Imageينتعل حذاءه الإيطالي المصنوع من الجلد الفاخر , يتوجه نحو سيارته الفارهة , يجلس بالخلف ممسكًا بالجريدة اليومية , بامتعاض يتقلب بين صفحاتها , يرميها جانبًا ليستعد للنزول إلى مؤسسته التجارية .
رداءه متكئٌ على معصمه , الموظفون يقفون احترامًا لهيبة مروره , ورائحة البخور المُعتق تملأ أزقة المكان .
في جانبٍ آخر من المدينة :

بابتسامة الرضا يودع زوجته , يمسك بعصاه التي طالما اتكأت سنوات عمره عليها , ويجر خطواته المُنهكة باتجاه دُكانه القريب من منزلة , يلقي بتحية الصباح الزاهرة على جاره , يلوح بيديه لطفلة جميلة تعلقت بشرفة أحد المنازل , ويبتسم فَرِحًا لرؤية أحد الأصدقاء , يصل ويردد عبارته الاستفتاحية مع فتحه لأقفال الباب
- يا فتاح يا عليم , افتح لي أبواب رزقك -


في ذلك المكتب المُرصع بخشب الزان , والمُعلق بالطابق العشرين من بنايته الشاهقة , يرن الهاتف
- ماذا , ماذا قلت يا غبيّ!
ثلاثة ملايين فقط كانت الأرباح , ألم تعدني بضعفها , تبًا لك , إنك مفصول من العمل !
تضيق به مساحات حياته الرحبة , يفتح أزرار ثوبه , ويبتلع حبوبًا مهدئة , فقد أوشك على الانفجار !


زائر تبدو على وجهه قسمات الاقتدار , يُقبل نحو الدُكان , يستبشر برؤية وجهه ويرحب به
- تفضل سيدي , أنا بخدمتك
- عفوا , أريد كل أكياس القمح المتوفرة لديك
- حسنـًا , انتظر سيدي قليلاً ريثما أعدها لك
- كم السعر ؟
- عشرون دينار
- تفضل , إنك بائعٌ طيب , تستحق ثلاثين دينارًا
- يااه , شكرا شكرا , حمدًا لك يا رب , ثلاثون دينارًا في يومٍ واحد !
يغرق في تفكيره , ويغبط نفسه على تلك السعادة التي تغمره , سأشتري لزوجتي الفستان الذي أعجبها ذات يوم , ولابني سيارة خشبية , وطفلة الجيران الجميلة سأهديها عروسًا تُشبهها , سنتناول اليوم عشاءً لذيذًا , والمُتبقي سأوفره احتياطًا لتقلبات الأيام .


يدخل قصره المرتمي خلف الحديقة الغنّاء , يدوس بقدميه مرمرًا ناصع البياض , وينطوي كالسجادة الحمراء الموصلة لباب غرفته , في أحضان الديباج والحرير يرتمي على سريره , يصرخ بزوجته الحسناء:
- إنني لا أطيق الخسائر , أطلبي الإسعاف فورًا !


مُنهكًا يعود إلى منزله , ممسكًا بيده ترانيم الفرح , يدق الباب المُتهالك , لتستقبله زوجته بنظراتها الحانية المُعانقة لنقوش الزمن تحت عينيها , يزف لها خبر الربح العظيم , ويهمس لها بود
- إنني أدعوكِ اليوم لنزهة في أرجاء الحياة .!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية