ما أن فرغت سلطات الاحتلال من حملتها الشعواء التى شنتها بحق المواطنين المقدسيين مطلع هذا العام، وأجبرتهم خلالها على دفع ضريبة الأملاك التي تسميها "الأرنونة" وهي مبالغ باهظة يتوجب عليهم دفعها سنويا، حتى استحدث في السنوات الثلاث الأخيرة ضريبة جيدة تمسيها ضريبة "سلطة البث"، ويسميها المقدسيون على تسميتها بـ"ضريبة التلفزيون.
وبموجب هذه الضريبة يترتب على المواطنين المقدسيين الحاملين للهوية المقدسية التي تصدرها سلطات الاحتلال دفع مبلغ سنوي يقدر بثلاثة مئة دولار تقريبا وذلك عن استخدامهم للتلفاز، علما أنهم لا يتابعون أي من المحطات الإسرائيلية التي تبث باللغة العبرية التي لا يفهما الفلسطينيون.
ونظرا لكثرة الضرائب التي تفرضها سلطات الاحتلال عليهم، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المقدسيون غالبا ما يتخلفون عن هذه الضرائب، مما يوقعهم فريسة سهلة في أي قطعان شرطة الاحتلال التي تتربص بهم داخل المدينة المقدسة، لمصادرة سيارتهم أو أجهزة التلفاز والستلايت الموجودة في بيوتهم.
وذكر المواطن محمد الكسواني 38 عاما أنه فوجئ صباح الخميس 22 كانون ثاني الماضي بجنود الاحتلال الذين أقموا حاجزا متنقلا في منطقة التلة الفرنسية بين حي شعفاط الذي يسكن به والمدينة المقدسة، وبعد أن طلبوا منه التوقف وقاموا بفحص أوراقه الثبوتية حضر إليه موظفان آخران يرافقان جنود الاحتلال ولكن بلباس مدني، وأخبروه أنهم من سلطة البث الإسرائيلية وأن عليه أن يدفع ضريبة التلفاز التي لم يسددها بعد أسرع وقت ممكن، و إلا سيصادرون سيارته التي يتنقل بها ويبيعونها بالمزاد العلني لتسديد الضرائب المترتبة عليه على حد زعمهم.
واشتكى العشرات من الفلسطينيين من قيام موظفي سلطة البث الإسرائيلية بمداهمة منازلهم داخل المدينة المقدسة ومصادرة أجهزتهم الكهربائية المنزلية بما فيها التلفاز بحجة عدم قيامهم بدفع ضريبة التلفاز.
أما المواطن عماد النتشة 53عاما حاول تحدي الضريبة الجديدة بطرقة أخرى، يقول عندما طلب مني موظفو سلطة البث الإسرائيلية دفع ضريبة التلفاز أخبرتهم أنني لا أملك التلفاز ولا أستخدمه ولن أدفع مثل هذه الضريبة، وقد حضروا إلى منزلي داخل القدس لمصادرته ولم يعثروا على شيء ليصادروه لأني أسكن في بيت آخر خارج حدود المدينة المقدسة.
وفي حالاتٍ أخرى تم احتجاز البطاقات الشخصية ورخص السياقة بعد أن رفض أصحابها الانصياع لطواقم سلطة البث بالدفع الفوري للرسوم المفروضة عليهم، كما حدث مع المواطن محمد حمدان، حيث اعترض طريقه حاجز لطواقم سلطة البث قرب سوق المصرارة، وطلب منه مسؤول الحاجز دفع رسوم عن جهاز تلفازه المنزلي والبالغة 4.800 شيقل (أي ما يعادل 1100 دولار تقريبا).
بيد أن حمدان رفض الانصياع للمطلب، عندها حاولوا الاستيلاء على السيارة لكنه منعهم، كون السيارة التي يقودها غير مملوكة له، فيما كان منهم إلا أن حجزوا بطاقة هويته، ورخص السيارة، إلى حين دفع الرسوم المفروضة عليه.
وأكد تقرير صادر عن مركز حقوق مقدسي نهاية الشهر المنصرم أن هذه الضريبة تستهدف المقدسين وحدهم، فيما يعفى الإسرائيليين الذين تضبطهم هذه الحواجز من الملاحقة، وأنه في حالاتٍ عديدة أرغمت عائلات مقدسية بأكملها على ترك السيارة التي تملكها بعد مصادرة مفاتيحها، وأرغم أصحابها على الاستعانة بمعارفهم وأقاربهم لجمع المبالغ المطلوبة منهم لدفعها قبل أن تعاد لهم سياراتهم.
اتهم مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري سلطة البث الإسرائيلية، بانتهاج سياسة عنيفة تجاه المواطنين المقدسيين خلال قيام طواقم من هذه السلطة بحماية الشرطة الإسرائيلية تحصيل سلطة البث ما تعتبره ديونا مستحقة على المقدسيين تصل إلى آلاف الشواقل للمواطن الواحد الذي يقع ضحية عنف الإجراء الممارس من قبل هذه الطواقم.
وأشار الحموري بهذا الخصوص إلى أن طواقم سلطة البث تقوم منذ ثلاثة أشهر تقريبا بنصب حواجز مشتركة مع الشرطة على مداخل الأحياء الفلسطينية في القدس، وعند محاور الطرق الرئيسية في المدينة المقدسة، حيث تتم مصادرة سيارات المواطنين ووضع اليد عليها، ولا تعاد إلى أصحابها إلا بعد أن يدفعوا الرسوم المفروضة عليهم، وترفض هذه الطواقم إعطاء المواطنين إشعارات مسبقة بالرسوم المطلوب منهم دفعها، أو منحهم مهلة زمنية لتسديد ما تفرض عليهم.
وصف مدير مركز القدس ما تقوم به طواقم سلطة البث بأنه عمل من "أعمال القرصنة"، "غير قانونية"، معتبراً الطريقة التي يتم فيها تحصيل الرسوم من المقدسيين عملاً لا تقوم به إلا عصابات "المافيا"، مشيراً إلى أن الإجراءات المطبقة في القدس المحتلة لا تطبق على الإسرائيليين في القدس الغربية، حيث ترسل سلطة البث طواقم خاصة إلى بيوت الإسرائيليين تطالبها بالدفع عبر إشعارات محددة بفتراتٍ زمنية، ولا تتخذ إجراءات عنيفة بحق المخالفين كما يحدث مع المواطنين المقدسيين.
ويشار أن هذه السلطة لا تقدم أية خدمات لهؤلاء المواطنين، في حين أن نسب مشاهدة المقدسيين لمحطات التلفزة الإسرائيلية تكاد تكون معدومة، بالنظر إلى ما تتيحه لهم الفضائيات العربية والأجنبية، في حين أن بعض الدول في بلدان العالم المختلفة تقدم لمواطنيها خدمات مجانية لبعض القنوات بالكوابل، وتعرض عليهم حرية الاختيار للاشتراك في قنواتٍ أخرى برسومٍ رمزية.