قِصَّةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِلْأَلَمِ
فِي 2 أغسطس 1990 قَامَ الجَيْشُ العِراقيُّ بِأَمْرٍ مِنْ رَئيسِ نِظامِهِ الغاشِمِ يَوْمَها صَدّام حُسين بِغَزْوِ الكوَيْتِ، وَضَمَّها تَحْتَ مُسَمَّى المُحافَظَةِ العِراقيَّةِ التّاسِعَةَ عَشْرَةَ..
وَقَدْ بَاءَتْ بِالفَشَلِ كُلُّ مُحاوَلاتِ الوَساطَةِ العَرَبيَّةِ والضُّغوطِ الدّوَليَّةِ لِتَرْمِيمِ هَذَا الشَّرْخِ وَجَعْلِ الجَيْشِ الصَداميِّ يَتَراجَعُ عَنْ جَريمَتِهِ النَّكْراءِ، إِلَى أَنْ وَصَلَ الأَمْرُ لِتَكْوِينِ ائْتِلافٍ عَسْكَريٍّ مِنْ 34 دَوْلَةً ضِدَّ العِراقِ لِتَطْبِيقِ قَرارِ مَجْلِسِ الأَمْنِ الخاصِّ بِالِانْسِحَابِ مِن الكوَيْتِ دُونَ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ.
وَبِالفِعْلِ، بَدَأَتْ عَمَليَّةُ تَحْريرِ الكوَيْتِ فِي 17 يَنَايِرَ 1991، وَانْتَهَتْ فِي 26 فبراير مِن العَامِ نَفْسِهِ بِعَوْدَةِ الحَقِّ لِأَصْحَابِهِ.
لَكِنْ –وَيَا لَلْحُزْنِ- بَقِيَتْ لِلْجَرِيمَةِ بَصَماتٌ عَلَى جَسَدِ الضَّحيَّةِ، فَقَد امْتَدَّتْ آثَارُ الغَزْوِ العِراقيِّ لِتَشْمَلَ مُخْتَلِفَ أَوْجُهِ الحَياةِ، مِن الدَّمارِ وَالتَّخْرِيبِ فِي البِنْيَةِ التَّحْتيَّةِ، إِلَى النَّهْبِ والسَّلْبِ والتَّشْريدِ، إِلَى التَّنْكيلِ بِأَبْنَاءِ الكوَيْتِ، إِلَى خَطْفِ عَشَراتِ الأَسْرَى الَّذِينَ ظَلَّ مَصيرُهُمْ مَجْهُولاً عِدَّةَ عُقودٍ، وَمَازَالَ..
وَأُصيبَت البيئَةُ بِنَصيبِها مِن الأَذَى، إِذْ قَامَ المُعْتَدِي قَبْلَ دَحْرِهِ فِي فبراير 1991 بِتَدْمِيرِ مَا يَزيدُ عَلَى ألفِ بِئْرٍ نِفْطيَّةٍ، نَتَجَ عَنْهُ اشْتِعالُ 727 بِئْراً، بِمَا تَبُثُّهُ مِنْ أَدْخِنَةٍ سَوْداءَ أَضَرَّتْ بِالبِيئَةِ الطَّبيعيَّةِ فِي الكوَيْتِ وَدوَلِ الجِوَارِ مِنْ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَبشَرٍّ، بَل امْتَدَّت الغَمامَةُ السَّوْداءُ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى بَعْضِ الدّوَلِ المُطِلَّةِ عَلَى الخَلِيجِ العَرَبيِّ والمُحيطِ الهِنْديِّ، وَرُصِدَتْ بَعْضُ الآثَارِ الكارِثيَّةِ عَلَى البيئَةِ فِي الصّينِ واليابانِ وَدوَلِ جَنوبِ شَرْقِ آسيا، وَاسْتَمَرَّ هَذَا التَّلَوُّثُ حَتَّى تَمَّ إِطْفاءُ آخَرِ بِئْرٍ فِي شَهْرِ نوفمبر مِن العَامِ 1991.. وَهُوَ مَا عَدَّهُ المُتَابِعُونَ مِنْ أَكْبَرِ الكَوارِثِ الطَّبيعيَّةِ فِي القَرْنِ العِشْرِينَ بَعْدَ قُنْبُلَتْي هيروشيما وَناجازاكي.
