تمهيد:
يقول الأديب الألماني الكبير غوته: "إنّ الإنسانَ لم يولد ليحل مشاكل هذا العالم، ولكن ليحدد مكمنها، وبالتالي يتمكن من ضبطها في مفاهيم واضحة".1*
ربما تشكل هذه المقولة خلاصة ما حاول قوله ماكس فيبر في دراساته الإبستمولوجية والميتودلوجية في إطار العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. الوضوح، الدّقة، الضّبط، الثّبات، صفات يأمل فيبر أن تصل إليها مفاهيم العلوم الثّقافيّة. لقد وعى تمامًا أنه لا يمكن لنا أن نُخضع الظواهر الإنسانيّة للمناهج المطبقة في العلوم الطّبيعيّة، إننا لا نتعامل هنا مع مادة جامدة يمكن لنا ضبطها كميًا ورقميًا، كما في الظواهر الفيزيائيّة، بل نحن نتعامل مع الأفعال الإنسانيّة، بتداخلاتها النّفسيّة، والتّاريخيّة، والاجتماعيّة. ولكن بالمقابل لا يمكننا أن نترك الأفعال الإنسانيّة من غير محاولات فهم وتفسير للكيفية التي تسير عليها، ومن ثمّ إمكانية التنبوء بها مستقبليًا. ومن هنا بدأت محاولات "فيبر" في صياغة مفاهيم واضحة ودقيقة للعلوم الثقافية، لكي يحاول فهم الفعل الاجتماعي تفسيريًا. وننوه هنا إلى أن مصطلح علوم ثقافيّة "Kulturwissenschaften" هو المصطلح الذي ورثه فيبر عن الفيلسوف ريكرت "Heinrich Rickert" بوصفه أحد أتباع المدرسة الكانتيّة الجديدة"Neukantianismus" ، والّذي يقصد به العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والّتي تشمل عادةً حسب تصنيف نظرية المعرفة الألمانيّة: علم النّفس، علم الاجتماع، علم الاقتصاد، علم السّياسة، علم التّاريخ، علم التّربيّة، الإعلام، الإنتربولوجيّة، علم الآثار.
تمهيد:
الثّقافات في تشكيل حياة النّاس وبالوصول إلى مناطقها الأعمق، تمنحهم هُوِيَّة محددة معترف عليها علنًا، وهي نفسها كيانات غير متجانسة. تُقدَم أنماط التّعبير الثّابتة في تاريخ شعب على أنها تشكل -عادةً- المرجع لوحدة جماعية متاحة، وكذلك بوصفها العاكس الأولي للمسافة المتحصلة من إمكانيات تعبيريّة معينة.
إلا أنه في تاريخها الَّذي أصبحت فيه ما هي عليه الآن كائنة، تفاعلت عوامل كثيرة بعضها متناقض، وبعضها نتج عن الكثير من البواعث المتضاربة. وليست فقط الأفكار الخاصة – بواعث تشكل وقوى صياغة الأمة - هي الّتي تكون ثقافتها، بل كذلك القوة المحضة وقوة القهر من الخارج، ولكن أيضاً في بعض الأحيان الإعجاب والحماس للثقافات الأخرى من قبل الشّعوب الأخرى كان يسجل في الثّقافات. فالثّقافات تنمو من غير مخططات، إنها لاتحمل فقط الأفكار الملهمة والأعمال الإبداعية، ولكن أيضاً النّدوب من أغلال الماضي؛ لصمت مغلوب على أمره ولمقاومة مشلولة. الثّقافات بناء متعدد الأصوات، وليس كل صوت له رنّة نقيّة، والثّقافات بهذا المعنى تكون عادة ثقافات مختلطة. الموضوع الخاص وأحياناً المشكلة الخاصة لهذا النّوع المختلط من الثّقافة، أن عناصر مهيمنة في هذا الخليط تكون قد وفدت من ثقافات أجنبية، وبالتالي قد جلبت معها طابعها الخاص. كيف يمكن - أو يمكن على الإطلاق- تشكيل هُوِيَّة ثقافيّة خاصة، إذا كانت الخصوصية نفسها ستكون محددة مع الدّخيل؟!
لا أعرف لماذا بدأتُ أملُّ الكتابة، وأصبحتُ أقصُرُ من الساعات التي أخلو بها مع نفسي، ربما لأسباب كثيرة لا سبيل لتفصيلها في هذا المقام، لكني على قناعة من أنّ الذين يكتبون بمداد الدم يُعْذَرون، فأنت أحيانا تكاد تفقد الصواب حتى وأنت في أتمّ هيئاته وقواعده، أو يُخيّلُ إليك أنك تفكر بعقل خاص، وإن لم يكن ذلك؛ فلماذا لا يشعر بقية البشر بما تشعر به أنت؟
كان صاحبنا المسكين ينتظر انتهاء صلاة الجمعة بفارغ الصبر، ليحمل سجادة قديمة، ويضعها على ناحية مدخل المسجد، ويقول:من أجل بناء مسجد يا إخوان، ويأتي بالأحاديث والآيات التي تُذكّر بفعل الخير. وهل الذي يدخلُ المسجد ويؤدي الصلاة ويعي عظمتها بحاجة إلى كل هذا التذكير يا شيخ؟ سامَحَكَ الله، فالخير أبوابه مفتوحة، دائمًا لا تُغلق! لكنّ أهله وما أدراك ما أهل الخير في هذا الزمان يا شيخ!
غير طبعي أن امرءا راشدا يظل سنينا يطلب بقاءه، ويصطنع وجوده من الناس، ويبني كيانه على قبولهم وانصياعهم له كطفل مدلل، ثم لا يتوقف ولا يدع أحدا، ثم ينسب كل علم وفضل لنفسه مظهرا الاكتفاء والعبقرية بمغالطات ولغط وتلون واختيال! ولهذا جاءت عاقبته مخيفة في القرآن والحديث. ذاك هو المتكبر، لا يحسن الوقوف إلا على النظرات والكلمات والحركات التي تناسبه من الآخرين، ومن دونهم يبقى في قلق ووحشة ووسوسة، يبحث عن الناس ويلح وراءهم بكل وسيلة ظاهرة وخفية ليثبت وجوده ويشعر ببقائه، لا يطيق العيش يوما دونما استجداء شخصية وصفات وتقريظ من الناس، الحكم عنده مصلحته، ينافق ويتملق ويحتال أو يفارق ويسحق ويختال من أجل أن يكون ويبقى ويبرز، وليكن من بعد ذلك الطوفان لا يبالي على من.
يمكن القول بأن السبب الرئيسي لعدم تحقيق مجتمعات أو مؤسسات عامة التقدم المنشود؛ هو أنه تسودها ثقافة سلبية وهذه الثقافة ليست دافعة إلى الأمام، بل تدفع إلى الخلف، ويمكن القول بأن أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية هو: عدم صفاء النوايا على نحو متبادل بين أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة ما، ومحاولة تصيد أخطاء لغيرهم؛ مما قد يفسد أي عمل جماعي؛ حيث يعتقد أغلب أفراد هذا العمل أنه توجد مصالح خاصة لدى غيرهم؛ وبالتالي لا يكتمل العمل. ويرجع ذلك إلى محاولة العديد من أفراد مجتمع أن يعظموا إنجازاتهم ويبخسوا إنجازات زملائهم ، وإلى اختفاء مفهوم المصلحة العامة ومفهوم الإنجاز الجماعي لدى أغلب الأفراد، بينما يعلو في الأفق مفهوم المصلحة الخاصة والإنجاز الفردي لديهم ؛ مما يؤدي إلى إحباط الآخرين وإحجامهم عن المشاركة في أي عمل جماعي وسط نظام ضعيف للحافز الجماعي، وبالتالي تسود فكرة العمل الفردي.
