إلى كل من تعرّض في حياته للنوائب...
وإلى كل من فقد عزيزاً...
وإلى كل من كادت المعاناة ومن كاد أسى الفراق يُفقدانه إيمانه بالحياة الأبدية في عالم الخلود....
أقدم مختارات من تأملات زاهدة صدرت عن قلوب كانت قد تعرّضت للنوائب، وعن قلوب عانت من أسى ومن ألم فقدان الأحباء، وكان الإيمان وحده من أنقذها من التردّي في عمق بؤرة اليأس.
وهذا ما يُثبت لنا أن كل من تعرّضوا قبلنا لمثل ذلك الامتحان المؤلم ـ وعلى مرّ العصور ـ قد وجدوا العزاء بالإيمان... وبالإيمان وحده بما ينتظر المرء في حياة الخلود حيث يسود السلام والمحبة والإيثار...
حيث تُشفى القلوب من جميع الأحزان...
حيث تزول الأحقاد التي تُفسد النفوس نتيجة سعي البشر المُستميت للحصول على المباهج الزائفة في الحياة الدنيوية...

الحب العظيم الأكبر

The greater love


للشاعرة إيلا ويلر ويلكوس

أرجوك يا إلهي العظيم أن تسمع دعائي!...
لست أطلب أن تجود علي بأيّ نِعم سوى الأجر على ما أمنحه من محبة
لغريب في حاجة أو حتى لخصم يتألم...
وأرجوك إن كنت سوف تمنّ عليّ بالثروة
أن تجعلني أتحلّى بنزعة الخير وبالغيريّة،
وأن تجعل من الإحسان مَسلكي.
أرجوك أن تحفظني من الغواية،
وأن تحميني حتى من أقرب الأقرباء إلي...
يا إلهي أرجوك أن تُرشدني إلى ما يُرضيك...
وأن تُعلمني كيف أحفّز نفسي المُتقاعسة على الخير والإحسان،
وأن تمنّ على ما أبذله من جهود دنيوية بالوصول إلى تنمية القلب والعقل،
وألا تَدعني أتصف بمحبة المال...
أرجوك يا إلهي أن تجعل صدري يفيض بالتعاطف والمحبة،
وألا تجعلني ممن يُحققون المكاسب بالتدافع مع الآخرين،
فهذه هي فقط أعظم النعم التي ألتمسها منك ياإلهي الكريم...

دعاء
Prayor
للشاعرة آن برونتي
يا إلهي العظيم... دعني أُناجِك...
فإن نفسي المضطربة تتمنى أن تخضع إليك،
على الرغم من كوني ضعيفة بائسة خاطئة ومذنبة
وأنا لازلت رغم ضعفي أتطلع إلى رحمتك...
أنا لست أحزن فقط على ما مضى،
لكن المستقبل يملأني أيضاً بالرعب،
ما لم تُعجّل بإنقاذ هذه المتضرِّعة المذنبة...
لست أجرؤ على القول بأن إيماني هو الأقوى،
فأنا أعلم بأن الحب والقوة خاصيتك،
و أعلم بأنني أدين لك بكل ما لدي،
يا إلهي! فلتأخذ هذا القلب الذي ليس بإمكاني أن أهبه لغيرك!
أرجوك يا إلهي! أرجوك أن تكون مصدر قوتي...وأن تكون مُنقذي...
وأن تجعلني أعيش لكي أمجّدك ولكي أعبدك وأشكرك...

الله وحده مصدر قوتي
The lord is my strength
للشاعرة إليزا كابوت فولين

يا إلهي العظيم! أنا ضعيفة لكنك تمدّني بالقوة
عندما يبحث قلبي المتواضع عن العون والهدى...
أرجوك يا إلهي أن ترحمني عندما أتعرض إلى الغواية،
وأن تجعل فضائلي أقوى من نقائصي...
وأرجوك عندما أميل إلى ارتكاب الآثام،
أرجوك أن تجعل إيماني يصونني،
وأن تجعلني أتصرف بصدق وأن أتحدث بالحقيقة وألا أثق إلا بك...

