- هذا حماري .
- لا حماري انأ .
- انه لي . لقد فقدته قرب الحدود . بعد أن أطلق علينا اليهود النار ونحن عائدون من القرية .. .
- لا.انه لي وبه علامة فارقة .
اختلف الرجلان وتجادلا طويلا حول ملكية الحمار . ثم ما لبث أن اقر الرجل الأخر بان الحمار ليس له وانه وجده قرب الحدود . طالبا من صاحبه إيصال الحمولة إلى منزله قبل أن يعيد إليه حماره ، فوافق " مصطفى " على الفور وقبل العرض الذي تقدم به الرجل .
نام " مصطفى " ليلته . وهو يمني النفس بالتسلل مرة أخرى إلى قريته "برير " التي احتلها اليهود وطردوه منها . وطردوا أهلها الذين لم يأخذوا معهم سوى مفاتيح بيوتهم التي تركوا كل شئ بداخلها . على أمل العودة إليها مرة أخرى . لكن الانتظار طال . والغربة صعبة . والحياة قاسية . والعيش في الخيام بانتظار المساعدات لا يسر القلب ويطحن كرامة الإنسان ..
قال متمتما وهو يغطي رأسه .ثم تابع قائلا :-
- اللي يترك داره بيقل مقداره... !
وراح يستعيد الذكريات الأليمة التي مر بها . منذ أن احتل اليهود قريتهم قبل ثلاثة أشهر. وقتلوا ونكلوا يسكانها الذين قاوموهم بما تيسر لهم من بنادق انجليزية قديمة . وذخائر اشتروها بمصاغ زوجاتهم الذي باعوه من اجل شراء السلاح للدفاع عن قريتهم .
لكنه ضحك طويلا في قراره نفسه . حين تذكر مافعله أهل قريتهم الذين وضعوا الأشواك والحجارة على الطريق . لإعاقة تقدم دبابات اليهود المتجهة نحو البلدة . .
- كمائن اليهود تنسحب عند الفجر، لكن الجنود المصريون سيلقون القبض علينا بتهمة التسلل ؟! .
قال بعد أن صحا باكرا من نومه . وراح يجهز حماره استعدادا للانطلاق مرة أخرى نحو القرية . والعودة منها بما تيسر حمله من القمح والشعير . ثم انطلق مسرعا نحو الحدود . حتى يتمكن من العبور والعودة قبل شروق الشمس .
- مش كل مره بتسلم الجره !
قال وقلبه كان يخفق بقوة كلما اقترب من الحدود . وكان يخالجه شعور خفي بان هذه المرة ربما تكون الأخيرة . التي يتمكن فيها من عبور الحدود إلي قريته المحتلة .التي لا تبعد كثيرا عن غزه .
ولما وصل القرية. زاد من حمولة حماره . وراح يتحسس جدران منزله.. وهو يلتفت مودعا شجرة اللوز والأماكن والحجارة التي عاش و ترعرع بينها ، قبل أن ينطلق عائدا إلى غزه . .
كان يمشي خلف حماره . حين بدا الرصاص ينهمر نحوه وهو يهم باجتياز الحدود . فأصيب في ساقه . وقتل حماره الذي قفز إلى اعلي ثم خر صريعا على الأرض . بعد أن اخترقت عشرات الطلقات النارية التي أطلقتها دورية إسرائيلية كانت تختبئ بين الأشجار جسده .
قال متمتما وهو يجر قدمه الجريحة . ويضرب كفا بكف:-
- حتى الحمير لا تسلم من شرورهم .