كما يعد من أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية التي قد تسود مجتمع أو مؤسسة عامة ما هو: اختفاء الاحترام والتقدير المتبادل بين أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة وسط ضعف نظام المساءلة داخل هذا المجتمع أو هذه المؤسسة؛ حيث يحاول أغلب الأفراد التقليل من شأن الآخرين ومن شأن زملائهم ومكانتهم ومن شأن آرائهم وخاصة عند الحوار؛ على وهم بأن ذلك يرفع من مكانتهم؛ وبالتالي تختفي قواعد وآداب الاختلاف في الآراء لدى أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة ؛ حيث عند اختلاف الحوار قد تقع شتائم وتجريح وقذف متبادل بين أغلب المختلفين، ؛ لتسود حالة من عدم الاحترام والتقدير المتبادل بين الأفراد والزملاء في العمل الواحد ، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين وعدم الحفاظ على حقوقهم وكرامتهم؛ بل قد يتعدى الأمر إلى محاولة إهانة كل للآخر وإقصائه من المشهد.
وأيضا يعد من أبرز عناصر تلك الثقافة العامة السلبية هو: عدم الاعتراف بالكفاءات والمتخصصين وسط نظام ضعيف للحافز الفردي في مجتمع أو مؤسسة عامة؛ فأغلب أفراد المجتمع أو المؤسسة العامة يتحدثون في جميع الأمور ويدلون بدلوهم ويعتقدون أنهم يفهمون في كل مجال ، بل إنهم يجادلون كفاءات متخصصة في آرائهم على نحو يثير الاستغراب، كما أن الكثير من المديرين ونوابهم في مجتمع أو مؤسسة عامة قد لا يكونون كفاءات متخصصة، بل إن مستشاريهم قد يكونون أيضا من غير الكفاءات المتخصصة، وهذه هي الطامة الكبرى في الإدارة العامة والمحلية.
كذلك يعد من أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية هو: عدم تعلم أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة من أخطائهم وسط نظام ضعيف للمحاسبة ؛ حيث يكرر أغلب الأفراد أخطاءهم وأخطاء سابقيهم على نحو يثير الشفقة والسخرية معا، الشفقة على هذا المجتمع الذي يتحمل الخسائر الواحدة تلو الأخرى، والسخرية من هذا التكرار العجيب لأخطاء الماضي القريب قبل البعيد، وقديما قيل شر البلية ما يضحك.
وبالتالي يمكن القول بأن هذه الثقافة العامة السلبية تؤدي إلى عدم تحقيق المجتمع أو المؤسسة العامة التقدم المنشود؛ حيث يدخل الأفراد في صراعات يمكن أن تقود جميع أفراد المجتمع أو المؤسسة العامة إلى حافة الهاوية.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: شوق البرجس
ما هو قانون الأخلاق ؟... وهل هو من القوانين أسوة بغيره من القوانين الوضعية التي سنّها البشر والتي أدرجت ضمن دساتيرهم كي تُنظم حياتهم وتحكم علاقاتهم وأساليب التعامل فيما بينهم؟... ولو كان كذلك فلِم لاتوجد له تلك العقوبات الرادعة التي تُطبق على من يُخالف القوانين الوضعية الأخرى؟ ...
قانون الأخلاق ليس في الحقيقة من القوانين الوضعية المكتوبة وإنما هو حاجة وضرورة اجتماعية نشأت منذ بدء الخليقة لكي تُهذب طباع البشر وتضبط تصرفاتهم بصرف النظر عن أعراقهم وأجناسهم ودياناتهم وطباعهم..
يحتل التقويم مكانةً كبيرة في المنظومة التعليمية بكافة أبعادها وجوانبها، نظرًا لأهميته في تحديد مقدار ما يتحقق من الأهداف التعليمية المنشودة، والتي يتوقع منها أن تنعكس إيجابيا على المتعلم والعملية التربوية سواء بسواء. إن التقويم التربوي جزء لا يتجزأ من عملية التعليم، وأحد المداخل الهامة لإصلاح التعليم وتطويره، وهو هدف تعقد من أجله المؤتمرات وتقدم الرسائل العلمية، وتجرى البحوث والدراسات وتعقد حوله الحوارات والمناقشات.
الصفحة 9 من 53