إن واقع العمل الخيري في الدول الإسلامية اليوم يمكن تصنيفه بأنه يمرُّ بتحديات كثيرة منها (تفاقم الحاجة، وقلة مصادر التمويل، وآلية التنفيذ التقليدية)، ويمكن أن تُعالَج هذه التحديات من خلال بعض الأفكار والتجارب التي تزيد من إنتاجية العمل الخيري، كما تساهم في تحويله من ردة فعل وتلبية لنداء الفقراء إلى صناعة الفعل ومعالجة المشاكل وتلبية الحاجة قبل وقوعها وتفاقمها.
ويمكن عرض تلك التحديات التي يمرُّ بها العمل الخيري من خلال الآتي :
أولًا: تفاقم الحاجة: وهي زيادة نسبة الفقراء والمحتاجين والمتضررين، سواءً من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والجفاف، أو المتضررين من الكوارث غير الطبيعية كالحروب والنزاعات بين الشعوب، والاقتصار على توفير المطعم والمشرب والملبس لهم.
ترى، كيف سيكون شعور الكاتبة الشهيرة «ج. ك. رولينغ» مؤلفة سلسلة «هاري پوتر» الشهيرة حينما تعلم أن بعض إصدارات سلسلتها قد قفز إلى «الطبعة السادسة والسابعة» في اللغة العربية، في حين أنه لا يزال في طبعته الأولى باللغة الإنكليزية!
قبل أن نستقصي الشعور المحتمل للمؤلفة، علينا أن نفهم ماذا تعني كلمة «طبعة»، وكيف أن هذا المصطلح الدقيق والنافع تحول إلى أداة تضليل على القارئ في عالمنا العربي.
ما حدث هو أن هناك خلطا – قد يكون متعمدا بغرض التدليس أو بريئا بسبب الجهل- بين مفهوم الطبعة Edition وإعادة الطباعة Reprint. ومن الظاهر أن الغالبية الساحقة من الناشرين العرب لا يستطيعون التفرقة بين المفهومين، أو لا يريدون، أو كليهما معا!
إذا تدحرجت أحجار وعظام وأفرع وأشواك في أودية بها أحجار وعظام وأفرع وأشواك، وزعم خبير أنها تتدحرج بفعل كذا، وتكثر وتقل بفعل كذا، وتتجمع وتتفرق بفعل كذا، وتسلك يمنة ويسرة بفعل كذا، وستكون نهايتها كذا وكذا، فقد نقبل وقد لا نقبل منه؛ فحديثه ليس عن ثوابت ولا عن أرض سوية، فكيف بمئات لا يقبل عاقل أنهم جميعًا خبراء، وأن حججهم دامغة، وكيف إذا اختلفت أحاديثهم وتضادت عن الدوافع والنتائج لفوضى حاصلة في ظلمات ومتاهات؟
الذي سمي ابتداء وترجمة حرفية بالربيع العربي محركاته ودوافعه وملحقاته وأرضه ومسالكه ومن فيه وما فيه، وما دخل فيه وخرج منه، أمور كثيرة أقلها واضح، وجلها غائب ومتقلب ومفاجيء كأحجار في غبار تتداعى في شعاب وصدوع، ما هذا السيل العجيب المغرق من الكتابات والمقابلات والكلمات حول ما سمي بالربيع العربي وتلك هي حالة؟ أي عاقل يرى تضارب خاسرين ومستفيدين وبائسين ومغرضين وغافلين وعامدين وصادقين مزيفين ومخلصين ومنتفعين ومنغمرين ومشتهرين، ويرى فتنًا في فتن وركام عقود يتهاوى كما يحصل في مصر وغيرها، ويقول أي شيء سوى اللهم سلّم، ما أعجب سباق العناوين والمقالات والمقابلات المكومة كل يوم، كأن أصحابها مطلعون على المقاصد، ضامنون للمسالك والمؤثرات الداخلية والخارجية والظاهرة والخفية ويعلمون بالنهايات، صارت الكتابة والكلام غاية وإثبات وجود، واستحال الربيع العربي ربيعًا للألسن وللأقلام وللصور وللأسماء. إن طابق حدَثٌ مقولة قائل فهو صدفة وحظ مفرح يثبت به رجاحة علمه وتوقعاته، فتن مؤلمة مبكية فتن خراب، وكلام وكتابة، أعاذنا الله وإياكم منها ورد عقولنا وأنار بصائرنا لنستدبر ونوقف أكثر ما يقال ويكتب لأنه لغط وتضييع للوقت والعقل، يثير ويوقد أكثر مما يسكن ويطفيء.
يمكن القول بأن تقويم البرامج العامة والمحلية هو حجر الزاوية في أداء الإدارة العامة والمحلية وتطوير هذا الأداء، بيد أن العديد من وحدات الإدارة العامة والمحلية العربية تعاني في الأغلب الأعم من مشكلات رئيسية في إجراء تقويم علمي فعال للبرامج العامة والمحلية، ولوحظ أن هذه المشكلات قد تعود بالأساس إلى عدم وجود إدراك بالقدر المنشود لدى الكثير من العاملين في الإدارة العامة والمحلية لمفهوم التقويم العلمي وأسسه وآلياته؛ ومن ثم يجدر بنا في هذا المقال محاولة إلقاء الضوء بشكل سريع على الإطار المفاهيمي لتقويم البرامج العامة والمحلية.