وَتَمَادَى النِّظامُ المُجْرِمُ فِي جَريمَتِهِ البيئيَّةِ أَثْناءَ عَمَليَّةِ التَّحْرِيرِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا قَامَ بِضَخِّ مِئاتِ آلَافِ البَراميلِ النِّفْطيَّةِ فِي مِيَاهِ الخَلِيجِ العَرَبيِّ، لِتُشَكِّلَ بُقَعاً زَيْتِيَّةً قاتِلَةً لِلْحَيَاةِ البَحْريَّةِ والبَرّيَّةِ مُقابِلَ السَّوَاحِلِ الكوَيْتيَّةِ والسُّعوديَّةِ وَعُمومِ الخَلِيجِ العَرَبيِّ..
هَذَا فَضْلاً عَن الكارِثَةِ الِاقْتِصاديَّةِ الكَبيرَةِ اَلَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَى هَذَا الفِعْلِ الشَّنيعِ.. والكارِثَةِ الصِّحّيَّةِ المُرْعِبَةِ عَلَى الإِنْسانِ الكوَيْتيِّ، وَالَّتِي احْتَاجَتْ إِلَى جُهودٍ جَبّارَةٍ لِتَجاوُزِها وَتَفَادِي نَتائِجِها الكَبيرَةِ اسْتَمَرَّتْ لِسَنَوَاتٍ.
وَلَقَدْ كَانَت الآثَارُ النَّفْسيَّةُ والِاجْتِماعيَّةُ كَذَلِكَ مِنْ أَسْوَأِ مَا نَتَجَ عَن الغَزْوِ، وَهُوَ مَا قَدْ يَدومُ لِفَتَراتٍ طَويلَةٍ، رُبَّمَا يَقومُ عامِلُ الزَّمَنِ بِتَخْفيفِ وَطْأَتِها، وَلَعَلَّ الشَّعْبَ الكوَيْتيَّ المَعْروفَ بِالطِّيبِ وَنَقاءِ القَلْبِ يُسامِحُ بِهَا، حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَنْسَهَا.
تَمْهيدٌ
حينَما تَتَخَبَّطُ الظُّروفُ السّياسيَّةُ، وَتَصِلُ لِحَدِّ التَّعْقيدِ والالتِباسِ.. يَكونُ النّاتِجُ تَدَهْوراً في نَسيجِ الأُمَّةِ، وَهَذا ما آلَ إلَيهِ حالُنا في الوَطَنِ العَرَبيِّ..
لَيسَ لي ناقَةٌ وَلا جَمَلٌ في السّياسَةِ، وَلَكِنَّني أتَألَّمُ تِلْقائيّاً لِمُعْطَياتِ نِتاجِها المُخْزي والمُهينِ الَّذي يَتَتابَعُ عَلَينا!
إنَّني آَلَمُ وَأتَمَزَّقُ وَأنا أرى أُمَّةً أكْرَمَها اللهُ تَعالى بِمَزايا عاليَةٍ؛ لَوِ اسْتُثْمِرَتْ إنْسانيّاً لَرَفَعَتْنا عَمّا وَصَلْنا إلَيهِ.
لَقَدْ حَبَسَ العُذْرُ أمْثالي حَتّى يُغَيِّرَ أهْلُ هَذِهِ الأُمَّةِ ما بِأنْفُسِهِمْ..
