لم يعرفْ عنوانَ الكُتّاب
لم يقرأ أبداً .. أيّ كتاب
لم يرسمْ .. لم يحفظْ شعراً
لم يرطنْ بلسانِ الأغراب
لم يذهبْ عندَ طبيبٍ ..
كانَ أبي .. يَتداوى بالأعشاب
لم يحقدْ .. كانَ يحبُّ الناسَ ..
وكلُّ الناسِ .. لهُ أحباب
يصلُ الأرحامَ ..
وكانَ وفياً .. للأصحاب
لم يجرِ وراءَ متاعِ الدّنيا ..
لم يحسبْ .. للمالِ حساب
فاللهُ العَاطي .. والوهّاب
لم تخدعْهُ الدنيا يوماً ..
لا الجاهُ .. ولا سِحرُ الألقاب
إنساناً كان ..
تستوطنُ كلُ تضاريسِ ..
الكرمِ الواعدِ .. منهُ الوجدان
يحتلُّ حناياهُ التاريخُ الغافي ..
في حضنِ الأزمان
إنساناً كان
في عينيهِ .. دفءٌ وحنان
في لقياهُ .. أمنٌ وأمان
إنساناً كانَ ..
أحبَّ اللهَ .. أحبََّ الناسَ ..
اختارَ الحبَّ ..
طريقاً توصلُ للإيمان ..
لم يحلمْ يوماً بالسلطان
إنساناً كان .. إنساناً عاشَ ..
يُسبِّحُ للهِ الرحمن ..
وقضى إنسان
أيامُ أبي .. أحلامُ أبي ..
ما زالتْ تصحو كلَّ صباح
تتسللُ عبرَ شرايينِ اليومِ الآتي
لا تهدأُ حيناً .. لا ترتاح ..
تنسابُ على أجنحةِ الضوءِ ..
تحطُ على رحمِ الوجدان ..
ما زالتْ تتحدّى النِسيان
وأبي من خلفِ ضبابِ الصمتِ ..
يحدّقُ بي .. في كلِّ مكان
ويصرُّ أبي .. فأبي إنسان
يؤمنُ باللهِ .. وبالقرآن
وبأنَّ الأرضَ .. من الإيمان
ويظلُّ .. يظلُّ .. يُناجيني
يتسللُ عبرَ شراييني
عشقاً .. لا يعبأُ بالأحزان ..
صوتاً .. في الصمتِ يناديني
في هذا الكرمِ .. رأيتَ النورَ
درجتَ .. كبرتَ .. معَ الأزمان ..
قل للأجيالِ ..
أنا أعشقُ ميلادَ الأطفال
فازرعْ كرمي قمحاً ..
زهراً .. حباً .. أطفال ..
أنا اعشقُ ميلادَ الأطفال
وأبي لم يتركْ ميراثا ..
لم يتركْ إلا محراثا
يتحدى الصخرْ
يروي للجيلِ حكايةَ فخر
ويعانقُ أحلامَ الأطفال
لكنّ الليلَ ثقيلُ الخطوةِ ..
مغرورُ العتمةِ .. مُختال ..
ويصرُّ .. يصرُّ الأطفال
أن يأتي الفجرُ .. وتأتي الشمسُ
ويأتي بعدَ الليلِ نهار
أن يأتي الوعدُ .. ربيعاً ..
قمحاً .. موّالاً .. باقةَ أزهار
أن ترجِعَ للعشِ الأطيار