إن الغيبوبة السياسية العربية قد انتهت. لقد عاد الوعي وتغلغلت روح تونس في النفس العربية. إن الطغاة ترتجف منهم الركب في كل أنحاء الوطن العربي من أقصاة إلى أقصاه. وليس العرب فقط الذين تتم مراجعة أولوياتهم والتفكير في مستقبلهم . ولكن أيضا الكيان الصهيوني ، بعد أن نخر عظام الأنظمة ودبت الفرقة بين الأشقاء، الآن يحق له أن يقلق من الصحوة العربية.
فما الذي حدث؟ ولماذا يحدث؟ وما هي الظروف الموضوعية التي أدت وتؤدي وستؤدي لمثل هذه الثورات؟ وفيما يلي وصف للظروف التي يحتمل أن تخلق بيئة مواتية لمثل هذه الثورات الشعبية.
أولا وقبل كل شيء هي الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها وتعاني منها معظم الشعوب العربية إن لم يكن كلها. في عصرنا هذا الشرط من السهل الوفاء به. هناك مناطق كثيرة من العالم حيث الاقتصادات الراكدة، مرتهنة من قبل المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، غير قادرة على إطعام الأعداد المتزايدة من السكان، والأهم من ذلك ، غير قادرة على توظيف الأعداد المتزايدة من الشباب، بما في ذلك المتعلمين من الطبقة الوسطى تعليما عاليا. وفي عصر الاتصالات الفورية في جميع أنحاء العالم، لا أحد يعتقد حقا أن مثل هذه الظروف هي الأمور التي تسود وتنتشر. لقد كان محمد البوعزيزي، الشاب الذي، من خلال فعل التضحية بالنفس، أشعل الثورة التي أسقطت دكتاتور تونس، والاستجابة لسنوات من الإحباط الاقتصادي.
1- الحرية والكرامة: يجب أن يكون المواطن كامل الحرية والكرامة في وطنه، ولا يتأتى ذلك سوى بإلغاء النظام الرئاسي، وإعطاء الرئيس دورًا تشريفيًا هامشيأ كما هو الحال في لبنان وإيطاليا وألمانيا. وانتخاب الرئيس من قبل مجلس الشعب المنتخب. وتكون كل السلطات لرئيس الوزراء المنتخب بالأكثرية من قبل مجلس الشعب. وانتخابات مجلس الشعب يجب أن تكون نزيهة ودقيقة وشفافة وتحت إشراف قضائي ومجتمعي كامل.
2- تأكيد الهوية العربية الأسلامية: فلا مجال بعد الآن لتضييع عمر الأمة والحيرة في الهوية بين العلمانمية والفرعونية والأفريقية أو المتوسطية. فنحن شعب عربي واللغة العربية مقدسة ويجب تفرض على كل صعيد في الدولة. وتتم إنشاء هيئة كبرى فعالة لنقل أكبر كم من الانتاج العلمي والأدبي العالمي للغة العربية أول بأول. كما أننا شعب مسلم نريد حكومة مدنية كاملة بمرجعية إسلامية بحيث لا تكون فيها أية قوانين تتعارض مع الشريعة الأسلامية.
تمهيد :
قد تستغرب عزيزي القارىء حين تقرأ هذا المقال ووجه الاستغراب يكمن فيما يلي :
- القيمة المضافة مفهوم اقتصادي ابتدعه علماء الاقتصاد أمثال " كارل ماركس وميلتون فريدمان وغيرهما الكثير فما ارتباطه بالإنسان المسلم والإسلام كدين .
- مكارم الأخلاق : مفهوم يكاد يكون غائبا في العصر الذي نعيشه والذي يتسم بطغيان المادية وسيادة مفهوم الفردية وتضخم الأنا عند الفرد على حساب الجماعة .
وقد يزول ذلك الاستغراب بمجرد تدبرك للحديث الشريف المتفق عليه حيث ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله الشريف :
- عن مالك انه قد بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق (فهرس أبو داود – حديث رقم1609 )
إن من مفارقات التاريخ الصارخة، أنه لايعود إلى الوراء، وإن مايحصل في مصر اليوم، هو معركة لاتخص مصر قطعًا، إنها معركة الأمة كلها، بكل فئاتها القومية وانتماءاتها الدينية ومكوناتها الفكرية وحساسياتها الحزبية، إنها معركة أحرار العالم مع النظام العالمي الجاثم على صدور البشر، يقتل ويذبح ويقصف ويقمع في مكان، ويغسل العقول ويتلاعب بالرأي العام في مكان آخر.
