إنَّ الواقع المأساوي الذي ساد في العراق في ظل الاحتلال وعبث الجماعات المسلحة ذات التوجهات الدينية المزعومة أو السياسية الملغومة، جعله يعيش وضعًا مفعمًا بالصعوبات والتعقيد، وبعيد الأثر السلبي في مجالات الحياة جميعًا، وهو وضع غني بالأحداث، وكفيل بتوفير المواد التي تصلح للإبداع في فنون التعبير، لو تهيَّأت وسائل الإنتاج للمبدعين. وتأتي مسرحية "أمراء الجحيم" لتشكل ملمحًا مهمًا من ملامح الإبداع في هذه المرحلة من مراحل تاريخ العراق الحديث، ولتسجِّل بجرأة واضحة أهم ما يمكن تسجيله من المسببات التي تعبث بمقدرات هذا الوطن الجريح، دون أن تعبأ بالنتائج، فهي أوضح مِن أنْ يعتني بها عمل فني قصير ومركَّز كـ"أمراء الجحيم".
كتبت إلينا السيدة الفاضلة سها جلال جودت تسألنا كما سألت غيرنا من الكتاب أن نتحدث عن طفولتنا وعن البيئة التي نشأنا بها وظلال الأسرة والمطالعات الأولى تمهيدا لنشرها في كتاب
خاص ستصدره الكاتبة بعنوان" الأدباء يتحدثون عن طفولتهم" وربما أستبق الحدث فيما يخصني ولأنني لا أحتفظ بأشياء لنفسي فإنني أنشر ما أرسلت به إلى السيدة الفاضلة ليطلع عليه القراء الأكارم.
إبراهيم مشارة
لقد أسماها الراحل جبرا إبراهيم جبرا "البئر الأولى" وقيل" الإنسان طفل كبير"، ربما تتحدد مصائرنا في طفولتنا ففيها قبسة الذكاء أو تبلد الفكر، نبالة النفس أو خستها، شجاعة القلب أوجبنه ،عشق الجمال أو عدم الإحساس به ،حب الحرف أو عشق الدرهم، الوحدة أو الاجتماع، التفكير أو التسليم ،نبش بطون الألفاظ أو التسليم بحرفيتها.
إن الكتابة عن الشعر تحتاج لأكثر من مجداف وأكثر من رؤية، وتحتاج لكثير من المفاتيح التي تساعد الكاتب في الغوص وكشف أعماق القصيدة دون خلل في بنائيتها المتكاملة أو مسٍّ لحساسيِّتها المرهفة والتي تلعب دورا عظيما في التواصل مع الآخرين. لأن العمل الشعري في النهاية عمل متكامل متلاحم الأعضاء، والصعوبة تمكن أكثر عندما نتناول تجربة الأنثى الكاتبة، وهذا لا يعني التقليل من إبداعها وشخصها كجنس بشري أو إجحاف لحقّها الإبداعي، فالإبداع تميّز يرفرف فوق سماء الرجل والمرأة، ولكن تبقى الأنثى مُحاطة بعدّة أسوار، تحتاج لأدوات خاصة وبارعة ورؤية متأنية ناضجة حتى يقتحم الناقد أسوارها، فلها طبيعتها النفسيّة والجسدية التي تميزها عن الرجل، ولها قضاياها التي تخصّها، وتدفعها للاهتمام والتعبير عنها، والإبداع أكبر من هذه المعايير، ولذلك يكون الأمر صعبا عندما تتناول تجربة مبدع بعيد عنك، وربما يكون هذا البعد الجغرافيّ والمعرفيّ لصالح العمل، فتتعامل معه بتجرُّد وموضوعية، هذا يدفعك للبحث عن وسائل أخرى تغنيك عن التقرب منه، فلا تجد سوى إبداعه وقصائده، فهي الأقرب وفي داخلها مفاتيح عالمها الشعري.