هَذي الحِكاياتُ
(حكاية اليوم العابس إثرَ الغزوِ العراقي للكويت على يدِ رئيس النظام المخلوعِ صدام حسين 2 أغسطس 1990)
البحر الكامل
ما العدلُ منكَ، وأنتَ كُلُّ ظَلومِ ما اللطفُ منكَ وأنتَ فيضُ وجومِ
قدْ جئتَنا في ذاتِ يومٍ عابسٍ وسقيتَنا من كأسِكَ المَسمومِ
فترى العبادَ تهيمُ في طرقاتِها وغَدا النباتُ مُصَيَّراً كَهشيمِ
لا نرتَجي وهْماً قديماً قدْ مَضى فلِكُلِّ غادٍ كبوةُ المهمومِ
ولكلِّ قَرْضٍ ثَمَّ قرْضٌ مثلُهُ إنْ لمْ يكنْ إثماً منَ المقسومِ
ما كُلُّ منْ قد قالَ أفعلُ قدْ نَوى أوْ كلُّ من عَهِدَ الهوى بظلومِ
دَعْ عنكَ درباً لسْتَ تملِكُ خوضَهُ واحذَرْ طريقاً ليسَ بالمَعلومِ
إنَّ العهودَ لِمن سيحفَظُ بَدْءَها إنَّ النهايةَ آخِرُ التحكيمِ
أفَلَو زرعْتَ الذُلَّ يَنْبُتُ عِزَّةً حتّى إذا أسقيتَهُ بِنعيمِ؟
هَذي حكاياتٌ سأتلوها لكُمْ من كُلِّ وعظٍ نافعٍ وعظيمِ
ما كُلُّ من لَبِسَ العباءةَ عالِمٌ فالعِلمُ يؤخذُ من كتابِ عليمِ
سِرٌّ في الضَمائِرِ
(سِرُّ الكويتِ في الضَّميرِ العَربيِّ)
البحر الطويل
إذا كانَ هذا الودُّ قلْ لي فما الجَفا؟ وإنْ كانَ هذا الوصْلُ حقّاً فما الهجرُ؟
وإنْ كانَ هذا الجُرفُ يا ضَعفَ طاقَتي فما أعسرَ الأعماقَ منّيَ يا نَهْرُ
أيا أيُّها الغيبُ الذي لاحَ سِرُّهُ فخالَطَ منّي الشكَّ في وعيهِ الصَّبْرُ
كَفى اللهُ نحْري من قلائدَ طَوَّقَتْ ومنْ جوهرٍ في مِعْصمَيَّ هو الأسْرُ
كفى اللهُ مُلْكاً لو يخالِطُه الشَّقا كَفى اللهُ عيشاً إذْ يؤرِّقُهُ التِّبْرُ
فيا حُلَّةً إنْ لم تكوني لِناحِلٍ بهاءً يواسيهِ فليسَ بِكِ السّترُ
ويا أنفُسَ الياقوتِ في جيدِ مُجْهَدٍ فما أنتَ إسعادٌ، وما جُمِّلَ الصَّدْرُ
ويا جَبَلاً لمْ يُؤْوِ (يامَ) بعِصْمَةٍ ونوحٌ يُناديهِ وليسَ لهُ أمْرُ[1]
وما نيلَ ما بِالقلبِ إلا بِرحمةٍ وكيفَ يُطاقُ الشَّوكُ إنْ عقَّه الزهْرُ؟
وإنْ كانَ نسْلي منْ نسيجِ دِمائِكُمْ فبالماءِ والأرواحِ قد يخمُدُ الجَمرُ
وإنْ كانَ ما بي من جراحِ سهامِكُمْ فحسْبيَ أنّي في ضمائِرِكم سِرُّ
إلى أُمّي وأبي
(رسالتي التي لم تصل إليكما أثناء الغزو العراقي الغاشم على الكويت، حيث كان موقع عملنا في الخارج بالسفارة)
البحر الطويل
بأيِّ حقوقٍ يسرقُ الجَورُ قدسَنا وثوبُ المنايا طاهرٌ وعَفيفُ