بداية فإن التقويم في اللغة (حسبما جاء في معجم المصطلحات الفقهية، والمعجم الوسيط، والمعجم الرائد، وغيرها من المعاجم) لها عدة معان، منها: أحسن تقويم (أكمل تعديل وأحسن صورة)، وتقويم النصاب (وضع قيمة له)، وتقويم السنين (حساب الزمن بالأيام والشهور)، وتقويم البلدان (تعيين مواقعها وبيان ظواهرها)، وتقويم السلعة (تحديد البدل العادل عنها)، وتقويم النقود (إعادتها إلى قيمتها الأصلية)، وتقويم الأسنان (إصلاح إعوجاجها)، وتقويم السلوك (تعديله).
تمرُّ الشهور والثواني، ومعها الفرصُ والأماني، في كل لحظةٍ في الحياة هناك ملايين الحوافز التي تجعل من الشابِّ شخصًا فاعلًا مؤثرًا في مجتمعه، فقبل أن تأتيهِ الفرصة؛ يترقَّبُها ترقُّب القناص للفريسة، ويبادرُ لها ليطلبها، ويهيئ الظروف لتمشي معه بمرونته، ثم هو يصنعُ الحدث ليكونَ محطَّ الأنظار من الآخرين دون أن يناديهم.
فهذا أحمد طالبٌ مُستجد بعد أن أنهى محاضراته الجامعية؛ نوى أن يصليَّ الظهر، فبحث عن مصلى فلم يجد - فلم يكن ذلك مبررًا لتأخير الصلاة -، فبادر، وصلى لوحده في ساحة الجامعة، فإذا بالطلاب والأساتذة ينظرون إليه وإلى تصرفه، فبعضهم مستغرب وبعضهم مستهزئ، فلم يزدهُ ذلك إلا إصرارًا حتى أنهى صلاته، وفي اليوم التالي كرَّر نفس الفعل، فرآه أحد عمال الجامعة فذهب وصلى معه جماعة، ثم جاء طالبان وصليا معهما، وهكذا أصبحت ساحة الجامعة مصلى للطلاب، ويومًا بعد يوم تكثر جماعة الصلاة وإمامهم الطالب أحمد، وحينها علم عميد الكلية بذلك؛ غضب، واستدعى أحمد وسأله عما يفعله ؟ فرد عليه أحمد بكلِّ شجاعة وثقة: "بحثتُ عن مسجد في الكلية فلم أجد فصليت في الساحة فاجتمع الناس وصلّوا معي، ولو كان هناك مسجدًا لصلينا فيه بدلًا من الساحة"، ففهم العميد الموضوع ووعد أحمد بأنه سيبني لهم مسجدًا ليصلوا فيه، وبعد أيام انتشرت هذه القصة بين كليات الجامعة، وقام طلاب الكليات يطالبون بإنشاء مسجد في كلياتهم، وبالفعل تم تلبية ذلك الطلب وتم بناء مساجد في كليات الجامعة، وكل ذلك بفضل الله ثم بمبادرة من؟ إنها بمبادرة الطالب أحمد، وقد كسب أجر جميع من يصلي في تلك المساجد إلى يومنا هذا، كما أصبح قدوة حسنة للآخرين إلى يومنا هذا.
تمهيد
ليست الكتابة عن “الطيب صالح” بالشيء الهين أو اليسير، هذي قلعة عالية الأسوار، منيعة الجدارن. لا يبرز لها المغامر برماح قصار أو أسياف عقار، إلا أن يكون رأس الغنم عنده، تقريض الخصم، قَعيرُ الرأي أحسنه – كما هو حالنا هنا- أما الكسب فهذا أبعد من أن تهذي به أقلامنا.
من “كرمكول” بل من دبة “الفقراء” برزت عبقرية عربية – أفريقية فذة، بزت الأقران، وبلغت في عتبات الرّواية والأقصوصة وفن السير حد الجمال والإتقان، فحازت بذلك الامتنان والعرفان من كل منصف وعارف بأصول الحرفة، وأغراض المهنة.
“الطيب صالح”: (1928- 2009) ذلك السّوداني النّموذجي في هيئته وتواضعه ولباسه وثقافته الواسعة، والإستثنائي في عبقريته وإبداعه وشخصه. إنّ الحديثَ عن “الطّيب صالح” .. ليس حديثًا عن شخص بعينه .. ولكنه ذلك التّوصيف لنتاج تمازج مذاهب الثّقافة الإنسانيّة بشرقها وغربها، شمالها وجنوبها. وإذا كان من غير الممكن أن نبدأ مقالة ما، عن “الطيب” من غير هذا التّمهيد المتواضع عنه .. كذلك يكون الأمر عند الحديث عن الكاتب النّمساوي – الألماني الكبير “روبرت موزيل”: (1880- 1942)، الذي ولد بمدينة “كلاكنفورت” النّمساويّة.
الصفحة 71 من 433