إن مايجري في مصر في هذه الساعات الرهيبة، ليس مجرد معركة مابين شعب مغلوب على أمره ونظام عميل انكشفت للعالم كله عمالته وخيانته ونزوله عند رغبة العدو الصهيوني فحسب، ولكنها قمة الاستعلاء والنفاق والخديعة، إنها مناورات الولايات المتحدة وأتباعها في عالم الغرب الذي يظن أنه استولى على دفة إدارة الأشياء في هذا العالم، من خلال أبشع سياسات الكذب والتمويه والتشويه، والضحك على الشعوب ! لايمكننا إلا أن نكون على شبه يقين بأن الولايات المتحدة هي التي أوعزت للرئيس بأن لايترك منصبه، وأن لاينزل عند رغبة الشعب، وأن يتمسك النظام بكراسيه ومواقعه، بينما تخرج هي على الشعب بمظهر المساعد المشفق الذي يدعم مطالبه في التغيير، وبهذا تحوز على ولاء الشعب، وتنفذ سياساتها الصهيونية في مصر، وتظهر مبارك وكأنه رجل قوي يستطيع أن يقف في وجه امريكا! إن الرئيس المصري فاقد الثقة من قبل شعبه، ليس هو النظام، إنه رجل مريض بطيء الفهم والإدراك، قد تجاوز الثمانين من العمر ولايكاد يستطيع الوقوف على قدميه كما تظهره الصور، ومهما يكن الأمر، فإن مبارك ليس وحده الذي اتخذ القرارات الإجرامية، لقمع ثورة شعبه، وتمريغ أنف بلده في الوحول، إن هذه القرارات كانت قد اتُخذت في تل أبيب وبعض أروقة واشنطن، لأن هذه الجهات كما يبدو هي المتنفذة في البلد، والمستفيدة الأولى والأخيرة مما يجري، وهو يجري أمام ذهول الجميع بموقف الجيش المصري المتفرج، الجيش المصري أمريكي التمويل والتجهيز، وربما التوجيه، والذي سيكتب عنه التاريخ، وهو يؤرخ لهذه الموقعة العظمى، بأنه الجيش الذي خدع شعبه واستغل طيبته ومصداقيته، ولم يحميه في ساعة العسرة.
يا أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً
محمد يا مصطفى يا خير البشر
وجهك يا حبيب مستدير .. كالبدر او كقطعة من قمر
أبيض جميل .. إلى حمرة يميل .. كلون الورود والزهر
يا ناعم الخدين .. يا أكحل العينين .. لشوقي لك قلبي قد انفطر
معجزة يتردد صداها من المحيط إلى المحيط، معجزة، هي هذه الثورة التونسية الشعبية، بالقياس للأوضاع الإنسانية المهينة التي تعيشهاالمنطقة العربية، وبالمقارنة مع حجم التعب الذي أنهك أرواحنا بسبب من طغيان الحكام ونهبهم الخيرات، وسبب من طغيان المحكومين وانهيار المنظومة الأخلاقية في المجتمعات، معجزة باعتبار التداعي الاستعماري علينا ثقافيا وعسكريا، لامتصاص ثرواتنا،ودعم السرطان الإسرائيلي الذي أحدثه في قلب القلب.
هذه الملابسات نفسها،تشكل التحديات الحقيقية لهذه الثورة،التي يستحيل أن يتوقف أثرها على الشعب التونسي وحده، إنه زلزال تنتشر اهتزازاته في منطقتناالتي تمتد حدودها من القهر إلى القهر، كما فيمن يعتبرون أنفسهم "المجتمع الدولي"، الذي مازال يعاني من حالة الصدمة تجاه مايجري في تونس، والذي تردد صداه مباشرة في صنعاء والقاهرة والجزائر، في زمن انفصمت فيه عروة فلسطين إلى شرقية وغربية، وباتت القضية الشماعة التي يعلق عليها الجميع شهواتهم في الالتصاق بالكراسي ، ويشهد فيه لبنان "انقلابا" خطيرا لايعلم إلا الله ماسيترتب عنه في القريب أو البعيد.
المشهد بالنسبة لمن يسمون أنفسهم "المجتمع الدولي" فظيع!، لأنه يخرج من حساباتهم، ويتمرد على مخططاتهم، ويكاد يفلت من قبضة مصالحهم السرية والعلنية، التي تريد في المنطقة ديمقراطيات تخدم مصالحهم فقط، وليس ديمقراطيات تنمو بإنسانها ومجتمعاتها، والأخطر بالنسبة لهذا المجتمع الدولي فيم يجري،أنه لافضل له ألبتة في شيء مما حصل ويحصل ليَدّعي الفضل له فيه!!، فالمنطقة التي استولى عليها الغرب بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، فاستعبد أهلها ونهب خيراتها، بتواطيء بعضٍ من مُستبديها، خاصة فيم بعد 11/9، بدا أنها غير ميتة ولا مستسلمة، وأن الجيل الجديد المولود في "تيه" الوهن والارتكاس،والتمزق بين الشعارات، خرج لتوه من قمقم الصبر والقهر، وتجاوز الحركات التي عملت طويلا لبث الروح فيه على اختلاف مشاربها، إسلامية كانت أم قومية أم علمانية، ورفع صوته بشعار "الشعب يريد "، فهو في تونس لم يكتف بطرد عصابة السراق، بل يريد تغيير الحكومة وسط ضغوط دولية وعربية هائلة لسرقة ثورته،و في مصر يريد إسقاط النظام، هكذا..على النهج الذي سنه التونسيون لهذه الأمةالواحدة، بمقاطعاتها الاثنتين والعشرين، الشعب يريد.. في اليمن والجزائر، ويريد في سوريا وفي الكويت وفي قطر وفي السعودية وفي المغرب، الشعب يريد، وإرادته يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
الصفحة 109 من 433