من المتعارف عليه أنّ قوّة المجتمع مرهونة بمدى قدرته على التفاهم أمام المستجدات. وإن لحمة الأمم تعتمد على عوامل مشتركة من الوعي يقوم بها ويؤدِّي وظيفتها رجال الفكر والأدب...
وهذا لا يتم إلا إذا توطّدت العلاقة بينهم وبين عامة الشعب .. وما من أمة حافظت على تاريخها وبنت حاضرها، وسعت إلى مستقبلها إلا وكان وراءها فكر نيّر، وعقول راجحة متوازنة، تعي ما تأخذ، وتعرف مسار خطواتها أمام الزوابع التي تحاصرها، وترمي غبارها عليها..
العصور القديمة:
دلت الحفريات والنقوش ورؤوس الرماح الحجرية ومجموعة الفخاريات المتقنة الصنع التي عُثر عليها في مناطق متفرقة من البلاد بواسطة البعثة الدانمركية عام 1965، والبعثة الإنجليزية عام 1973، والبعثة الفرنسية عام 1976، على أن أرض قطر كانت مأهولة بالسكان منذ الألف الرابع قبل الميلاد، حيث استوطنها أقوام عديدة في شبه الجزيرة.
وقد تم اكتشاف حوالي مائتي موقع لآثار ما قبل التاريخ خلال الأعوام الثمانية التي اضطلعت خلالها البعثة الدانمركية الأثرية بالعمل في قطر فيما بين عام 1956 إلى عام 1965. واكتشفت عدة مواقع ترجع إلى فترات مختلفة من العصر الحجري في شرق "أم باب"، وكذلك وجدت مواقع أخرى في الجنوب الأقصى قرب "سودانثيل"، وإلى الجنوب الشرقي من "دخان" وجد موقع كبير لصناعة الأدوات الصوانية عند "أم طاقة" من المحتمل أنها ترجع إلى مرحلة العصر الحجري الوسيط الميزوليتي، وإلى الجنوب الغربي من "مسيعيد" تم اكتشاف عدة مواقع جديدة. كما دلت الحفريات على امتداد الحضارة العبيدية التي قامت جنوبي العراق وشمالي الخليج العربي إلى شبه جزيرة قطر.
بين الفينة والأخرى أُسئل سؤالا محرجا مزعجا وهو "كيف أتعلم الكتابة؟". ورغم مرور قرابة الاثنتي عشرة سنة قضيتها في الكتابة، فإني أتلجّم وأتلعثم أمام سؤال كهذا؛ سؤال يتوقع إجابة علمية وعملية على أمر أقرب إلى الفن. حينها لا أملك إلا النجاة بالصدق، فأقول للسائل "اتبع نظام اخدم نفسك بنفسك؛ اقرأ ولاحظ ما يفعلون، وستعرف سر الصنعة".
لا ضير من تعليم الناس كيفية كتابة البحوث مثلا أو التقارير أو الأخبار الصحافية أو غيرها من صنوف الكتابة الرسمية التي لا تخلو من قواعد حاكمة، بيد أني لا أستطيع أن أخفي استغرابي حين أرى إعلانا لدورة في الكتابة الإبداعية (مقالة أو قصة قصيرة مثلا)، تعلّم الناس –في الغالب الأعم- الكتابة على الطريقة الحربية! إذ يعلمونهم أن للمقالة مقدمة ومتن وخاتمة، تماما مثل الجيش الذي له مقدمة وقلب وساقة. هنا، لا أجد فرقا بين البحث العلمي والمقالة إلا في الحجم، تماما كالفارق بين الجيش والسريّة! دعيت ذات مرّة إلى دورة مشابهة، ففضلت الحديث عن الأخطاء اللغوية التي يقع فيها الكُتّاب، بدلا من تعليم الحاضرين كيفية ربط الكلمات والفقرات بالصمغ.
الصفحة 13 من 45