دَواتي على ما تَتْلوانِ عَليلةٌ وخَطّي إذا ما تنظُرانِ ضَعيفُ
حليمٌ على أمْرِ الفِراقِ وحَزمهِ وإنْ عصَفَتْ للعزْمِ فيَّ صُروفُ
شَيبٌ في الرَّأْسِ
(منْ هولِ الغزوِ العِراقيِّ على الكويتِ)
البحر الكامل
سَكَبَ الدَّمعُ مِداداً في حُروفي وَدَنا اليَأْسُ مُصِدّاً عَنْ عُزوفي
وَغَدا الحالِكُ[2] شهْباً[3] واضِحاً وإذا المَفْرِقُ شيبٌ بِخَريفي
وجَرى الشَّيبُ يُرجّى والمُنى أينَ يا قَومي شَبابي وقُطوفي؟
أنْعى إليكَ التّالي
(في انتظارِ الحَلِّ العَربيِّ لتحريرِ الكويتِ)
البحر الكامل
أنْعى إليكَ مَعادناً ومناقِباً ذابَتْ بها السَّكَراتُ بالفِكراتِ
أنْعى إليكَ مَواطِناً وكَمائناً جادَتْ بها النَّظْراتُ بالعَبراتِ
أنْعى إليكَ أمانياً وتهانياً تاهَتْ خُطى الآمالِ بالتَّبِعاتِ
أنْعى إليك خَواطراً وبَوادِراً عادَتْ عُلا سَبَحاتِها عَثَراتِ
أنْعى إليكَ لَطائِفاً[4] ونَوافِحاً[5] آلَتْ لَها الهَفَواتُ بالظُّلُماتِ
أنْعى إليكَ رَكائباً ونَواصياً[6] ذَهَبَ الرِّجالُ بخَطْوِها حَسَراتِ
أسيرَيَّ.. صَبْراً جَميلاً
(وقد كانَ لنا أسْرى نتلظّى لِفراقِهم ونسمَعُ عنْ معاناتِهم.. وانتظرْنا)
البحر الطويل
أسيرَيَّ ما بي في الضَّميرِ تَعِلَّةٌ[7] فما أوْرَدَ الرّحمنُ قدْ كانَ مَقْضيّا
تَميلانِ للإصباحِ حيناً وللمَسا فيُتْرَكُ فيءُ الظَّلِّ في النَّفسِ مَطْويّا
تئنّانِ كالمذبوحِ في عيدِ فُرقةٍ وليسَ يُعافُ الأجرُ إذْ باتَ مَحْصيّا
تَذوقانِ في الأعماقِ طَعْمَ فَجيعةٍ ويصدَحُ في الأسحارِ شَجْويَ مَخْفيّا
تَحومانِ في الأحداقِ جَمراً وذِلَّةً وأُطْلِقُ شَوقاً من جَنى الصَّبْرِ عِطْريّا
تَجِفُّ عُروقُ الحُلمِ يائِسةَ الرَّجا ويورِقُ غُصنُ السُّهدِ في الحُلْمِ منْسيّا
أسيرَيَّ قدْ أُعْطيتُ ما أعْجَزَ النُّهى فأوْرَدَ حسّي موطِناً كانَ مَرْثيّا
لَعَمْرُ إلهي، هَلْ هُنالِكَ من رُؤى عَلى النّورِ في الظَّلماءِ يَنْبوعَها حيّا
تَحلّانِ عنْ جيدَيكُما الظُّلمَ إذْ طَغى ويُلهِمُ ضوءُ القيدِ منْ تاه مَهْديّا
موتٌ على قَيدِ الحَياةِ
(نفثاتُ نفسٍ تُعاني أهوالَ الغزوِ الغاشم)
البحر الوافر
مَصيرٌ مُهلِكٌ خِزياً مُهينُ فما يُغني نَهاري عنْ دَليلي
أُقاسي لَوعةً وأحوكُ عُذراً لهُ كَرَمُ الجَليلِ عن القَليلِ
وجُرحُ الصامتينَ إذا تَوالى مَريرُ الذُّلَّ منْ سُبُلِ الذليلِ
