هي من أصعب لحظات حياتي، وتذكرني بيوم اسر ولدي نمر شعبان –30 عاما - وشقيقي محمود الصفدي- 34 عاما- قبل خمس عشرة سنة، أشعر أن الساعات القليلة القادمة ستمر طويلة جدا وأنا أجلس أمام شاشات التلفزة في انتظار خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر اليوم الأحد في الواحدة ظهرا، وفي انتظار إعلان أسماء الأسرى ال 400 الفلسطينيين الذين سيتم اطلاق سراهم". بهذه الكلمات بدأت الحاجة صفية الصفدي- 57 عاما -من مدينة القدس المحتلة حديثها لنا حول مشاعر أهالي الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، والبالغ عددهم ما يقارب 7500 أسيرا فلسطينيا، يعيشون وذوويهم حالة من الترقب والقلق الشديدين في انتظار القادم في الساعات القليلية المتبقية، بعد الإعلان مساء أمس السبت عن اتمام صفقة التبادل بين حزب الله والاحتلال.
قلق وترقب وإحباط:
وسط التعتيم الإعلامي المفروض حول أسماء الأسرى الفلسطينيين الذي سيطلق سراحهم والظهور اللافت ولمسئولي حزب الله وإسرائيل للحديث عن صفقة تبادل الأسرى التي جرى توقيعها أمس في ألمانيا، يعيش أطفال الأسرى وزوجاتهم حالة من الاضطراب والقلق والترقب في انتظار إدراج اسم أسيرهم كواحد من بين 400 أسير فلسطيني سيجري إطلاق سراحهم.
بالفعل هذا ما حدث مع عائلة الأسير جمال الطويل في مدينة رام الله الذي تقول زوجته ان أولادها الأربعة تركوا دراستهم وكل أعمالهم واعتكفوا أمام شاشات التلفاز في انتظار إطلاق سراح والدهم المعتقل منذ ثلاثة سنوات تقريبا.
أما والدة الأسير مخلص درغال في مدينة اللد المحتلة عام 48 والذي قضى ما يزيد عن العشرين عاما في سجون الاحتلال فتعتبر صفقة تبادل الأسرى بمثابة خيبة أمل كبيرة سيعيشها كافة أسرى المناطق المحتلة عام 1948 وأهاليهم بعض رفض إسرائيل إطلاق سراح أي منهم بحجة أنهم مواطنوها.
لكنها رغم ذلك لا تزال ترى بصيصا من الأمل في تغير الأمور وتبدلها وأن تشمل الصفقة عدد من أسرى الداخل، خصوصا مع تسرب معلومات ولكن غير مؤكدة أنها ستشمل 15 أسيرا منهم.
لم يعدّ الحلوى بعد:
رغم كل ذلك الفرح والقلق والتوتر إلا أن العائلات الفلسطينية لم تعد الحلوى والمظاهر الاحتفالية لاستقبال الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم، وذلك لعدم تحديد أسمائهم ولانعدام الثقة باليهود الذين لهم تاريخ طويل من نقض العهود والمواثيق.
فزوجة الأسير حسن يوسف مسؤول حركة حماس في مدينة رام الله والذي ذكر اسمه من ضمن الأسماء القليلة الذين ستشملهم الصفقة، تقول أنها لن تعد الحلوى لتحتفل وعائلتها بالإفراج عن زوجها، وذلك لأنه سيبقى آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال عقب صفقة الإفراج.
وتضيف أم مصعب هناك أسرى كثيرون تعرفهم أحق من زوجها في الخروج خصوصا أنه لم يبق من مدته سوى تسعة أشهر فقط ويطلق سراحه، بينما هناك كثيرون يمضون أحكاما عالية جدا تتجاوز الألف عام.
وخشية الصدمة الكبرى كما تسميها أم عبد الله زوجة الأسير جمال الطويل ترفض التأكيدات التي يحاول أولادها إقناعها بها من أن والدهم مشمول في الصفقة، وذلك لكي لا يصاب بالصدمة والإحباط الشديد وخيبة الأمل إذا تم استثنائه منها.
ومن جانبها ترى صفية الصفدي أن إعداد الحلوى والمراسم الاحتفالية لاستقبل ابنها وشقيقها عند خروجهم من السجن هو أمر ثانوي، يمكن إتمامه في وقت قريب ولكنها لن تفعل ذلك حتى ترى أسراهم وقد وطأت أقدامهم المنزل، كون الأسرى المقدسين يعاملون معاملة خاصة تختلف عن أسرى الضفة وغزة وأسرى ال 48.
كل أسير مكسب:
من جانبهم يعتقد الأهالي الذين يمنعون من زيارة أبنائهم من أكثر من سبة أشهر بسبب الحاجز الزجاجي الذي وضعته سلطات الاحتلال للفصل بين الأسرى وذويهم، يعتقدون أن أبناءهم مسرورون جدا بهذه الصفقة ويعتبرونها إنجازا كبيرا للمقاومة، خصوصا أن الاتفاقات العربية الصهيونية لم تحرر جميع الأسرى.
ولعل أم نمر كما كثير من الفلسطينيين يتمنون أن يكون الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد على قيد الحياة أن تجري صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع حزب الله، وهذا ما تتمناه أم عبد الله التي تطلب من الله أن تكون هذه الصفقة فاتحة خير لصفقات جدية يطلق خلالها سراح كافة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
بالتأكيد إنها ساعات قليلة هي المتبقية على إنهاء صفقة التبادل الذي استمرت شهور طويلة، لكنها ستكون طويلة جدا على الفلسطينيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر رؤية أسراهم المحتجزين في سجون الاحتلال منذ عشرات السنين، وستكون فرحة الإفراج فرحة كبيرة عندهم لم يعيشوها منذ عام 1985 الذي جرت فيه آخر صفقة لتبادل الأسرى بين أحمد جبريل وإسرائيل وأطلق خلالها سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين.