام من أجل التخلص من التحرشات والمضايقات التي يخلقها جنود الاحتلال وأفراد بلدية القدس الغربية في حال عدم قيامه بدفعها.
ويضيف موسى يقوم أولئك بإبتزاز المواطن الفلسطيني تحت ذريعة جمع الضرائب التي تختلف مسمياتها من ضريبة على التلفاز إلى ضريبة أخرى على المساكن المباني تسمى "الأرنونة" إلى ضريبة على السيارة وأخرى على البقالة التي لا تكفي لتكون مصدر رزق جيد للعائلة.
بين هذه الضرائب وأخرى يتخبط المواطن المقدسي فبعضهم يمتثل لهذه الضرائب ويقوم بدفعها وآخرون يتنصلون منها ويفضلون السكن في الضفة الغربية للخلاص من المضايقات التي سيعيشونها يوميا على الحواجز وفي منازلهم وأعمالهم.
ويرى كثير من تجار المدينة المقدسة أن الضرائب التي يدفعونها على مدار العام والتي تتركز في بدايته تفوق أرباحهم طوال العام التجاري الذي أصبح منذ بداية انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 غير مربحا نظرا لمنع قوات الاحتلال مواطني الضفة الغربية من الوصول إلى مدينة القدس.
وفي هذا السياق يرى حسام الحرباوي أحد أصحاب محال الملابس في البلدة القديمة " أن الوضع أصبح صعبا في الانتفاضة الحالية، نظرا لأن الحكومة الإسرائيلية تفرض علينا الضرائب لجمع الأموال التي تحتاجها في حربها مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
من جانبه اكد زهير الجعبة صاحب محال لبيع الأحذية أنه إضافة إلى التي تفرتها قوات الاحتلال على محلنا ومنازلنا تقوم بفرض ضرائب أخرى مرتفعة على البضائع التي نقوم بإدخالها إلى محالنا التجارية".
ويسترسل الجعبة قائلا: قامت قوات الاحتلال مؤخرا بنصب كمرات للمراقبة في مختلف أنحاء المدينة تحت الحجج والدواعي الأمنية، بينما تستخدمها في حقيقة الأمر لمراقبة التجار وكمية بيعهم وحجم البضاعة التي يدخلونها من خلال مراكز خاصة للتحكم .
ولعله من المفارقات الغربية في المدينة المقدسة أن البيت الذي هو ملاذ للراحة للمواطنين يتحول إلى شقاء في القدس، فجميع البيوت يتوجب عليها دفع الضرائب، إضافة إلى أن مبلغ هذه الضريبة يتحد حسب مساحة البيت وموقعه، وترتفع القيمة في ( شعفاط وبيت حنينا والبيوت داخل السور وحي الشيخ جراح وحي الصوانه ووادي الجوز)، بينما تنخفض الضريبة في( حي الطور وكفر عقب وبلدة عناتا ومخيم شعفاط و سمير اميس).
وقال المواطن ألمقدسي نعيم بركات ، يقيم في بلدة بيت حنينا شمال القدس، أن ضريبة البيت تساوي 7000 شيكل سنويا (أي ما يعادل 1200 دولار تقريبا) يتوجب عليه دفعها دفعة واحدة، أما المواطن احمد أبو الهوى الذي يسكن في حي الطور فتبلغ قيمة الضريبة 2000 شيكل (500 دولار) لمنزله الصغير المكون من غرفة واحدة إضافة إلى حمام صغير .
وقال المواطن أبو رائد أبو ارميلة مقيم في كفر عقب شمال القدس، " انه يدفع 4000 شيكل (ألف دولار) ضريبة لسلطات الاحتلال، على الرغم من انعدام الخدمات في ( كفر عقب وسمير ا ميس)، فلا تقوم البلدية بتنظيف الشوارع أو إصلاح المجاري التالفة.
أما المواطن الذي لا يدفع الضريبة التي فرضت عليه من قبل الحكومة الإسرائيلية، فيتعرض عقاره أو بيته أو مكان عمله للحجز والاستيلاء ووضع اليد من قبل بلدية القدس المحتلة، الأمر الذي يعني فقدانه لأرضه ومكان سكنه.
ومثال ذلك المواطن احمد الرجبي الذي قامت سلطات الاحتلال بوضع يدها على أجزاء من منزله بعد عجزه عن دفع عدد من الضرائب الباهظة، نظرا لتردي وضعه الإقتصادي جراء الحصار والإغلاق.
كما أوضح التاجر أبو حسام أبو عصب انه تم الاستيلاء على جزء من بضاعة محله، تقدر قيمتها 7000 شيكل لعدم دفعه ما تبقى علية من الارنونا 3000 شيكل مع بدأ العام الجديد.
هذا فيض من غيض مما يتعرض له المواطنون الفلسطينيينون المقدسيون من إبتزاز وإقتلاع من أراضيهم تحت حجج وذرائع قد تختلف في أوقاتها ومسميتها، لكنها تلتقي في شيء واحد وهو إقتلاع أي وجود فلسطيني في المدينة المقدسة في نهاية المطاف