ماذا وراء دار فور ؟
إنه سؤال الساعة بامتياز، ولفهم ما يحدث على نحو يجمع بين الدقة والعمق نحتاج للجمع بين نظرة النملة في تدقيقها التفاصيل وربطها الأسباب والمسببات على نحو يتصف بالبساطة والمباشرة، وبين نظرة الطائر في شمولها قدرتها على كشف ما وراء الآني والمباشر. فعلى المستوى المباشر لا أحد يستطيع إنكار وجود مشكلات سياسية عميقة تعانيها السودان ولدار فور منها نصيب كبير، وعلى مستوى التحليل المعرفي لا يستطيع تجاهل الخلفيات التي يحذر النظام السوداني من تداعياتها على المنطقة كلها، والاختبار الحقيقي للسودان النظام الرسمي العربي معا هو مدى القدرة على معالجة "الآني" المباشر معالجة سياسية تنزع فتيل "المزمن" الذي تعايشنا معه لعقود وتعاملنا معه دون تقدير لطبيعته كجبل جليد ضخم يختفي تحت الماء وما يبدو منه على السطح ليس إلا قمته الطافية وهي صغيرة!
بعد الاستماع للمناظرتين بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ومرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمركية للولاية الثانية والمرشح الديموقراطي السناتور جون كيري وكذلك المناظرة بين نائب الرئيس الحالي ديك تشيني والسيناتور جون إدواردز نائب الرئيس المرشح، لا يسع المراقب إلا أن يتساءل عن الفرق بين الجمهوريين والديموقراطيين في جميع المسائل المطروحة وخاصة ما يخص السياسة الخارجية. هل سياسات ومبادئ كل حزب ثابتة أو متغيرة بتغير المرشحين للرئاسة؟ وهل هناك فرق جوهري بين سياسات ومبادئ الحزبين؟
لم تكن أيامنا في قرطبة، كلها جلسات وندوات وأمسيات شعرية فحسب، ولكن كانت هناك فرص للتجوال في شوارع المدينة الخضراء الهادئة النظيفة اللامعة، وداخل بعض محلاتها الكبيرة التي كانت أسعار منتجاتها مرتفعة بعض الشيء، وخاصة بعد تطبيق العملة الموحدة لدول الاتحاد الأوربي (اليورو).
وقد عرفنا الطريق إلى شوارع وأسوار قرطبة القديمة الأندلسية، بمعاونة كل من د. نجوى محرز، ود. نادية جمال الدين المتخصصتين في الأدب الإسباني، وأدب أمريكا اللاتينية، والأخيرة تخصصت في أعمال أكتافيو باث، ونالت عنها درجتي الماجستير والدكتوراه، وترجمت كتابه الشهير "متاهة الوحدة" إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى أعمال أخرى.
قبل أسبوعين كنت ضيف قناة النيل للأخبار الفضائية المصرية لمناقشة التصريح الذي أدلى به رئيس الأركان الإسرائيلي عن إمكان انسحاب إسرائيل من الجولان وقد طرحت رؤية لهذا التوجه الإسرائيلي بدت غير مألوفة غير أن الأحداث أكدت صحتها. فالتصريح الإسرائيلي جزء من مخطط ديبلوماسي كبير لإحراز اختراق على الجبهة السورية اللبنانية وهو متسق مع استراتيجية صهيونية تقوم على تصدير صورتها للغرب بوصفها "فيلا وسط الأحراش" تسعى للوصول لتسوية سلمية وسط محيط يصر على القضاء عليها نهائيا.
يقول العلماء إن المرأة تبكي (في المتوسط) 64 مرة في السنة، بينما يبكي الرجل نحو 17 مرة، ولكنني أعرف رجالا يتبجحون بأنهم لا يذكرون متى بكوا آخر مرة، أو بأن دموعهم لا تنزل قط، وكلما قابلت واحدا من هؤلاء تمنيت لو أستطيع تكتيفه وجلب فريق من ذوي العضلات يجلسون أمامه لتقطيع سبعين كيلو متر مربع من البصل الأحمر.. الدموع ليست بالضرورة دليل ضعف، والسيطرة على الدموع ليست في جميع الأوقات دليل رجولة وبطولة.. فلو خطفتني عصابة في العراق وهددت بقتلي لمت من فقدان السوائل (قبل أن يذبحوني) من فرط هطول الدموع الرعدية.. يوم مات صديقي ماهر عبد الله (الذي كان يقدم برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة) ظللت أبكي طوال يومين، وعلى مدى أسبوع كامل فشلت في أن أكتب كلمة واحدة في رثائه لأنني كلما كتبت اسمه على شاشة الكمبيوتر أطل منها بوجهه البشوش وابتسامته العذبة التي لم تكن تفارق وجهه أبدا، فغامت الرؤية عندي واستعدت الشريط:
حين نستذكر سير الراحلين عن هذه الدار الفانية من الأحبة والخلاّن فإن أول ما يلوح لنا على صفحات بحر الذاكرة تلك الصورة المميزة لكل منهم، ليست الصورة الجسدية التي تكفلت آلات التصوير الدقيقة بحفظ رسومها بأدق تفاصيلها، بل تلك القيمة الخلقية التي تقفز إلى الذهن حين ترن في الأذن حروف أسمائهم الغالية، فتنبعث تلك القيمة الجميلة التي تمثل صورة الروح الشفيفة البيضاء لكل منهم، وحين يذكر اسم الأخ الشيخ عبدالعزيز بن صالح الهده- رحمه الله- فإن معاني الطيبة النقية والإخاء الصادق والظرف الآسر تمثل أمام ناظري، مذكرة إياي بعظم الرزية وفداحة المصاب!