أما من دَمْعِكَ المُنسابِ بُدُّ
أليسَ له معَ الأشجانِ حَدُّ
دُموعِي كُلُّها شَوقٌ وحزنٌ
وللمشتاقِِ دَمعٌ لا يُردُّ
يُكَفكِفُ مَرةً ويَنوحُ أُخرى
فبينَ ضُلوعِه بَرقٌ ورَعدُ أنا فُطِرتْ على الأحزانِ روحي
فهل لمسافرٍ في الحزنِ عَوْدُ؟
أقولُ لليلتي والبدرُ فيها
يُعطِّرُه منَ الشُّرُفاتِ وَرْدُ
ألا يا ملتقى العُشاق دوماً
لماذا كُلُّ ليلِ العشقِ سُهدُ؟
رويدَكَ - خاطبتني- أنتَ صَبٌّ
بلادُك دائماً في القلبِ تشدو
فقلتُ أجلْ، أراها كل يوم
وإن غابتْ عن العينين.. تبدُ
تذكرتُ المنازلَ والدوالي
فأزهرَ حينَها في القلبِ وُدُّ
تذكَّرتُ المآذنَ إذْ تنادي
وأجراسَ الكنائِسِ إذْ تَرُدُّ
وأطفالاً على عُشبِ الروابي
فبين الفُلِّ والحَنّونِ تعدو
لهم إن شاهدوا يوماً غُزاةً
زئيرٌ هابَه في البأسِ جُنْدُ
وريحَ المسجدِ الأقصى مَساءً
يقلِّبُ طعمَها في الثغرِ وَجدُ
صلاةُ الناس إن زاروه شوقاً
على سَجاده قُبَلٌ وخَدُّ
سأذكرُ نُورَه طفلاً وكهلاً
فلي في أرضِهِ الغراءِ عَهدُ
تذكرتُ الجبالَ، جِبالَ حيفا
فعندَ سفوحِها عِزٌّ ومَجْدُ
على قاماتِها دُرَرٌ وضوءٌ
وفوقَ جبينِها مِسكٌ ورَنْدُ
***
أقولُ لليلتي والبَدرُ فيها
يطيِّبُه من الشُرُفاتِ ورْدُ
أنا يا ليلتي قد طالَ سُهدي
وأبكى مهجتي شَوقٌ وبُعْدُ
أحاولُ أن أنالَ النومَ حتى
أرى وطني كما في الحُلْمِ يغدو
أحنُّ إلى بلادٍ عشتُ فيها
مع النَجماتِ ألمِسُها وأعدوا
بلادي حُبها في الروحِ يسري
كأن مرورَها في البالِ شَهدُ
سأذكرُ ما حَييتُ سُهولَ عِزٍّ
حَمى أطرافَها في الليلِ أُسْدُ
وأذكرُ مَوكِبَ الشُهداءِ يمضي
ويحملُهم على الأكتافِ حشدُ
وصَوتاً قالَ للأبطالِ هَيَّا
ويا ثوارَ نابلسَ استعدوا
هلُموا نتَّحِدْ سَداً مَنيعاً
فإن عَدوَّنا الغدارَ وَغدُ
ليكبرَ في عُيونِ البَدْرِ نصرٌ
ويطلعَ مع ضِياء الفجرِ عَوْدُ