بَعْثٌ ومَماتٌ
البحر الوافر
أبَعْثٌ[8] أمْ مَماتٌ أم شقاءٌ أإرْثٌ أمْ هباءٌ أم ضَياعُ
أظُلمٌ ثُمّ غُبنٌ ثمّ جَورٌ وصَدْعٌ ثمّ هدمٌ ثم قاعُ
وكُفرٌ ثمّ ضيمٌ ثم جرحٌ ونَدبٌ ثم نزفٌ فالتياعُ
فيا منْ لسْتَ تشهَدُ ما نراهُ لقدْ أُبْعِدْتَ والتَبسَ القِناعُ
تراهُم يهتِفونَ إليهِ قسْراً[9] فهلْ يُغريكَ من هذا انطباعُ
فَدامي الصَّوتِ مكتومٌ بِصدرٍ فلا أملٌ هناك ولا شِراعُ
أيُترَكُ من يبيعُ وليسَ شيئاً يُساومُ من شَراهُ ولا يُباعُ
أنسكُتُ للضباعِ غداةَ صالَتْ بِقوتِ السُّحتِ كي تُبنى قِلاعُ[10]
دروبُ الصابرينَ تئِنُّ فَيضاً وهلْ للدَّربِ في زَمني ارتجِاعُ
وآخرُ ما يصيرُ إليه جُرمٌ كما مَدَّ اللّظى فينا الضَّياعُ
نُريدهمُ ولا يكفي قِصاصٌ ولكِنْ كَي تُمزِّقَهم جياعُ
ولي نفْسٌ ستحيا أمْ ستَبْلى بوجهٍ لا تغيِّرُهُ الطّباعُ
يا حُرَّةَ الأقْدارِ
(يومَ أكرَمنا اللهُ تعالى بعودةِ ثَرانا الطاهرِ)
البحر الكامل
يا حُرَّةَ الأقدارِ لا كانَ العِدا وَرَسَمْتِ دُرّاً دَرْبُكِ الأسفارُ
وجَنى عليكِ الغادِرون وأسرَفوا إذْ ليسَ يغفو ثائرٌ مغوارُ
ذَلَّتْ بما سَفَكَ الظلومُ وطالما منْ عِزَّةٍ سيقَتْ بها الأنهارُ
هيَ زُمْرَةٌ مَكَرت بِنورِ مقامِها وَكوَيتُ أنتِ وقلبُكِ التّيّارُ
أزلاً يعلَّلُ واثقاً بعطائِهِ ولهُ على أهلِ الفَخارِ فَخارُ
جُمَلٌ مُسَطَّرةٌ تَشعُّ هِدايةً ولها النّوارُ على الطَّريقِ نَهارُ
عُدْتُ إليكَ يا وَطَني
يومَ وطِئَتْ قَدماي أرضَ الكويتِ بعدَ التحريرِ ومن هولِ ما رأيتُ (كانَتْ أولَّ مرّةٍ أغمِضُ فيها عيني للنّومِ منذُ الغزوِ) حيث كان عملنا في الخارج نمثل دولة الكويت
البحر المتدارك
قدْ عدْتُ إليكَ أيا وَطَني لِأُقَبِّلَ رأْسَكَ والقَدَما
لِأضُمَّ غوائرَ جُرحٍ في كَ وأمحوَ جُرحاً مُحْتَجِما
كي أكْنُسَ فِتنةَ أعداءٍ أسْمو بترابِكَ مُعْتَصِما
ولفظْتُ ورائيَ سائِرَ دَهْ رٍ عُفْتُ زَماناً مُنْصَرِما
كي أُسْكِتَ فيكَ فَوائِرَ نا رٍ [11]، أُصْلِحُ صَرْحاً قَدْ هُدِما
وسأكتُبُ فوقَ مياهِ البَحْ رِ وجودَكَ حُسْناً مُبْتَسِما
وأُجمِّعُ أختامَ الشُّهَدا ءِ ليُعْليَ إصْراري العَلَما
وأُفَتِّشُ صفحاتِ السُّجَنا ءِ لعلَّ أسيريَ قَدْ قَدِما
واليومَ أُلمْلِمُ أحْلامي كي أُطْلِقَ سِرّاً قَدْ كُتِما
