(1)
- " للهواء نكهة أخرى حين يتنفسه من نحبهم " .
يقولها لي دومـًا كلما جلست إليه ، مشيراً إلي أحفاده الذين يعطرون وجوده بالبهجة ، وهم يحيطون رقبته بأذرعهم .
حين شَبَّ الأولاد لم يعد يراهم إلا قليلاً ، وبانقطاعهم عنه انزوى في ركن مظلم ، وشرب الصمت .
وحين انفلتت منه الدموع ، طبع في قلبي أنفاسه الأخيرة ومضى . (2)
قرر الطبيب إحاطة قدمه بالجبس لمدة شهرين على الأقل .. لازم بيته ليل نهار .. إحساسه ضاق بالأماكن .. تشعب ضجيجه كإخطبوط ينمو بين الغرف .. زوجته التي كانت تحلق كالعصافير كاد يخنقها .. أمسك بالشاكوش .. حطم الجبس .
(3)
قال :
" هذا الزحام يضخم إحساسي بالكره للآخرين " .
وحين انغلق باب المترو على ذراع الصبي المشاكس .. النساء شهقن .. البنت ذات الشعر المخضب بالأسبريه احتضنته كما لو كانا أخوين .. وحين انفتح الباب لفظتهم الكآبة إلي بوابات الخروج ..
فقال بوجه متأفف :
" أصبحت ألعن الطريق بألف لسان " .
(4)
آن لي الآن أن أفك مفاصلي بهدوء ..
أنزاح قليلاً في التراب ..
وآن لهم أن يستبدلوني بالموتى الجدد ..
(5)
رأيته يتأنق أمام المرآة المتآكلة بفعل الزمن .. يستعيد بعضـًا من بقايا أحلام المراهقة .. تلك الخاملة في رأسه .. جلس إلي فتاة .. أخرج من معطفه ورقة زرقاء .. أخذ يقرأ لها بأصابع مضطربة :
.. أنت عبير كالسهام ..
سماء حطت على راحتيَّ ..
دغل لم يمسسه بشر ..
وأنت قادمة رأيت أشجار سنط تهاوت ..
تحت أقدام العصافير وهى ترقبك ..
أنت هو النهر يتدفق تجاه قلبي ..
.. .. ..
.. .. ..
غرد قلبه بالكلمات .. ابتسمت له ..
وحين غرق في سعاله غادرته ..
(6)
بعد الانتهاء من مغازلة مرآتها ، تندس فى فراشها ، تحلم بالفارس والحصان الأبيض .. دَق بابها .. فرحت .. حين فتحت عينيها اصطدمت بتجاعيده .
(7)
عندما مال يقبلها ، أقفلت على وجهها بيديها خجلاً .. الآن تذكرت .. كانت تضحك .
(8)
كلما قرر الخروج صباحاً ، يباغته وجه الشمس ، يعود مسرعاً حتى يقف الليل على قدميه .
(9)
كلمة واحدة فجرت بركان عينيها – لم تكن غير كلمة واحدة – واحترقت .
(10)
وهو يتكئ على ذراعي رأيت أعوامه السبعين ، نحتته إلي هيكل من الألم ، وبعض الذكريات .
(11)
وهو يربت على رأسها فوق صدره ، يستنشق دموعها ، قالت :
- كلهم يستنزفون مشاعري حتى أنت .
(12)
الشمس التى شبكت أصابعها فى كفى وضغطت بخفة ، أذابيتنى ولم تنتبه .