لست جبانة!
No coward soul is mine I am
للشاعرة إميلي جين برونتي

لست جبانة!
ولست أرتعد أمام العواصف التي تهزّ الكون،
فأنا أرى هالات الجنان تتألق أمامي،
كما أن ضوء الإيمان يُسلّحني ضدّ الخوف،
آه يا إلهي المعبود العظيم القدير،
يا إلهي الدائم الوجود في قلبي،
لقد سكنت الحياة في داخلي،
وبما أن لي حياةً أبديةً تُستمدّ منك،
فلا جدوى من آلاف الأفكار؛
التي تجعل قلوب البشر تضطرب،
نعم، لا جدوى منها على الإطلاق،
ولا قيمة لها لأن مثلها مثل الأعشاب الذابلة،
أو مثل زبد لا يُفيد في بحر غير محدود،
فهي لن تُثير الشكوك لدى شخص مثلي،
شخص مُتعلق بكل ثبات بملاذ الخلود،
شخص مُرتبط بطوق من حبك الكبير،
فأنت من يُحيي الحياة في السنوات الأبدية،
وأنت من ينشر التغيرات في ملكه،
أنت من يُؤازر ويدعم وأنت من يخلق ويبني،
فحتى لو زالت الأرض، وحتى لو فنَيَ البشر،
وحتى لو توقفت الأرض عن الدوران،
وحتى لو انتهى الكون وبقينا بمفردنا،
فإنك أنت وحدك من بإمكانه أن يُحيي كل ما في الكون.
فليس هناك مكان في هذا العالم ذرة واحدة،
ليس بإمكانك أن تجعلها تفنى بقدرتك الجبارة.
فأنت، أنت الوجود وأنت الروح، وأنت من لا يفنى قدرته...

دعاء
Prayor
للشاعر توماس مور

"إلهي! أنت الذي تُجفّف دموع الحزانى...
كم كان سيكون الكون مُظلماً قاتماً،
لو لم يكن بإمكان المعذبين على الأرض أن يتوجهوا إليك؟ّ
سوف يتركنا الأحباء والأصدقاء ذات يوم...
سوف يتركنا من كانوا يعيشون معنا أيام بهجتنا،
ولن يتبقى لنا سوى الدموعِ التي سنذرفها بمفردنا ...
لكنك أنت الباقي... أنت من يشفي القلوب الجريحة المُحطمة...
وأنت من يجعلها تنتعش برحمتك كما تنتعش النباتات بالمطر،
لكي تستمر في نشر عبيرها اللطيف في هذا الكون...
فعندما نيأس وعندما لن يعود بإمكاننا أن نشعر بالأمل والبهجة،
وفي اللحظة التي تطفر خلالها دموعنا،
والتي تُظلم فيها سماؤنا،
لابدّ أن تأتينا رحمتك بالفرج ولابدّ أن بحلّ السلام في نفوسنا،
ويتحوّل الحزن إلى سكينة،
وإلى ضياء يشقّ كل ما حولنا من ظلام....

