إن تنشئة الطفل وتربيته على الاعتزاز بالهوية وعلى الشعور بالانتماء الحضاري والإنساني مع التشبع بثقافة التآخي والتسامح واحترام وحب الآخرين والانفتاح على المجتمعات الأخرى ونبذ التعصب بجميع أشكاله الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية هي مسؤولية الحاضنة الأولى للطفل أي الأسرة ومن ثم المدرسة والمجتمع بصورة عامة.
ولتحقيق هذا الهدف ينبغي على الأسرة والمدرسة بصورة خاصة والمجتمع بصورة عامة التركيز على تكوين شخصية استقلالية معتزة بنفسها وصادقة وواثقة ومتواضعة وبعيدة عن التعصب بجميع أشكاله.
كنت من أوائل من تعاملوا مع الهاتف الجوّال في العالم العربي، بالتحديد كنت ضمن أول عشرة مقيمين في الوطن العربي يستخدمون الهاتف الجوال، وليس مرد ذلك فقط لأنني إنسان متحضر وبحاجة إلى وسيلة اتصال مضمونة ومأمونة لمتابعة موقف استثماراتي وأرصدتي في الخارج، ولكن لأنني كنت موظفا في شركة اتصالات قطر،
أتيت إلى دولة قطر لأول مرة عام 1979، بعد أن تركت شركة أرامكو في الظهران بالسعودية، وعملت محررا ومترجما في مجلة الدوحة التي كانت واحدة من أرقى المجلات الثقافية في تاريخ النشر والصحافة العربية، وكنت أعمل في ذات الوقت في جريدة الراية القطرية، وأول سؤال تبادر إلى ذهني عقب أول جولة قمت بها في شوارع العاصمة القطرية ،الدوحة، هو: من أين أتى هؤلاء الناس الذين يملأون الشوارع؟
في مدينة كوستي في السودان الأوسط، درج شخص مختل عقليا على رفع يديه بالدعاء: يا رب مليون جنيه،.. وعندما يسألونه ماذا سيفعل بذلك المبلغ، كان يقول إنه يريد أن يبني سورا عاليا مسقوفا للمدينة ويحكم إغلاقه بالأقفال، ثم يطير فوق البحر ويرمي بالمفاتيح حتى لا يعثر عليها أحد، ورغم أن أهل تلك المدينة شديدو التعصب لها إلا أنهم لم يكونوا يغضبون من كلام ذلك المجنون بل يضحكون له
تخلو انباء الكوارث المدمرة من مواقف إنسانية فريدة، حتى انك لتجد فيها النقيض وضده، فتطوف فيها بين مواقف تستحق الاكبار والإجلال، وأخرى تنضح بالمرارة والخزي، لكنها في كلتا الحالين تبعث في الذات البشرية استجابة شعورية حميدة، اذ انها تنظر بعين التقدير والامتنان الى قيم شريفة تجلت ساعة المحن وشدة الكرب، كما يعتريها شعور بالنفرة والامتعاض حينما تطالع صور الرذائل الممقوتة التي استوطنت نفوسا شوهاء ناقصة ولم يتكشف وجهها القبيح إلا زمن الشدائد!
في دول الاتحاد الأوروبي هناك 11 عطلة عامة ثابتة خلال السنة، مما أصاب البريطانيين بعقدة "التخلف" لأن عدد عطلهم العامة السنوية ثمان فقط، ومن ثم تم تكليف لجنة حكومية لتحديد التوقيت المناسب لعطلة تاسعة على أن تكون ما بين أغسطس وديسمبر لأن الناس يعملون زهاء 111 يوما متصلة (مساكين) ما بين آخر عطلة عامة في أغسطس وعطلة الكريسماس في أواخر ديسمبر.. يعني أكثر بلدان العالم رفاها وبحبحة وإنتاجية ترى أنه لا يجوز حمل إنسان على العمل لأكثر من شهرين متصلين، وبالمقابل فإن معظم الدول العربية لا تعرف سوى عطلة عيدي الفطر والأضحى، و.... ربما اليوم الوطني (الاستقلال) الذي يسمى في البلدان المحكومة بأنظمة انقلابية "عيد الثورة"... يعني الفضل في تمتع معظم المواطنين العرب بيوم عطلة في غير العيدين يعود إلى الاستعمار، فلولا أنه حكم بلداننا، ثم تركها، لما صار يوم الاستقلال عطلة عامة.. في جميع دول العالم المنتجة يحترمون حقوق العاملين ويفتعلون المناسبات ويجعلون من وقائع عامة ووطنية "حجة" لمنح الناس بضعة أيام من الراحة مدفوعة الأجر
خلال عملي في مجلة الدوحة في مطلع الثمانييات لم أكُ أعجب لأن نصف الكمية المطبوعة منها كانت توزع في السودان، وفي ذلك الزمان كانت مجلة روز اليوسف توزع في السودان 65 ألف نسخة، وهو في تقديري ما يعادل مجموع التوزيع اليومي لسبع صحف سودانية مجتمعة في الوقت الراهن، وكنا نحرص على شراء الأهرام خاصة في اليوم الذي كان فيه محمد حسنين هيكل يكتب فيه عموده الأشهر "بصراحة"، ويوم الثلاثاء كنا نشتري "أخبار الأسبوع" المصرية، ومن سبق لبق، يعني ما لم تكن موجودا حول الكشك لحظة وصول الصحيفة فلن تحصل على نسخة منها