إنّي أحببْتُكَ، أدْخِلْني جَفْنَيكَ لكي أطْوي الألَما
أيا أخي الأسيرُ.. ألا أمَلٌ؟
(في انتظارِ أسْرانا)
البحر المتقارب
ألا لَيتَني مثلُ طيرٍ طَليقٍ ويحمِلُ سُهدي الجَوى بِدُعاءِ
تُهَذِّبُ فيَّ التجاربُ ضيقي وقَلْبي يُراعى بِوسْعِ انتمائي
فيا مُلبِسي الصّبرَ بعدَ ظُنونٍ يَجوْلُ بِجُنْحٍ دَواءُ وَفائي
أللقلبِ وَصْلٌ وذاكَ فِراقٌ وَللهجرِ قَصْمٌ وذاكَ رَجائي
يطولُ اشْتياقي وفَيضُ دُموعٍ بِعينيَ سِرْبٌ وذاكَ غِذائي
فلا تَسْحَقيني رياحَ الدَّواهي ولا تخذُليني بَقايا إخائي
إذا عَزَّتِ الفُلْكُ منْهُ الرُّؤى خَطيفَ الفُؤادِ، شِراعي عَزائي
دَعوا مَوقِدي والشِّهابُ منارٌ فقَدْ يرتَوي بالمنونِ بَهائي
عُدْ بالرُّفاتِ.. أو الأسيرِ
(وانتظَرْنا سِنينَ طَويلةً)
البحر الكامل
قُمْ للرُّفاتِ ثَرى الجِنانِ مُكَبِّرا أطِلِ الدُّعاءَ لِمنْ تأخَّرَ مُجْبَرا
إنّي تقلّدْتُ الظّنونَ تَحسُّباً وَهْمَ اللّقاءِ وذا الرُّقادُ تعذَّرا
جِئْ بالحَشا، إمّا استطعْتَ تيقُّناً أنّى جَرى دَمْعي دَماً، وتحدَّرا
أذعنْتُ للأقْدارِ وحْيَ مُهيمنٍ فالحقُّ في جنحَيكَ يُشرِقُ مُسْفِرا
ضُمَّ الرَّدى واصعَدْ بهِ مُتوشِّحاً فيَّ الرّجاءَ، فُتاتُ قَلبيَ بُعْثِرا
عُدْ بالبَسالةِ إذْ بموتِكَ ينطَوي حَدُّ الشُّكوكِ، فكُنْ لِصبريَ مِئْزَرا
هَذي الحتوفُ هيَ المنايا أضْرَمَتْ جَمراً، لتنكُثَ بالأسيرِ فيُؤْجَرا
أدّوا إليَّ أمانتي فأنا بِها طَوعَ المَصيرِ لِمنْ فَديتُ مُبِشِّرا
قَوْمي وأمانَتي
(وعندَما حانَ الوقتُ لتسلُّمِ الأمانةِ «أسرانا» الكويتيين لم تكُنْ سوى رفاتٍ في حاوياتٍ من البلاستيكِ)
البحر الطويل
أتيتُ لقومي أستردُّ أمانَتي فإذْ بيَ مسلوبٌ يُكبّلني حَتْفي
فأنْكَبُّ محْسوراً وصبْريَ قاتِلي وقد جارَ مكروباً تسانِدهُ كتْفي
فصُغْتُ غَدي من حبكَةِ الليلِ مُنْهكاً كأنّي أنا المأسورُ بالرغمِ عَن أنْفي
فيا أملاً للحتْفِ يسرقُ من دَمي ويا أسفاً للجَورِ يُحمى بهِ وَقْفي
عائدُ الرّجاءِ
(ثمّ عادَتْ بعضُ رُفاتِ أسْرانا)
البحر الرمل
لم أكُنْ بالحقدِ يوماً طرَفا أو أرى في جُرحِ غيري هَدَفا
ابنُ هذي الأرضِ، هذا موطِني صارَ يبكي خلْفَ نَعْشي أسَفا
مثلَما العائدُ من قبرٍ إلى جنّةٍ فيها مَصيري عُرِفا
هل ستبْكي فوقَ لَحْدي، يا أبي وعلى قَيدي رُجوعي قدْ غَفا؟
حُرٌّ وشهيدٌ
