الحلم حالة من التمرد على الواقع والتحليق خارج قيوده ، وكلما كان هذا الواقع أكثر بؤسا كان الحلم أثر إغراقا في الخيال وكانت الرغبة فيه أقوى ، ففيه يبني الإنسان عالمه الخاص أو يحلم بغده دون الهروب إلى عالم خاص ، هكذا نعرف الحلم . وعندما يكون الواقع مرا فلا حاجة لأحد إلى أن يحلم بما هو أمر وإلا كان كابوسا أو مؤشرا على اختلال نفسي عميق .
لا أجد عنوانا يصلح لوصف مشهدنا السياسي والثقافي الفلسطيني أفضل تعبيرا واختصارا من هذا العنوان المؤلم حتى النخاع ولكن هي الحقيقة الظاهرة دونما حاجة لكثير من مهارة في تشخيصها ، وليس غريبا أن نضيف هذا الحال إلى ما تناولناه عن المفاهيم المنقلبة مؤخرا ، فلقد انقلبت أيضا مفاهيم الثقافة وانقلبت حالها بانقلاب المنقلبين الذين لم يدّخروا جهدا في تسويغ انقلاباتهم هذه المرة ثقافيا بتدبير المؤامرات لاغتيال الذاكرة الفلسطينية والتي هي عصب الصمود الحقيقي وشرط الحفاظ على مستقبلية البقاء والوجود خاصتها معا.
منذ خمسة قرون بدأ المد الغربي يجتاح العالم شمالا وجنوبا وشرقا في موجات متلاحقة من الهجرات البشرية بدأت باحتلال ما سمي " العالم الجديد " في الأمريكتين واستراليا ثم في موجات من الاحتلال الاستيطاني لعل أشهرها جنوب أفريقيا . ومع اقتسام العالم بين القوى الاستعمارية الكبرى أصبح هناك نموذج متكامل يتخلص به الغرب من مشكلاته بتصديرها خارج حدوده :
من الأفكار الشائعة التي يفرض علينا الدرس العراقي إخضاعها للمراجعة والتقييم الهادئ فكرة انهيار الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي أمنية طالما ألبست ثوب التحليل السياسي وقرنت بما يفترض أنه أدلة قاطعة وروج لها الكثير من المحللين العرب ، . . أرقام مربكة عن العجز والدين والبطالة والأزمة الاقتصادية القاصمة التي ستأتي لا محالة ، فضلا عن التركيز في صورة أمريكا على الإباحية والخلل الديمغرافي وارتفاع مستوى الجريمة و .. .. . وربما منذ أزمة فيتنام والفكرة تطرح بصياغات مختلفة في الديباجات متفقة في الجوهر .
يعيش العالم الإسلامي اليوم وضعا معقدا ومربكا في كل تفاصيله , وقد أصبحت الجغرافيا التي تدين بالإسلام من طنجة وإلى جاكرتا ووصولا إلى روافد العالم الإسلامي في معظم القارات عرضة للإحتلال المباشر وغير المباشر عسكريّا وسياسيّا و إقتصاديّا وثقافيّا وأمنيّا , وقد كان الإعتقاد السائد أنّ العالم الإسلامي قد ودعّ وإلى الأبد الحركة الإستعمارية التوسعية الغربية والتي أرخت بظلالها علىعالمنا الإسلامي في القرن الماضي , والتي كانت سببا رئيسا في تراجع المشروع النهضوي والتنموي الإسلامي , كما كانت السبب في إنتاج نخب علمانية أتاحت للفكر الكولونيالي في كل أبعاده السياسية والثقافية والإقتصادية أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة إسما وشكلا .
تدعّي الولايات المتحدة الأمريكيّة أنّها لجأت وستلجأ إلى الحروب الإجهاضيّة والوقائيّة من أجل نشر الديموقراطيّة والحريّة في الدول المحرومة من التحرّر وحقّ إتخاذ القرار والمشاركة في صناعة الخطوط الكبرى للدولة , وينطبق صدر البيت الشعري العربي يعطيك بطرف اللسان حلاوة , تماما على الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت أفضل من يجسّد الهوة الساحقة بين النظريّة والتطبيق .
على الرغم من أنّ دولا أوروبية عديدة قد إحتكّت بالعالم العربي و الإسلامي في فترة الحركة الإستعمارية والتي دامت في بعض البلدان أزيد من مائة عام , وعلى الرغم أيضا من أنّ هذه الدول قد جمعت تفاصيل الحياة الثقافية والسياسية و الاجتماعية و الأمنية و الجغرافية والحياتية وغيرها من المجالات عن العالم العربي والإسلامي - و لو أنّ هذه المعلومات المجموعة تدوّن لكانت الحصيلة مجلدات ربما تتطلب سنوات لقرائتها -