رؤية للحياة
View of life
للشاعرة آن برونتي

عندما يغرق قلبي في كآبة الحزن...
وأشعر بأن الحياة لا يمكن أن تجلب إلي أي بهجة،
وأتطلع إلى مدفن واسع من المرمر تُغطيه تعريشة جميلة؛
فلا جدوى من سخريتكم ومن قولكم إنها أحلام مُروّعة
وإن ما يبدو لي بهيجاً مُشرقاً يُدرك أصحاب العقول الراجحة
أنه مُخيف كئيب مُروع وموحش...
كنت قد ابتسمت مثلكم واعتقدت ما تعتقدون،
لكن ابتسامي كان خبلاً مني، كما كان ما اعتقدته خطأ.
فأنا الآن قد صحوت من غفلتي وعلمت بأنني كنت أحلم...
لأن الواقع قد أرشدني الآن إلى الرؤية الصحيحة للحياة...
*****
كنت عندما شاهدت مَغيب الشمس في السماء؛
قد وقفت أتأملها وقد تملّكتني بهجة عارمة
ما فيها من تألّق ومن العديد من الألوان...
فهي تبدو في البداية أشبه بسُحب صوفية ناعمة،
ثم تتوهج بلون وردي يُضيء تحته فيض من لون أخضر،
لا يقل روعة عن اللون الأزرق المُتألق الذي يُضيء بينهما...
ليس بإمكاني أن أصف كل تلك الظلال الجميلة،
وأن أصف مدى روعتها عندما تألّقت،
لكنني كنت بعد ذلك قد رأيتها أيضاً تبهت وتتلاشى الواحدة تلو الأخرى.
فما الذي تَبقى منها بعد أن اختفت وبعد أن زالت فتنتها البهيجة؟...
سُحب باهتة ومظهر قاتم في السماء اللازوردية التي كانت تُضيء بكل ذلك التألق...
*****
وهكذا هي نظرتنا إلى الحياة ونحن في اتّقاد سنّ الشباب،
حيث تبدو لنا الحياة بهيجة جميلة سعيدة،
إلى أن يتلاشى بريق ذلك الضوء الكاذب،
وتظهر لنا الحقيقة العارية...
فلِم تلومونني لأن بصيرتي الأكثر حدّة قد رأت؛
من خلال ذلك البريق الكاذب عالماً من النوائب،
ولِم تلومونني لأنني أدركت أن كل ما يحيط بنا؛
في هذا العالم باهت تافه وخالٍ من المتعة؟...
*****
فعندما تبتسم تلك الأم الشابة وهي تنظر
إلى وليدها الأول الغالي المُحبَّب إلى قلبها،
ويفيض قلبها نحوه بالحب الصادق والحنان،
قد تكون دموع الفراق الأليم قد اقتربت منها،
فتلك الحالمة الحنون لا تعرف سوى القليل؛
عن الأسى والمعاناة والقلق والكفاح،
وعن الآمال الضائعة والكُرب المؤلمة،
التي قد يجلبها لها ذلك الطفل مصدر سعادتها،
فليس بإمكانها وهي في غفلتها تلك أن ترى
ما قد يُخبئه لها القدر عاجلاً أو آجلاً من معاناة ونوائب،
وليس بإمكان تلك الأم أن تُدرك مقدار ما قد تلاقيه من كَرب،
لأنها لا تعرف ما هو الأكثر رهبة ووحشة من أن تفقد وليدها الغالي...
*****
والزوجان الشابان وهما في غمرة حبهما المتبادل،
لا يعرفان سوى القليل عن السأم وعن الضجر،
وعن معنى برودة اليأس الذي قد يُصيب قلبيهما،
قبل أن يمرّ وقت طويل...
وحتى لو بقي لديهما ـ في غمرة تلك المحن ـ
الكثير من الحب والإيمان، وهما أكبر النعم في الحياة؛
فهما لا يعلمان كيف قد يأتي الموت بكل قسوة،
وكيف سيُحكم على قلبيهما المُحبَّين حينئذ بالفراق...
*****
ولا يمكن للمرء عندما يكون في غمرة السعادة؛
أن يتخيّل كيف يكون الشعور بتمزّق القلب،
وهو لا يعرف معاناة كُربة سكرة الموت في الروح والجسد؛
عندما يُغادرهما ما يربط بالأرض قبل أن يجد المرء الراحة الأبدية.
كما ليس بإمكان المُفجع الذي يبقى على قيد الحياة،
أن يتخيّل كيف سيُوارى الثرى من يحبهم،
ولا كيف سيكون عليه أن يحتمل حياة الوحدة والأسى،
ولا كيف عليه أن يستمر في الكفاح إلى أن يفنى...
*****
آه أيها الصبا.. يا سنّ الشباب.. فلتُصغ بصبر وأناة،
إلى التجربة التي سوف تروي لك قصتها،
رغم أن الشكوك قد تجعلك تسخر مما ستقوله،
لأن حماس الأمل سيظل سيدا في نفسك!...
سمع الصبا ما قالته التجربة عن سرعة زوال المتعة،
وكيف تتحطم الآمال بالإثم والألم وبالويلات والبلاء،
لكنه عندما التفت إلى الأمل كان الأمل قد أجابه:
"لا تصدق ما تقوله لك التجربة فليست الأمور هكذا!"
لكن التجربة قالت من جديد:
"لا تلتفت إليه فهذا ما همس به إلي ذات مرّة".
*****
كان قد قال لي عندما كنت في مُقتبل العمر:
"سوف تكون زهوة الرجولة رائعة"
وقال لي عندما هبت رياح المحن على حياتي
وأنا لا أزال في ربيع العمر:
"سوف يجلب إليك كل يوم جديد يطلع عليك