(بعدَ ثلاثةَ عشرَ عاماً على غيابِهم.. أُرجِعتِ الرّفاتُ لبعض الأسْرى الكويتيين ودُفِنَتْ)
البحر الطويل
أعزمٌ ونبضُ القلبِ لي إثْرَ غائبِ مَضى لي أُرَجّيه وعادَ شَهيدا
أبيتُ على استنكارِ مُرِّ حصادِهِ جَبيني أبى للظُّلمِ يَهوي سُجودا
نَما العشبُ إشراقاً لهُ لا عَدِمْتُهُ وأسفَرَ غرْسي عنْ يديهِ ورودا
داءُ.. صُلْبي
(لَدَيَّ إصابةٌ طبيّةٌ في العمودِ الفقريّ تلازمها إصابةٌ معنويةٌ في صُلبِ أمّتي)
البحر الوافر
أشَكٌّ يَعتَري في داءِ صُلْبي وصُلْبُ المرءِ للتاريخِ سِفْرُ
أبى التاريخُ يسرُدُنا كقومٍ فضرْبُ القومِ موروثٌ وفِكْرُ
وكيفَ ترومُ يا صُلْبي شِفاءً ووَقْرُ الحادثاتِ الآنَ ذُعْرُ
فلا رُقْيا تُفيدُ ولا تَمنٍّ وما للدَّهْرِ غيرُ الذِّئبِ غَدْرُ
سيبْقى الصُلْبُ يَعيا من جَديدٍ صحيحٌ أمْ مَريضٌ.. ذاكَ عُذْرُ
[1] نوح عليه السلام هو أول الرسل، وقد دعا قومه 950 سنة، ولم يؤمن له إلا القليل، وقد دعا عليهم فأغرقهم الله بالطوفان العظيم، ونجا مع نوح عليه السلام في السفينة التي صنعها بيده بعض البشر، ومن كل خلق آخر زوجان اثنان، وكان ممن هلك زوجته وابنه يام، وقيل إن اسمه كنعان، وهو رابع أبنائه (سام وحام ويافث)، وقد ناداه نوح عليه السلام لينجو معه في اللحظات الأخيرة، فأبى إلا أن يبقى على الكفر، وظن أنه سينجو بصعوده إلى رؤوس الجبال، ولكن الله أغرق الأرض ومن فيها، ولم يملك له نوح عليه السلام من الأمر شيئاً.
[2] الحالك: الشَّعْر الأسود.
[3] الشهب: لون مشابه للشيب.
[4] لطائف القدر (اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير).
[5] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) حسّنه الألباني.
[6] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ) صحيح مسلم.
[7] التعلة: هي ما يتعلل به الإنسان، أي يتسلى به.
[8] إشارة إلى حزب البعث الذي حكم العراق لأكثر من أربعين عاماً.. وعلى إثره تدهور هذا البلد العامر بالخيرات.
[9] إشارة إلى القصور المترامية التي تتخذها السلطة على حساب الشعب الجائع.
[10] إلى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
[11] أُشعِلت آبار النفط في الكويت قبل انسحاب فلول الغزاة، وظلت تحترق 6 أشهر بعد تحرير الكويت، حتى تم إطفاؤها بالكامل، مما ترك كارثة بيئية هي الأسوأ في العالم.