اسمي..... وماذا يهمكم من اسمي.؟ وهل تراه يعنيكم.؟ هل سألتم عني ذات يوم.؟ هل تساءلتم كيف أعيش وأين.؟
أنا من جنين.. هل سمع أحدكم بجنين.؟ جنين المدينة، وجنين المخيم؟ كم عمري..؟ ما يكفي تجرّعي مرارتكم، وخيبة أملي فيكم.. صبيّة ما زلت، عرفت الدنيا على قد المساحة التي كانت مفتوحة أمام أمنياتي، صغيرة كانت تلك الدنيا، ما ترك الغزاة لي غير نافذة صغيرة كنت في كل صباح أشاهد منها نسوة غاديات رائحات إلى المقابر.. وذات وقت تصوّرت أنني أخرج من عالم البؤس هذا إلى حلم زيّنته بكل صور الجمال لحبيب سيأتيني على حصان أبيض..
لا تلووا شفاهكم عجباً. أنا أيضاً لي قلب، وأبحث عن حقي في الحب.. وكان حلمي البهيّ..
هل سمعتم أن الغزاة قتلوه.؟ قتلوا حلمي، حبيبي، ثم قتلوا شقيق روحي، من قاسمني الثدي والفراش وعروسات السعتر.. كان يحتسي الشاي سددوا إلى رأسه بنادقهم وأشبعوه قتلاً.. أشبعوهما قتلاً، أشبعوا مدينتي قتلاً، أشبعوا شجرة كانت صديقة عمري قتلاً..
قتلوهما أمامي وأنا أتابع نظرات التوسل المرعبة.. وعجزي.. هما الأقرب إلى روحي وما تجرأت على لبس السواد، كان السواد قد ملأني.. وتعلّمت كيف أكره، وكيف أحقد.؟
كان لي بيت، رأيته يتهاوى تحت هدير موت مسربل بالفولاذ..
رأيت أبي يبكي بلا دموع، يندب بحسرة قلّة حيلته، رأيت أمي تصارع جنازير زرقاء وتستميت دفاعا كي لا تنزع عن جدائلها السمراء منديلها الأبيض..
ماذا أفعل وأمنياتي بكم طارت.. من يدلّني على من.؟ من يقول لي من أنا، ومن هم.؟
اهترأت سجاجيد الصلاة تحت جباهنا.. وأتخمنا الجدران الوطيئة تراتيل وتعاويذ ودعوات..
الآن.. تحررت من قيودكم، أطلقت روحي إلى سموّ لن تصلوه، ولن تصله زبانيتكم ولا أسلحتكم ولا شعاراتكم.. نجوت من زنازينكم وأصفادكم.. تخلّصت من روائحكم النتنة.. وارتقيت إلى العلا..
ايها السادة المكبّلون بكراسيكم الغائصة في أحضان الموموسات والداعرات.. أيها المتبوؤون أقدارنا وألسنتنا ومصائرنا..
هل فقدتم حتى نبل الكلمة.. أيصل بكم الحال إلى جلد روحي.؟ تنكّلون بي، وما بقي منكم أحداً إلا واستنكر فعلتي.؟ وأنا أتناثر ألف قطعة، أحاول بشظايا جسدي أشِمُ جباهكم خطوط افتخار، وأطفو عطراً.. شيئاً من ماء وجه قد يغطي عفن كرامتكم..
تدينونني..؟ لماذا.؟ وما فعلت غير أن أبقيت على وجودي، ووجودكم.. تستنكرون بألف بيان وألف رجاء فعلتي.. لماذا.؟ كي لا تهتز كراسيكم.؟ كي ترضى عنكم ولاتكم.؟ لماذا وأنا خنساء عصركم الرديء، لماذا وأنا النور الباقي زينة وجودكم.. لماذا يا أخوتي وأبناء عمومتي.؟ يا من حسبتكم تكونون سندي وجناحي وخيمتي.. تستنكرون طهري.؟ لماذا.؟ وماذا بقي لي.. تمنيت لو أحداً في هذا العالم سأل لماذا.؟
أيها السابحون في قاني دمي.. ربما يذكّركم لحمي المسفوح طهراً وعطراً بسيرة الصحابة.. ومن لي بذلك الوقت البعيد غير طيف ذكرى عبثت فيها كراسيكم حتى غدت كذبات كبرى.. ها أنا ذي أحييها من جديد سيرة أخرى أقفز فيها وقفزت فوق الزمن وتركت لكم أثري، فهل أدخلتموه في صحف مدارسكم.؟
أيها القابعون في سراب أمانيكم المهترئة، أسقطوا أغانيكم، اقتلوا أناشيدكم، وغادروا قهرنا فقد أزفت الساعة وما بقيت غير أثداء العذارى تتدلى عارية تتعلق جباهكم وتزيّن ما بقي من ذرات رجولتكم
ها أنا ذي أقول ولا أهابكم، ولن أعاتبكم، فقليل مني يفيض على تاريخكم ويغسل عنكم رغما عنكم كل العفن الخائن، ويُجري على ألسنتكم الخرساء إلا عن إدانتي قليل عزّة
هل عرفتم من أكون.؟
أنا هنادي جرادات.. صبيّة فلسطينية من جنين.. أنا عروس فلسطين، التقيت حبيبي وسنقيم عرسنا..
فاكتبوا اسمي في سجلاتكم، وضعوا تحته عشرة خطوط حمراء، فأنا إرهابية.؟؟