سماء أكثر صفاءً ونسمات أكثر لطفاً وجمالاً".
وعندما كانت الشمس نادراً ما تُشرق على حياتي، وعندما كانت تتلبَّد وتصبح حالكة،
وعندما كان الظلام يلفّ كل ما حولي،
وعندما كان المطر ينهمر دون توقف كان الأمل يقول لي
إن أشعة شمس الصيف الرائعة سوف تجعل الضياء ينتشر حولي،
وإن النسمات العليلة سوف تهب وتحمل إليّ أغنى عبير،
وإن الورود سوف تنتثر حولي على الأرض،
وإن أرق موسيقى سوف تصدح بين الأشجار...
*****
وعندما كنت قد أُنهكت تحت الأشعة اللاذعة وضعفت وتعبت،
وعندما حزنت الطبيعة معي على ضياع انتعاش الربيع
وعندما ذبلت الورود ورفضت الطيور التغريد؛
قال لي الأمل من جديد:
"فلتنتظر لبعض الوقت فقط إلى أن تمضي أيام الصيف الحارة".
وكان قد أكدّ لي بعد ذلك أن الخريف سوف يُعيد إليّ
بثرواته الذهبية ذلك الانتعاش الذي أحزن لفقدانه.
وانتظرت...انتظرت طويلاً... لكن دون جدوى فلم يعد ذلك الانتعاش،
وكانت الطبيعة البائسة قد ظلّت تذوي وتذبل رغم انقضاء فصل الصيف،
وكان ضباب الخريف قد لفّ الكون بالبرودة والرطوبة،
إلى أن هبت رياح الشتاء من خلال الأشجار العارية
وكنت بذلك قد أدركت أن الأمل لم يكن سوى حلم.
*****
أدركت يا أيها الشباب الأحمق!.. أنه كان قد خدعني،
و سوف يَثبت لك أنت أيضاً مع الوقت خداع الأمل،
بكل ما سيقوله لك من عبارات لطيفة...
لذا فلتتوقف أيها الرسول القاسي عن هذه النبوءات المُبشرة بالخير...
ولكن كان عليك أن تدَعَهم يبتهجون طالما كان بإمكانهم ذلك،
مادام ليس بإمكانك أن تُخمد اتِّقاد النار،
التي تَتَوقَّد في قلوب من هم في سن الشباب وتُدفئها،
لكنك كعادتك لا بدّ أن تنسحب بعد ذلك بهدوء وسوف تتلاشى بكل وداعة،
بعد أن تُخمدك قسوة الحقيقة...
*****
لِتُعلمهم أيها الأمل المُخادع بأن الأرض ليست مكان الراحة
وبأن مباهجها زائفة، وبأنها في أحسن الأحوال جوفاء،
لذا عليهم التوجّه نحو السماء التي هي المكان الآمن،
وبأنها المكان الذي يمكن أن تنطلق منه ومضات الضياء.
وبأن عليهم أن يأملوا أن تكون الطريق الأكثر وعورة؛ هي الطريق التي سوف تسعدهم في المستقبل،
وبأن عليهم ألا يَدعوها تفلت منهم!...
*****
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الأمل قد يَعدنا بالسعادة،
التي قد لا تتحقق والتي حتى لو حدث أن تحققت،
فقد لا نجدها كاملة أو ربما قد تكون ضارّة،
أو قد تزول وتتلاشى وتبهت بسرعة،
فلا بدّ لنا أن نعترف مع ذلك بأن الأمل بحدّ ذاته
يطرح وشاحاً مُضيئاً على كل معاناتنا وعلى نوائبنا،
ففي الوقت الذي قد ينذرنا فيه الظلام بالحذر،
سوف يتنبأ لنا الأمل بأن القدر لا يعتزم أبداً،
لن يتسبب لقلوبنا الواجفة القلقة بالمعاناة...
وحتى لو حلّت بنا النوائب وجعلتنا نعاني؛
فسوف تبدو لنا كل معاناتنا مع الأمل أقلّ حدة مما نخشاه،
و سوف تجعلنا نشعر بأن بمقدورنا احتمالها بأكثر من عزم...
*****
لذا دَعونا لا نُبالغ في حكمنا على الأمل،
وعلينا حتى لو كنا في عمق الكآبة،
أن نتوقع دوماً إشراق الصباح...
فهل سيكون علينا
ألا نُلقي بالاً إلى تغريد الطيور في السماء،
لأن طريقنا وعرة وطويلة؟
وهي التي تُسعد التائهين في طريقهم...
وهل علينا أن نطأ بأقدامنا الأزهار الرقيقة الرائعة
لأنها سوف تذبل وتذوي عما قريب؟...
أم أن علينا ألا نلتفت إلى ما حولنا من مشاهد سارة
لأن ما قد يأتي بعدها قد يكون مخيفاً ومظلماً؟...
وألا نستمتع بالنظر إلى السماء المشرقة
لأن العواصف قد تهب عما قريب؟...
*****
لا!... فنحن في طريق تَرحالنا عبر الحياة
لا بدّ أن نبتهج بكل شيء لطيف نراه أمامنا،
وحتى لو زالت أفراحنا فلا بدّ لنا من أن نتمسّك
بما تركته لنا من ذكريات جميلة ومن آمال...
وعلى الرغم من الجريان السريع لنهر الحياة أمامنا؛
فقد يكون كل ما مررنا به من النوائب الأكثر قسوة
عندما ستنتهي رحلتنا في الحياة؛
هو آخر معاناتنا في الحياة...
وعلى الرغم من البرودة ومن الظلام في العمق؛
فان ذلك الشاطئ السعيد سوف يبتسم لنا،
هناك حيث لن يُعاني أحد... وهناك حيث لن يبكي أحد...
هناك في الجنان حيث يسود النعيم إلى الأبد!...

انثروا الزهور فوق قبري
Put flowers on my grave
للشاعرة ماغ موريس فاغنر

أحبائي! أنا لست أطلب منكم عندما أرحل عن هذا العالم،
أن تُقيموا لي المراسم الرسمية الرفيعة للدفن...
ولا أن تكتبوا السطور التي تُمجّد ذكراي.
إنما كل ما أرغب به هو:
أن تذرفوا الدموع فوق وجهي،
وأن تضعوا الزهور فوق قبري...
لا تُضيّقوا عليّ المكان الذي سوف يلقى فيه قلبي الراحة الأبدية...
ولا داعي لأن تحفروا على قطعة من الرخام المصقول
كلمات المحبة والثناء كي تقرأها عيون الغرباء...
ما أطلبه منكم فقط هو أن تحتفظوا في أعماق.. أعماق قلوبكم بذكرى رقيقة عني،
وأن تُنعشوا قبري بدموع المحبة وأن تنثروا الزهور فوق قبري....

الأمل الضائع
Lost Hope
للشاعرة كرستينا جورجينا روسيتي

مات الأمل الذي كان قد ولد ذات صباح جميل،
مات ذلك الأمل مع حلول المساء...
وذلك الأمل الميت لن يعيش أبداً بعد اليوم،
لا... ليس في هذا العالم...
فلو كان ما يحجبه ليس إلا سحابة فليبكِ على نفسه،
أو على المكان الذي دُفن فيه...
فهل يمكن أن يعيش أمل ضائع من جديد؟
لا... لا يمكن لذلك الأمل الضائع أن يعيش من جديد لأنه مات...
نعم.. لقد مات.. مات.. انتهى ورحل،
لذا فمن العبث البكاء عليه..

القدر المحتوم
The inevitable
للشاعرة إيملي ديكنسن

ها قد حلّ بي ذلك القدر المحتوم في الوقت الذي كنت أخشى فيه حدوثه.
لكنه عندما حلّ بي بعد أن طال وطال انتظاري له،
لم يكن رغم قسوته قد تسبب لي بذلك الأسى،
ولم أكن قد شعرت بما كنت أشعر به من خوف وأنا بانتظار وقوعه.
لأن انتظاره بذلك الخوف كان قد طال... وطال كثيراً،
ما جعله يُصبح جزءاً مني ويُصبح عزيزاً عليّ.
فقد يشعر المرء بالأسى عندما يحلّ به قدره المحتوم
ومع ذلك فإن الخوف من وقوعه أقل رهبة من توقّعه ومن انتظاره...

حزن الأيام الماضية
A grief ago
للشاعر ميشيل شيبرد

ليس هناك حزن لن يتناقص ويهدأ بمرور الزمن،
هذا ما قاله أسلافنا من العقلاء،
لأنهم كانوا يؤمنون بأن كل ما يواجه المرء في حياته ليس سوى عبارة عن دروس
عليهم أن يتعلّموا منها أن عليهم أن ينسوا،
لكي ينتقلوا إلى المرحلة الموالية...
لكنني مع ذلك أتساءل:
هل يمكن للحزن أن يتناقص؟
وهل يمكن أن تخفّ حِدّته؟
هل يمكن أن يزول بمرور الزمن؟
ألسنا نُخفيه في قلوبنا بأساليب متعددة؟
لا... لا يمكن أن يكون الحزن مزيفاً،
ولا يمكن أن يُحاط بإطار...
ولا يُمكن أن يُفرَّغ في قالب لكي يصبح أقل مضاءً،
فهو أشبه ببصلات أو بشتلات من نبات الزعفران؛ كانت قد تُركت داخل خزانة مظلمة،
لكن ذلك الحزن الحقيقي.. ذلك الحزن العميق؛
لابدّ أن يظهر شيئاً فشيئاً بكل جلاء،
عندما سوف تنتزع عنه الأغطية التي تحميه
ولا بدّ أن تظهر الذكريات التي كان قد تمّ تعزيزها
والتي تم الاحتفاظ بها في خزانة القلوب...
فتلك الخزانة لا تُفتح إلا لأجل المحبة...
كما لا بدّ أن تظهر تلك الذكريات المُحببة التي طواها الزمن بكل عناية،
والتي عاش عليها المرء لفترة من الزمن،
لكنها على الرغم من ذلك قد لا تكون حزناً وإنما أشبه بذكرى الأسى،
وهذا ما سوف يجعلنا نتمسك بالحياة من جديد...

الوقت لا يجلب العزاء...
Time does bring relief
للشاعرة إدنا سان
فينست
كذبتم جميعاً عندما قلتم لي
إن الوقت سوف يُخفف من وطأة ألمي!..
فأنا أفتقد من أحببتهم عندما أنظر إلى انهمار المطر،
وأفتقدهم في مدّ الأمواج،
وأفتقدهم في ذوبان الثلوج فوق قمم الجبال،
وأفتقدهم عندما تتراكم أوراق الأشجار الميتةُ في ممرات الطرقات...
وسوف تظلّ مرارة محبتي لهم مُتّقدة على الدوام،
سوف تظلّ تغمر قلبي وأفكاري...
فهناك مئات الأمكنة التي أخشى الذهاب إليها،
أنا أخشى الذهاب إليها لأنها تفيض بذكرياتي،
كما أخشى الدخول براحة إلى مكان لن أرى فيه وجوه من أحببتهم
قد أخدع نفسي وأقول ليس هناك ما يُذكِّرني بهم في هذا المكان،
لكنني أقف جريحة الفؤاد لأنني أتذكرهم في كل ما حولي.

 

 

التدقيق اللغوي: حميد نجاحي

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية